رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الهجرة النبوية.. نور يُبَدِّد ظلام العالم
العلماء: المرحلة «المكية» كانت لبناء الإنسان.. و«المدنية» لإقامة الأمة

تحقيق ــ رجب عبدالعزيز
الهجرة

لم تكن هجرة النبى، صلى الله عليه وسلم، من مكة إلى المدينة؛ مجرد انتقال من مكان إلى مكان، ولا تحوُّلٍ من الخوف إلى الأمان، بل كانت حدثًا أجمع الصحابة، رضى الله عنهم، على أنه يستحق أن يكون الحدث الأكبر فى عصر النبوة، الذى تُؤَرَّخ به الأحداث الإسلامية، على مرِّ العصور، لبدء العام الهجرى الجديد.

ووفق علماء الدين: لولا الهجرة ما قامت الأمة الإسلامية، ولو لم تقم لاستأصل كفار قريش شأفة الإسلام من أصله، ولقضوا عليه فى مهده، وقد كانوا قاب قوسين أو أدنى من الفتك برمز هذا الدين، والداعى إليه، لولا فضل الله، ورحمته، مما مثَّل علامة فارقة فى التاريخ البشرى، ونقلة للعالَمين من الظلمات إلى النور.

يرى الدكتور مجدى شقوير، رئيس قسم أصول الفقه بكلية الشريعة، أن الهجرة النبوية حادثة فارقة فى تاريخ الإسلام والمسلمين، ولها مكانة عظيمة؛ لما ترتب عليها من نتائج. وقد وقعت فى حياة المسلمين الأولين هجرتان: الأولى هجرة بعض الصحابة إلى الحبشة، والثانية هجرة النبى وأصحابه إلى المدينة، وكلتاهما تكمل الأخرى؛ إذ الأولى مقدمة للثانية وبداية وتمهيد لفكرة الانتقال إلى مكان آخر.

أما الهجرة الأولى - يضيف - فقد رخص النبى صلى الله عليه وسلم لمن أراد من أصحابه فيها أن يخرج إلى الحبشة فاستجاب لذلك ثلاثة وثمانون رجلا وثمانى عشرة امرأة.. ليس فرارا من إرهاب قريش واضطهادها، كما قد يظن البعض، بدليل أن معظم من هاجر إلى الحبشة هم أبناء زعماء قريش مثل: حبيبة بنت أبى سفيان، وجعفر بن أبى طالب، وعثمان بن عفان وزوجته رقية، وعبدالرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وعثمان بن مظعون، وأبى سلمة وزوجته.. ممن كانت لهم قوة ومنعة فى قومهم؛ بل كان المقصد من هذه الهجرة إحداث هزة قوية داخل المجتمع المكى خاصة داخل بيوت الذين خرج أبناؤهم إلى الحبشة لعل ضمائرهم تنتبه من غفلتها، مع إنشاء قاعدة احتياطية يلجأ إليها المسلمون عند الضرورة إذا استطاع المشركون القضاء على الدعوة بمكة أو بالمدينة.

ويتابع: لهذا لم يأذن النبى لجعفر وأصحابه بالرجوع إلا بعد غزوة الخندق فى السنة الثالثة من الهجرة حيث أمن المسلمون، وقال، صلى الله عليه وسلم: «الآن نغزوهم ولا يغزونا«، وحينئذ بعث رجلا من أصحابه ليعود بجعفر ومن معه إلى المدينة فوافاه حين فتح خيبر، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: «لا أدرى: هل أفرح برجوع جعفر وأصحابه أم بفتح خيبر؟». ومن ثم كان التمهيد لفكرة الهجرة والانتقال عن الوطن، وترك الأهل والأصحاب والديار والأموال.

مرحلة الأمة

الهجرة الثانية إلى المدينة المنورة - وفق د. شقوير - لم تكن مجرد انتقال من مكان إلى مكان بل كانت انتقالا من مرحلة الجماعة إلى مرحلة الأمة بكل مقوماتها؛ إذ كان المسلمون بمكة مجرد جماعة تجمعهم عقيدة واحدة يعبدون الله فى خفاء، وبعد الهجرة تحولت هذه الجماعة إلى دولة متكاملة بكل مقوماتها وعناصرها: من الدستور الذى تمثل فى وثيقة المدينة، والحكومة التى رأسها النبى، وقامت بتنظيم وإدارة شؤون الأمة والأرض، والشعب الذى تكون من المسلمين والمشركين واليهود.

كما كانت الهجرة انتقالا من مرحلة التشريع العقدى إلى مرحلة التشريع العملى لتحقيق مقاصد الرسالة الخاتمة؛ إذ يقرر الباحثون فى تاريخ التشريع الإسلامى أن المرحلة المكية كانت تركز على بناء وترسيخ مفاهيم العقيدة الإسلامية؛ لهذا لاحظ العلماء أن من السمات الفارقة بين القرآن الكريم المكى والمدنى أن الآيات التى تتحدث عن العقيدة مكية، وتلك التى تتحدث عن الأحكام والمعاملات مدنية؛ نظرًا لحاجة الأمة الوليدة فى المدينة إلى تنظيم شئونها وأفرادها ومواجهة الواقع الجديد إذ كانت المرحلة المكية لبناء الإنسان، بينما كانت المدنية لبناء الأمة، كما كانت انتقالا من مرحلة الصبر والاستضعاف إلى مرحلة المواجهة، ومغالبة الباطل، والقضاء عليه.

فلما هاجر إلى المدينة نزل الإذن بالقتال فى قوله تعالى: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير«، وحينئذ أخذ النبى زمام المبادأة والتصدى لقوافل قريش، فحث أصحابه على النفير وملاحقة المشركين؛ حتى شهد العام الأول من الهجرة سرايا عدة، كان أولاها سرية سيف البحر بقيادة حمزة على رأس سبعة أشهر من الهجرة ثم تبعتها سرايا أخرى فى العام ذاته، قبل غزوة بدر.

نقطة تحول

فى سياق متصل، يؤكد الدكتور أحمد شبل، مدرس الحديث بجامعة الأزهر، أننا حينما ننظر إلى الهجرة بنظرة تحليلية نجد أن الصحابة رضى الله عنهم كانوا موفقين جدًّا لاختيار هذا الحدث لابتداء التاريخ، وقد كان الحق معرضًا لأن يندثر، كما كان كفَّار قريش قاب قوسين أو أدنى من الفتك برمز هذا الدين، والداعى إليه.

ويتابع: الهجرة كانت شعاع النور الذى بدد هذا الظلام، والفرج الذى أتى بعد الضيق، واليسر بعد العسر، ففرَّقت بين الحق والباطل، كما قال عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، كما نصرت المظلوم، وجبرت المكلوم، وفتحت أبواب الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، حتى وصل الإسلام إلى بلاد فارس والرُّوم، بل هى التى مهدت لبدء الوحى من الأساس، إذ كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يعتزل الناس ويهجرهم فى غار حراء، يتعبدالليالى ذوات العدد حتى نزل عليه الوحى، وهو فى هذه الحال. وكما مهدت لنزول الوحى فى بادئ الأمر مهدت بعد ذلك لانتشار الإسلام فى ربوع الدنيا.

ويوضح د. شبل أن الأنبياء هاجروا وفارقوا أرضهم وديارهم، كما حكى القرآن الكريم ذلك عن إبراهيم ولوط وموسى، وعيسى، وغيرهم، عليهم الصلاة والسلام، لكنَّ هجرتهم لم تؤثر فى دعوتهم مثلما أثرت هجرة النبى، صلى الله عليه وسلم، فى دعوته؛ لذلك تميَّزت تلك الهجرة عن بقية هجرات أنبياء الله ورسله حتى صارت رمزًا لأمة الإسلام إلى قيام الساعة، فإذا علمنا دور الهجرة فى الحفاظ على الإسلام وأهله؛ استيقنا أنه لا حدث فى الإسلام أعظم منها ليكون مبتدأ تاريخ المسلمين.

عناية الله

متفقًا مع الرأيين السابقين، يقول الدكتور سارى زين الدين، أستاذ الدعوة المساعد بجامعة الأزهر، إن الهجرة النبوية أكدت عناية الله تعالى بأنبيائه وعباده الصالحين وكل من لجأ إليه وتوكل عليه؛ إذ إنه تعالى أنقذ النبى، عليه الصلاة والسلام، من المُشركين بعد أن أحاطوا ببيته ليقتلوه، فخرج وهو يتلو عليهم قوله تعالى: «وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ».

هذا بالإضافة إلى حسن التخطيط الذى ظهر جلياً فى تصميم النبى، صلى الله عليه وسلم، خطة محكمة للهجرة، فاختار «الرفيق، والوقت، والطريق، والدليل، المناسبين»، للاختفاء عن المُشركين.

كما بينت الهجرة - بحسب تعبير د. سارى - أثر التوكّل على الله تعالى، وبث الأمل والتفاؤل والبشر فى النفوس، خصوصا فى وقت الشدّة؛ إذ جسّد النبى، صلى الله عليه وسلم، هذا الخُلق العظيم عندما قال أبو بكر له: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما؟».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق