رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

إشعاع عابر للزمن..
«الأهرام» لايزال يحافظ على رصانته وجدِّيَّته فى نقل الخبر وصياغته بأَمانة ويحترم عقل القارئ ومكانته لديه

هنرى زغيب - كاتب وشاعر لبنانى

بين 5 أغسطس 1876 و5 أغسطس 2021 سحابةُ عمر خصيب من 145 سنة تؤَرِّخ لهذه «الأَهرام» النضرة صبًا دائمًا لا تخدش السنوات نضارته، ولا تخدِّده تجعُّداتٌ تصيب مَن يصيبه الهرَم. ذلك أَن هرَم «الأَهرام» ليس عمرًا خريفيًّا بل سطوعُ التاريخ الحى على كل هرَم من أَهرام مصر، إِذًا من قلب الزمان إِلى كل قلب فى الزمان.


145عامًا من العطاء الصحافى، لا ضؤُلَت الجريدة عن عطاء، ولا ترنَّحت صفحاتها فى مهاوى الخطر. وها هى لا تزال فى سماء مصر والعرب شمسًا صحافية تشرق كل صباح ولا تذهب إِلى غروب إِلَّا لتستريح كى تشرق فى الصباح التالى.

فى فضاء الطُموح

قد يكون باقيًا فيها نُسْغٌ متواصل من ذينك اللبنانيين (سليم وبشارة تقلا) اللذَين حملهُما الطموح الصحافى أَلّا يستغرق تحضيرهما سوى بضعة من أَشهر بين نيلهما فى 27 ديسمبر 1875 الإِذن الحكومى بالصُدور، وإصدارهما العدد الأَول نهار السبت 5 أغسطس 1876. وكانت تسمية «الأَهرام» وفاء منهما لمصر وإِجلالًا إِياها، هى التى استقبلتْهما من ربوعهما فى كفرشيما لبنان إِلى ربوع الإِسكندية هاربَـين من طغيانٍ فى لبنان بسطَتْهُ صرامةُ السلطة العثمانية على بلادهما.
يومها، برغم وساعة حلمهما والطموح، لم يَحدُسا أَنهما أَطلقا جريدةً ستكون بعُمْرها المديد أَوّلَ وأَهَمَّ جريدة، مصرية خصوصًا وعربية عمومًا، وأَنها ستكون عميدةَ الصحف العربية على الإِطلاق. كلُّ ما كانا يُحسان به أَنهما يَنعمان بالحرية فى ربوع مصر التى استقطبَت فى ذاك الربع الأَخير من القرن التاسع عشر كوكبةً مباركة من اللبنانيين، فاتحةً لهم آفاقًا نبيلةً من الوساعة الرحبة فى التفكير والتعبير، ما لم يكن متاحًا لهم فى بلادهم.
وبرغم انقصاف المؤسسَين الشقيقين فى ربيع العمر (سليم سنة 1892، وبشارة سنة 1901)، واصلت «الأَهرام» مسيرتها لأَن قدرها أَقوى من السقوط، ولأَن مصر كانت تنعم بحُكم الخديوى إِسماعيل الذى أَنشأَ فى مصر نهضةً غنيةً فى ميادين الإِدارة والاقتصاد والعمران.

إِلى قلب القاهرة

سرعان ما بات لهذه الجريدة الشابّة تأْثيرُها فى الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية فَحَوَّلها الشقيقان يوميةً بعد فترةٍ من صدورها أُسبوعية صباح كل سبت. وقبل عام من نهاية القرن التاسع عشر، انتقلت إِلى القاهرة (1899) لتكون فى قلب القلب من النبض المصرى.
فى القاهرة حمل شعلتَها لبنانيون آخرون بدءًا من ابن بعلبك الشاعر خليل مطران، فابن يحشُوش الكسروانية الصحافى داود بركات الذى وسَّع آفاقَها لتُصبح أَكبر جريدة فى الشرق الأَوسط. ولدى غيابه سنة 1933، واصل نهضتَها ابنُ بكفيَّا أَنطون الجميِّل جاعلًا إِياها قطب الحياة السياسية والفكرية والثقافية فى مصر وسائر العالم العربى. وتلاه فى رئاسة تحريرها سنة 1948 ابنُ بيروت عزيز ميرزا حتى 1955، ثم تولّى تحريرَها بعده مصريون مسئولون واصلوا رسالة الجريدة بأَمانة ومسئولية عاليتَين.

بركات والجميّل

بعد تولِّى السيدة بتسى تقلا إِدارة الجريدة إِثر وفاة زوجها بشارة، جاء عهد داود بركات، فنَقَل «الأَهرام» من أَربع صفحات إِلى ثمانٍ فاثنَتَى عشْرة، ما جعلها عهدئذٍ أَوسَع الصحُف انتشارًا فى مصر وخارجها، بما كان بركات يمتلك من قُدرةٍ كتابية وثقافةٍ رحبة وخبرةٍ صحافية بناها سابقًا منذ إِصداره جريدةَ «الأَخبار» مع الشيخ يوسف الخازن. وكان بركات ذا نزعة أَدبية فأَنشأَ فى «الأَهرام» أَبوابًا وزوايا جديدة لتشجيع التراث الأَدبى، منها «تقريظ التأْليف»، «المؤَلفون والانتقاد»، «ثمرات الأَقلام»،... وزوايا ثابتة أُخرى كانت جديدةً يومها على الصحافة. وزاد من المصداقية فـتْـحُ داود بركات صفحاتِ «الأَهرام» لدعوات الفضيلة يُطْلقها علماءُ الأَزهر لنشْر قِــيَـم الإِسلام الخلُقية، ولتبنّى الجريدة سائرَ القضايا الدينية السامية.

بعد داود بركات تولى المسؤُولية أَنطون الجميّل، خطيبُ ذاك العصر والاسمُ الرائج فى الصحافة، وكان قبلذاك اكتسبَ خبرةً من تحريره «البشير» فى بيروت، ثم إِصداره «الزهور» (1910) فى القاهرة مع أَمين تقى الدين، فنقَل «الأَهرام» إِلى حقْبة زاهرة من مجدها الصحافى والأَدبى، وجعل مقرَّها ملتقى كبار المصريين السياسيين والمثقَّفين. نال الجنسية المصرية وانتُخب عضوَ مجلس الشيوخ المصرى، وعضوَ المجمع اللغوى فى مصر والمجمع العلْمى فى دمشق، وكان وفيًّا لِـمصر فمنحَتْه لقب «باشا».

 

بهذا الدفع الصحافى تتقدَّم «الأَهرام» اليوم، طبعةً ورقيَّةً أَنيقة، وطبعة رقميَّةً شقيقة، مواصِلةً بهما مسيرتها المشرِّفة فى تاريخ مصر الحديث.
أَعرف كم تعانى الصحافة اليوم من صعوبات تقنية ومادية، حيال اتساع وسائل الإِعلام البصرية ووسائط التواصل الإِلكترونى. وهذه تنقل الخبر من أَول الدنيا إِلى أَقصى الكرة الأَرضية فى بضع من ثوانٍ، فما على الملتقى انتظار اليوم التالى كى يطَّلع على تفاصيل الخبر. كأَنما الصحافة اليومية باتت ما سوى منصة للآراء والتعليقات والتحليلات أَكثر مما للاطِّلاع العادى.

وأَعرف أَن «الأَهرام»، كشقيقاتها كُبرَيات الصحف فى العالم، مرَّت وقد لا تزال تمرُّ فى صعوبات إِن حَدَّت، ولو جزئيًّا، من مساحات قرائها، لا تحدُّ من جوهر رسالتها الصحافية: جريدةً يومية، ومركزَ أَبحاث، ودارًا للنشر باتت عالمية، وطبعاتٍ دوليةً خارج مصر تجعلها حاليًّا فى مصاف الدُور الصحافية الكبرى فى العالمين العربى والغربى.

مدرسة «الأَهرام»

فى الصحف مَن تؤدّى عملها المهنى احترافًا سليمًا يوصل الخبر إِلى القارئ، ومنها مَن توصله أَحيانًا مشوبًا ببعض خلل فى صحته بلوغًا إِلى هدفٍ قد لا يكون دائمًا شريفًا أَو بريئًا فتقع فى ضرورة التصحيح غداة صُدوره. ومنها من تحافظ على رصانتها وجدِّيَّةٍ فى نقل الخبر أَو صياغته بأَمانة تحترم عقل القارئ ومكانته لديها.

«الأَهرام» هى من هذه الفئة الأَخيرة، الراسخة فى الأَصالة، الباقية على ثَباتها فى المهنية العاليةِ الاحتراف مثلما انطلَقت منذ آل تقلا، وما زالت حتى اليوم، مُشَكِّلةً بذلك مدرسةً فى الصحافة باتت عربيًّا وعالميًّا تُعرَف بــ»مدرسة الأَهرام»، تُحتذى وبها يَتمثَّل العمل الصحافى ويكون شرفُ الريادة.

هكذا يطمئنُّ قارئها إِلى أَنها لم تلْهف يومًا وراء خبر غير صحيح، أَو تجاه سبَقٍ صحافيّ (scoop) متسرِّعٍ تُضطر إِلى الاعتذار بسببه أَو نفْيِه لاحقًا. وهذه هى الرصانة التى تتميَّز بها «الأَهرام» منذ فجرها حتى اليوم.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق