الكُتاب الساخرون عُمْلَة نادرة سواء أدباء أو صحفيين، يكتبون ما لديهم بأساليب مختلفة، فلكل كاتب طريقته التى تميزه عن غيره، لكن الكل يتحد فى الثقافة والموهبة القادرة على التحليق بالحس النقدى فى مُختلف المواضيع.
« الولد الشقي» محمود السعدني؛ الاسم والوصف الذى اختاره لنفسه ليصاحبه طوال رحلته، وليكون أيضاً عنواناً لسيرته الذاتية التى صدرت فى ستة أجزاء، فقد استطاع أن يطوع الكتابة لخدمة موضوعاته المتنوعة التى جذبت القارئ لها ليصبح عن جدارة أحد رواد الكتابة الساخرة فى الصحافة المصرية والعربية.
ومن منا لم يجذبه واحد من أهم الأعمدة «نصف كلمة» الذى استمر لأكثر من نصف قرن بجريدة «الأخبار» للصحفى الراحل أحمد رجب أحد أشهر الكتّاب الساخرين فى تاريخ الصحافة المصرية والعربية الذى احترم وقت القارئ بعد أن وصل إليه برسالته الساخرة اليومية المختصرة، التى ظلت الأجرأ والأعلى سقفا فى انتقاداتها لمظاهر الفساد.
وبين قلم وأفكار وكلمات أحمد رجب وريشة مصطفى حسين اتحد أشهر ثنائى لتأليف شخصيات «كاريكاتيرية»، منها فلاح كفر الهنادوة، ومطرب الأخبار، وعبده مشتاق، وكعبورة.
أما الأديب الصوفى الساخر أحمد بهجت صاحب القلم الذى يجمع بين الفن القصصى والعمود الصحفى والسخرية الراقية؛ حكاء صندوق الدنيا؛ فلم يكن مجرد كاتب ساخر يشتهر بعمود صحفى يكتبه فى صحيفة «الأهرام» فحسب، بل كان أحد المؤثرين فى أجيال الثمانينيات والتسعينيات والألفية، وأحد من أسهموا بشكل كبير فى تشكيل الوعى لدى عامة الشعب المصرى، فبقلمه الساخر الراقى استطاع أن يجعل كلماته القصيرة حتى آخر أيام حياته أحد أهم الكلمات التى يبحث عنها القراء.
وعندما تكون السخرية فنًا يذكر هنا اسم صلاح جاهين الذى لم يكتُب الشعر فقط، إذ عُرف عن شاعر العامية رهافة إحساسه وقوة قلمه فترك لنا إرثاً كبيراً من الشعر والأعمال السينمائية والمسرحية بين تمثيل وكتابة بالإضافة إلى فن الكاريكاتير؛ بشخصية مرحة وأسلوب ساخر أسر القلوب.
وقد وصف الأديب الكبير يحيى حقى الرباعيات «بقنبلة يدوية»، مضيفاً «حقق جاهين فى رباعياته ببساطته وتلقائيته التعبير عن كل ما يشغل البسطاء بأسلوب يسهل فهمه واستيعابه».
ولا ننسى الكاتب الساخر يوسف عوف الذى اشتهر بأسلوبه الساخر فى رصد سلبيات المجتمع المصرى، فأصبح حلال المشكلات، إذ جمعت كتاباته بين خفة الظل والدراما، وأبرزها مشاركته فى «ساعة لقلبك»، أشهر برنامج إذاعى، الذى خرج منه عدد كبير من فنانى الكوميديا.
كما قدم العديد من المسرحيات الكوميدية التى حققت نجاحاً كبيراً مثل «هاللو شلبى» و«راقصة قطاع عام»، وكانت كتابته الساخرة فى الصحافة وأسلوبه المنفرد، طريقًا لوصوله لعالم الإذاعة، وفتح أبواب الفن أمامه، وتقديم برامج ومسلسلات ساخرة منها: «عجبى، قول يا صبح، أمس واليوم وغدا، وعجايب وساكن قصادى. وكانت له أيضاً علامات فى السينما المصرية كفيلم «عالم عيال عيال»، وبصمة واضحة فى فوازير المُناسبات، وغيرها من الأعمال القيمة التى لا تنسى.
أخيرًا، عندما نتحدث عن الأدب والشعر الساخر نتذكر أيضًا بيرم التونسى الذى ما زال يشع بالحضور ويعبر عن أدق تفاصيل واقعنا العربى المعاصر بلغة الإنسان البسيط، حتى بعد مرور 60 عاما على رحيله، إذ ما زالت كلماته وأعماله الفنية المبدعة تأبى الرحيل، وذلك برغم أنه لم يجد فى الماضى إصدارا يتحمل عواقب نقده الساخر فأصدر صحيفة «المسلة» التى كان يملأ صفحاتها المتنوعة بمفرده.
رابط دائم: