أزمة اقتصادية طاحنة تعيشها لبنان منذ نحو عامين، بسبب عدم الاستقرار السياسى. وفاقم انفجار مرفأ بيروت من الأزمة، نظرا لحالة الشلل التى أصابت البلاد منذ ذلك الحين وما زالت مستعصية على العلاج.
وقد صنف البنك الدولى أزمة لبنان الاقتصادية، ضمن أسوأ ثلاث أزمات عالمية منذ منتصف القرن الـ19، بسبب التحديات الثلاثة: الفراغ السياسى وجائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت، فى ظل عدم كفاية استجابة السلطات اللبنانية لهذه التحديات إلى حد كبير. كما أشار إلى أن إجمالى الناتج المحلى اللبنانى، شهد انكماشا شديدا فى 2020 بنسبة 20.3%، كما انخفض متوسط سعر الصرف الذى يحتسبه البنك بنسبة 129% خلال العام نفسه، وهو ما أدى إلى ارتفاع نسبة التضخم، حيث بلغ المتوسط 84.3 ٪. ووفقا للبنك الدولى، فإن 1 من 5عمال فقدوا وظائفهم، و41% من العائلات لديها صعوبات بالحصول على الطعام والمواد الأساسية الأخرى، و36% يتعذر عليها الوصول إلى الرعاية الطبية، فضلا عن التسرب من التعليم.
وبالتزامن مع تقديرات البنك الدولى، أكدت كل من منظمتى «اليونيسف» و «الإسكوا»، ارتفاع نسبة الفقر فى لبنان إلى 55%، كما تضاعفت نسبة الفقر المدقع ثلاث مرات من 8% إلى 23%، حيث إن نحو 77% من الأسر اللبنانية، لم يعد لديها ما يكفى من الطعام، أو حتى المال الكافى لشراء المواد الغذائية.
كما حذرت «اليونيسف» من انهيار شبكة إمدادات مياه الشرب فى لبنان خلال ٤إلى ٦أسابيع، بسبب العجز عن دفع تكلفة صيانة المحطات بالدولار، وانهيار شبكة الكهرباء، مع ارتفاع أسعار المحروقات. وخلال الأزمة، فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار، بينما تراجع احتياطى الدولار بالبنك المركزى، فى الوقت الذى تراجعت فيه قدرة وزارة الطاقة على توفير التيار الكهربائى، لتغرق البلاد فى الظلام لفترات طويلة.
ولم يعد لدى أصحاب مولدات الكهرباء الخاصة القدرة على تغطية ساعات الانقطاع، نتيجة شح البنزين والمازوت وارتفاع سعرهما، حيث رفعت الوزارة أسعار المحروقات عموما بنسبة تزيد على ٤٠%، وهو ما هدد كذلك بتوقف عمل المستشفيات والأفران والمخابز.
ونتيجة للأعباء المتزايدة ونقص الخدمات الأساسية، خرجت احتجاجات شعبية إلى الشارع، تنديدا بعجز السياسيين عن تنحية خلافاتهم، وما يروج له من الفساد الذى طال «مركزى» لبنان والعديد من الوزارات، وما نجم عنه من انفجار المرفأ، وهو ما دفع بحكومة سعد الحريرى إلى الاستقالة، ومن بعدها حكومة حسان دياب. ولم تتوقف تداعيات الأزمة عند هذا الحد، بل طالت كذلك المؤسسة العسكرية، حيث وصل الراتب الشهرى للجندى إلى نحو 90 دولارا، بينما تقرر استبعاد اللحوم من وجبات طعام العسكريين أثناء الخدمة، بعد الارتفاع غير المسبوق فى أسعارها.
ومع قبوله تشكيل الحكومة الجديدة، تتجه الأنظار الأن إلى الرئيس الأسبق للحكومة نجيب ميقاتى، فى انتظار الإجابة على السؤال المطروح، وهو: هل ينجح فيما فشل فيه سابقوه، وأن يصبح المنقذ للأوضاع الصعبة، والتى باتت فى أشد الحاجة إلى الانعاش؟.
ربما تبدو الإجابة صعبة بالفعل، نظرا لاستحالة تعويض الخسائر التى تعرض لها اقتصاد لبنان فى وقت قريب، حتى وإن تحول فرقاء الداخل إلى شركاء، ذلك أن استعادة السيطرة على الوضع، باتت فى حاجة ملحة لحزمة إنقاذ خارجية عاجلة، تلك التى تتوقف على قبول تنفيذ الاشتراطات.
رابط دائم: