بدا واضحا أن هناك توافقا داخليا وإقليميا ودوليا لإنهاء الأزمة السياسية الحالية فى لبنان بعد تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وخشية خروج الأمور عن السيطرة مع قرب حلول الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت فى 4 أغسطس المقبل، وقد ظهر ذلك بتكليف نجيب ميقاتى، رجل الأعمال الثرى، لتشكيل الحكومة الجديدة، بعد اعتذار سعد الحريرى زعيم تيار المستقبل بعد حوالى 9 أشهر من تكليفه، ليصبح الثانى، الذى يعتذر، بعد السفير اللبنانى فى برلين مصطفى أديب الذى تم تكليفه بعد استقالة حكومة حسان دياب عقب انفجار المرفأ. ونستطيع القول إن ميقاتى، هو رئيس حكومة الفرصة الأخيرة أو مرشح الضرورة، حيث ينظر إليه فى الداخل على أنه المنقذ، حيث يتم عادة طرحه كمرشح توافقى للخروج من الجمود السياسى، وقد تولى رئاسة الحكومة مرتين وعمل وزيرا عدة مرات، لكن بعض اللبنانيين أيضا يعتبرونه جزءا من النخبة السياسية المسئولة عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
لقد بثت تصريحات ميقاتى، عقب تكليفه وبدء مشاوراته مع الكتل السياسية، أجواء إيجابية، وسط تفاؤل بقرب انتهاء أزمة تشكيل الحكومة، خاصة أنه حظى خلال الاستشارات النيابية بتأييد 72 صوتا تمثل أبرز الكتل ومن أهمها، تيار المستقبل بزعامة سعد الحريرى، وحركة أمل برئاسة رئيس البرلمان نبيه برى، وتيار المردة برئاسة سليمان فرنجية، وكتلة الوفاء للمقاومة برئاسة حزب الله، مما يعنى ضمانه تأييد السنة والشيعة. ولكن يتبقى المسيحيون، حيث امتنع عن تأييده التيار الوطنى الحر والقوات اللبنانية، وهما أكبر كتلتين مسيحيتين، لكن ميقاتى ربما يسعى لضمان التمثيل المسيحى من خارج الكتلتين من خلال أكثر من 20 نائبا مسيحيا، وكذلك من خلال الرئيس ميشال عون الذى قد يضمن له تأييد التيار الوطنى الحر، الذى أعلن زعيمه جبران باسيل عدم المشاركة بالحكومة، وأنه لن يكون معطلا لتشكيلها، لكنه اشترط عدم تولى وزير شيعى وزارة المالية. الطريق إلى تشكيل الحكومة الجديدة ليس مفروشا بالورد، بل على العكس كله أشواك، وألغام، توشك أن تنفجر، فالمصادر المطلعة تشير إلى اتجاه ميقاتى لتشكيل حكومة من 24 وزيرا، وهذه الحكومة ستضم 18 وزيرا تكنوقراط و6 وزراء سياسيين يمثلون القوى والأحزاب اللبنانية. واعتماد ميقاتى هذه الصيغة التوافقية قد ينجح، بشرط تراجع الجميع خطوة للخلف بعيدا عن التعنت الذى ظهر خلال تكليف الحريرى، خاصة أن هذه الصيغة تتماهى مع مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه برى، وكذلك المبادرة الفرنسية التى طرحها الرئيس إيمانويل ماكرون لتشكيل حكومة تكنوقراط.
وحتى مع تجاوز عقبات تشكيل الحكومة، خاصة توزيع الوزارات السيادية والاقتصادية، سيصطدم ميقاتى بالتحديات الاقتصادية الهائلة، حيث سيتعين عليه الإعلان عن خطته للإصلاح الاقتصادى وتحرير سعر الصرف، وهى التى تشترطها المؤسسات الدولية والجهات المانحة لتقديم المساعدات للبنان للخروج من أزمته، حيث أصبح نصف السكان تحت خط الفقر، بالإضافة إلى النقص الحاد فى إمدادات الوقود والغذاء ومياه الشرب والدواء، مما دفع رئيس الوزراء المستقيل حسان دياب إلى التحذير من أن لبنان على شفا انفجار اجتماعى. لقد أكد مقياتى أنه حصل على ضمانات من الخارج فى مهمته لتشكيل الحكومة ومنع لبنان من الانهيار، مما قد يذلل بعض العقبات، وربما يضمن تدفق المساعدات على لبنان، للتعامل مع الأزمة الاقتصادية، لكن هذا الدعم الخارجى لن يساعده فى الانتهاء من قضية ميناء بيروت أو إنجاز قانون انتخابى جديد، وعلينا الانتظار لنرى ما ستسفر عنه الأيام القادمة.
رابط دائم: