على الرغم من أنه أحد أشكال الفنون الضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ المصرى، غير أن «الخط العربى» الذى يمثل حلقة واصلة بين الحضارة الفرعونية وفنون العمارة الإسلامية, يواجه مأزقا حقيقيا وخطيرا، حيث لا يوجد قسم واحد مخصص له بكلية من الكليات المتخصصة، ككلية فنون جميلة أو تربية نوعية لتدريسه.
ويوضح الدكتور يسرى الجمل، وزير التربية والتعليم الأسبق، لـ«الأهرام» أن الخط العربى هو لسان لغتنا العربية الجميلة ويدها، التى تبدع ومرآتها التى تعكس ماضيها على صفحة حاضرها جيلا تلو جيل، ولم يكن يوما ما زخرفات شكلية أو لوحات فنية فحسب، بل بات الوعاء الثرى لهذه اللغة ووسيلة إبلاغها، وقد رصد بصوره الفنية المتعددة ملامح وتجليات تراثنا العربى والإسلامى على مر العصور، وهو ما نلمحه فى نتاج كبار الخطاطين ممن وهبوا أنفسهم لحمل هذه الرسالة.

ويشرح الفنان وجيه سعداوى، المعروف بالزعيم سعداوى المشرف على إحدى مدارس الخط العربى بأسيوط، الأنواع الخمسة الأساسية للخط العربى، وهى النسخ والرقعة والثلث والفارسى والديوانى ثم الكوفى. والكوفى خط هندسى يكتب بالمسطرة والقلم الرصاص بمقاسات خاصة به، وقديما كان يُكتب باليد، حتى قام رائد الخط العربى محمد عبدالقادر بوضع تقنين له محدد بالملى، وهناك الفارسى الجلى والثلث الجلى، وهناك كذلك الجلى الديوانى، ولكن تتغير فيه بعض أشكال الحروف، وفيه خط الإيجازة وهو مزيج من الثلث والنسخ، وجميعها تعبر عن عقول أبدعت، وهو ما يظهر جليا فى اللوحات الفنية التى تزدان بها جدران دور العبادة فى مصر والعراق والقيروان وتركيا، كما أن فن الزخرفة على قباب ومآذن فى النجف وكربلاء وجامع الزيتونة من أكبر الأدلة على أصالة هذا الفن.
وأضاف: «هناك كذلك الخط الحر وهو متروك لموهبة الخطاط، وإن كان الفنان مسعد خضير البورسعيدى، قد وضع تقنينا لهذا الخط مشترطا أن يخرج كاتبه ما يُكتب بشكل جميل يريح العين، وقد كُتب به بعض تترات الأفلام والمسلسلات، وهو نوع مغاير عن الأنواع المعروفة من الخطوط، وهو موجود لدى بعض الفنانين ،حيث يتصرفون فى الكتابة بأشكال فنية لا تخضع لقواعد كتابة الخط العربى».
ويشير الفنان سعداوى إلى أن الخط العربى يدرس فى مدارس متخصصة منذ ما يزيد على قرن من الزمان، ومع ذلك نرى خريجى الخط العربى محرومين من استكمال تعليمهم الجامعى، سواء فى كليات الفنون الجميلة أو التربية النوعية، لعدم وجود أقسام متخصصة. فأول مدرسة لتعليم الخط العربى تم افتتاحها عام 1923، وهى مدرسة الخطوط الملكية، وقام بالتدريس فيها الشيخ عبد العزيز الرفاعى رحمه الله والملقب بأمير الخط العربى، وأعماله الخطية والفنية موجودة على جدران المساجد الأثرية الكبرى كمساجد عمرو بن العاص وعبد الرحيم القناوى وأبو العباس المرسى.
أما عبد الرحمن فتحى جعفر، أحد مواهب أسيوط فى مجال الخط العربى، الحاصل على المركز الأول فى واحدة من مسابقات الاتحاد العام لمراكز شباب القرى، فيروى عن علاقته الفريدة بالخط العربى. فيقول: «قرأت ذات يوم عبارة رُسمت بالخط العربى فتأثرت بها وأحببت بعدها فنون الخط، وبعد أن انتهيت من الإعدادية التحقت بالثانوية الميكانيكية بأسيوط قسم الزخرفة والإعلان والتنسيق، وأصر والدى أن يلحقنى أيضا فى العام نفسه بمدرسة مجمعة موشا للخط العربى، وكانت هى البداية الحقيقية».
ويضيف: «تخرجت فى المعهد تزامنا مع دراستى لإدارة الأعمال بالجامعة العمالية، وبدأت فى ممارسة مهنة التدريس بالحصة بمدرسة مجمعة موشا للخط العربى، ثم جاءت الفرصة لدعم شغفى بالمشاركة فى عدد من المسابقات ونيل عدد من الجوائز المحلية», معربا عن أمله فى تطوير المناخ بإيجاد مؤسسات تعنى بالخط العربى.
رابط دائم: