رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

كيف يمكن للمطبخ أن يعكس تاريخ الجنس البشرى؟

عندما نبدأ فى إعداد وجبة طعام غالبا ما يكون تركيزنا على الوصفة ومكوناتها، ولكن هل فكرت يوما فى مصدر أدوات الطهى التى تستخدمها لإعداد تلك الوصفة؟ فى كتابها «تأملات فى شوكة الطعام»: تاريخ كيف نطهى ونأكل، تقدم الكاتبة ومؤرخة الطعام البريطانية الشهيرة بى ويلسون تاريخ غير مسبوق حول كيفية تحضيرنا واستهلاكنا للطعام على مر القرون. وكيف عززت الأدوات التى اخترعناها لنأكل بها تطور الجنس البشرى، وكيف غيرت هذه الممارسات مجتمعاتنا وأنظمتنا الغذائية وأنفسنا لتبرز مدى الارتباط الجوهرى بين الغذاء والثقافة.

 

 

من خلال مزج التاريخ والعلم والأنثروبولوجيا، تكشف ويلسون كيفية ظهور أدواتنا وحيلنا فى الطهى، وماهية تأثيرها على ثقافة الطعام الحديثة. وكيف قمنا بترويض النار والجليد والمضارب والملاعق والبشر من أجل وضع الطعام فى أفواهنا، عبر الكشف عن التاريخ الخفى للأشياء اليومية التى غالبا ما نأخذها كأمر مسلم به، مثل الملاعق والشوك والسكاكين، وغيرها. هناك معلومات كثيرة مثيرة للاهتمام بالكتاب، مثل العلاقة بين تطوير أدوات المطبخ والأجهزة الموفرة للعمالة، خاصة عندما اختفى العبيد والعمال من منازل الأثرياء، وكيف كان الأمريكيون هم الطهاة الوحيدون فى العالم الذين يستخدمون أكواب وملاعق القياس ؛ بينما الآخرون يقيسون بأيديهم أو بأصابعهم .

قبل اختراع أجهزة القياس الحديثة، كان لدى البشر أساليب إبداعية جدا للقياس. على سبيل المثال، كان الناس يقيسون الوقت بتلاوة الصلوات.كانت التوجيهات مثل «تحريك الصلصة أثناء تلاوة الصلاة» شائعة. كانت الثقافات التى عرفت الصلاة على دراية بسيرتها وتوقيتها من الخدمات الكنسية، مما جعلها طريقة فعالة لضبط التوقيت أثناء الطهى. لكن ماذا عن قياس الحرارة قبل أن يكون لدينا موازين الحرارة؟ من أجل معرفة متى تم تسخين الفرن بالكامل، كان الخبازون يضعون أيديهم مباشرة داخل الفرن ليعرفوا متى كانت درجة الحرارة مرتفعة بما يكفى ببساطة من خلال مقدار الألم الذى شعروا به!

بحلول القرن الثامن عشر، تم استخدام الشوكة، وتغيرت معها آداب المائدة كما تغيرت ملامحنا وتشريحنا أيضا. تستشهد ويلسون بنظريات عالم الأنثروبولوجيا تشارلز لورينج برايس لإظهار أن تراكب العضة أو Overbite التى تشير طبيا إلى امتداد التجاوز العمودى للقاطع المركزى بالفك العلوى على القاطع المركزى بأسفل الفك التى نعتبرها جزءا طبيعيا من تشريحنا ترجع إلى 250 عاما.قبل 200 عام؛ تطور فك الإنسان لتلتقى الأسنان العلوية بالأسنان السفلية فى مقدمة الفم لجعل تمزيق اللحم أثناء تناوله أكثر كفاءة.لاحقا تم إجراء تغييرات فى عادات الأكل لتغييرات فى الفك وارتبط ذلك بتطوير أدوات مائدة حادة بالقرن الثامن عشر وهو تطور قلل من كمية القطع والمضغ التى يتم إجراؤها فى أوقات الوجبات، والقضاء على الحاجة للأسنان التى يمكن أن »تقطع« بالنسبة لنا.

كانت الشوكة موضع شك واستهزاء منذ اختراعها أول مرة وارتبطت بشائعات حول وفاة أميرة بيزنطية زعما أنها توفيت بسبب استخدامها رغم وفاتها بالطاعون. كما كان يوصم من يستخدمها بأنه مخنث، باستثناء الإيطاليين، الذين تمسكوا بها لأنها جعلت تناول المكرونة أسهل. حتى وقت متأخر من عام 1897 قيل أن البحارة البريطانيين كانوا يظهرون رجولتهم برفضهم تناول الطعام بالشوكة. انتشرت الشوكة بأوروبا كأدوات أخلاق وثقافة تنافسية.

يمكن اعتبار الملعقة الخشبية كقطعة تقنية، لكننا نادرا ما نفكر فيها على هذا النحو لأنه لا يوجد شيء »مستقبلي« أو »لامع« أو »ذكي« بشأنها . لاحقا، ظهرت الملعقة المشوكة ذات شكل هجين بين الملعقة والشوكة التى ينتشر استخدامها بمطاعم الوجبات السريعة . خلال عامه الثانى فى منصبه، أطلق عليها بيل كلينتون »رمز رئاستي« خلال خطاب فكاهى ألقاه فى عشاء مراسلى الإذاعة والتليفزيون بواشنطن. هناك أيضا فصل كامل مكرس للسكاكين واستخدامها على الطاولات. هل فكرت يوما فى سبب كون سكاكين المائدة غير حادة بما يكفي؟ لأنه قبل اختراع مجموعات أدوات المائدة، كان كل فرد يستخدم سكينه الخاص، كان السكين حادا. لذا تم صنع سكاكين المائدة غير حادة عن عمد لتجنب استخدامها لطعن الضيوف أثناء تناول الطعام إذا ما وقعت مناوشات على المائدة كعامل للأمان! عند التفكير فى تطور الأوانى، والاأفران والطهى على النار فإننا نفكر أيضا بالتاريخ الكامل للزراعة والاقتصاد وتغيير الأذواق. اعتقد علماء الأنثروبولوجيا أن المرة الأولى التى تمكنا فيها من الطهى بالنار - منذ حوالى 1.8 مليون سنة - كانت أهم لحظة فى تطورنا، لأن الطعام المطبوخ يسهل هضمه، مما يمكننا من استخلاص قيمة غذائية منه أكثر من الطعام النيء. ساعدت هذه الطاقة الإضافية فى تطوير الدماغ البشرى وجعلنا أكثر ذكاء! غلى الطعام، كما تشير ويلسون، ليس بديهيا بشكل خاص - على عكس النار . ولكن بمجرد تطبيقه، غير الغليان كل شيء تقريبا. أصبحت الخضروات التى كانت سامة فى السابق صالحة للأكل. يمكن تحويل الحبوب إلى عصيدة - لا يمكنك صنع عصيدة بدون إناء - وفجأة أصبحت النشويات العنصر الأساسى فى النظام الغذائى للإنسان.

ليس من قبيل المصادفة أن الزراعة تطورت جنبا إلى جنب مع تطور الأوانى.والأهم من ذلك، أن استخدام أوانى الطهى أنقذ ملايين الأرواح . قبل الأوانى، كان علينا مضغ كل طعامنا، مما يعنى أنه بدون أسنان، سيموت المرء جوعا، ولأن فقدان الأسنان من الحوادث أو الأمراض كان أمرا شائعا لآلاف السنين، فقد كان هذا تهديدا خطيرا للغاية.عندما بدأ البشر فى استخدام الأوانى، اكتسبنا القدرة على تحضير الطعام الذى لا يحتاج إلى المضغ، مثل الحساء والخضروات المهروسة والعصيدة. وهكذا، ساعد ذلك الإناء المتواضع الكثيرين على النجاة من الموت!

تبرز ويلسون أيضا كيف يتم إظهار الثروة والغنى من خلال ما نأكل. إذا كنت ثريا، فأنت تأكل الفاكهة والخضروات فى غير موسمها وتأكل أشياء تُظهر أنه يمكنك الدفع لشخص ما للعمل بالمطبخ لساعات. كما أنه ليس من قبيل المصادفة أن الطريقة التى نتصور بها المطبخ تتوافق مع الهياكل الاجتماعية المتطورة. المطابخ كما نعرفها اليوم - غرف مخصصة للطهى، يستخدمها نفس الأشخاص الذين سيقومون بتناول الطعام - ماقبل عصر الصناعة لم تكن المطابخ سوى غرفة يديرها الخدم. تم تصميم مطابخ الطبقة الوسطى للأشخاص الذين استخدموها، وأغلبهم كانوا من النساء. كان الهدف من »المطبخ المثالي«، المزود بقائمة من الأجهزة الجديدة الموفرة للوقت والأساليب التنظيمية، هو منح النساء مزيدا من الوقت لقضائه خارج المطبخ. بالطبع أثر تغير التقنيات المتطورة على الطريقة التى نأكل بها، وبالطبع تساعد الطريقة التى ننتج بها الطعام ونطهيه فى تشكيل أنظمة الطبقة والعرق والنوع الاجتماعى.

خلال بحثها العميق فى علاقتنا المتغيرة بالطعام والطهي؛ تلقى ويلسون الضوء على تطور البشرية نفسها . هى توضح لنا عبر النقاش حول الملاعق والشوك والثلاجات والأفران، كيف يمكن التنقل فى تاريخ تطور جنسنا البشرى بأكمله عبر رحلة بأرجاء المطبخ وسط أشياء وأدوات نستخدمها يوميا دون أن نفكر فى أهميتها وتأثيرها على تطورنا.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق