-
د. أحمد مصطفى: فحص مليون و780 ألف طفل خلال عامين ضمن المبادرة الرئاسية
-
د. فوزى السودة: معهد «السمع والكلام» يوفر كوادر وإمكانات عالية.. والعيادات الخارجية تستقبل المئات يوميا
-
د. أسامة عبدالنصير: ربع مليون جنيه تكلفة زراعة القوقعة تتحملها الدولة بالكامل
-
د. إيهاب سيفين: قوائم الانتظار ليست طويلة.. و20% من حالات الضعف عيوب خلقية
يتسلل خفية مستترا ببراءة الأطفال، التى لم تتدرب بعد على شرح الأوجاع، أو إصدار أى إنذار ينبئ بوجود لص يسترق السمع شيئا فشيئا من أولئك الصغار، حتى إذا آن أوان التعبير؛ فوجئ الجميع بأن طفلهم كان غارقا فى صمت رهيب، منعه من تلقى أبسط مفردات الكلام.. أشياء كثيرة يمكن أن تتغير فى حياة هؤلاء المولودين بإعاقات سمعية، لمجرد أن يتم إخضاعهم لفحص طبى بعد ساعات من ولادتهم، وهو أمر ربما يكون مستغربا لدى الكثيرين، لكن الواقع أن هذا تم تطبيقه بالفعل قبل نحو عامين، ضمن المبادرة الرئاسية للكشف المبكر وعلاج ضعف السمع، أو فقدانه عند أى مولود على أرض مصرية، حتى لوكان أجنبيا لايحمل الجنسية.. ولأن محاربة «سارق السمع» وحماية الصغار من البقاء للأبد فى «عالم الصمت»، أو الدخول فى براثن إعاقة هى الرابعة عالميا من حيث الانتشار، هدف مهم يستحق إلقاء المزيد من الضوء وبث قدر أكبر من الوعى.
«لا توجد فى مصر بيانات وأرقام واضحة أو إحصائيات رسمية حول أعداد المصابين بالإعاقة السمعية بل كلها اجتهادات أكاديمية من خلال الأبحاث الجامعية، ولهذا جاءت المبادرة التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى، للكشف المبكر عن ضعف السمع عند الأطفال، لتحقق عدة أهداف من بينها توفير قاعدة بيانات بالأرقام».. هذا ما أخبرنا به الدكتور أحمد مصطفى مدير معهد السمع والكلام، ورئيس لجنة المبادرة الرئاسية للمسح السمعى للأطفال حديثى الولادة، ورغم أن الجزء الأول من الكلام يعتبر صدمة، إلا أن الجزء الثانى من الكلام يمثل أملا كبيرا وفرحة، وأيضا بشرى، خاصة عندما نعلم منه أيضا أن الإعاقة السمعية هى رابع إعاقة على مستوى العالم من حيث الانتشار، وأن المبادرة الرئاسية للمسح السمعى للأطفال والكشف المبكر وعلاج ضعف وفقدان السمع للأطفال حديثى الولادة، قد استفاد منها ما يقرب من مليون و780 ألف طفل منذ انطلاق المبادرة فى سبتمبر 2019 وحتى الآن، منهم نحو 4521 طفلا أجنبيا مقيمين بمصر.

وأوضح الدكتور أحمد أن المسح السمعى الإلزامى الذى يتم بالمجان لكل الأطفال حديثى الولادة، والذى تم إدراج خانة له فى شهادة الميلاد، يتزامن مع حضور الطفل إلى الوحدة الصحية عند عمل تحليل الغدة الدرقية له فى الأسبوع الأول من ولادته، ويمتد حتى 28 يوما بعد الولادة، حيث يتم عمل كشف على السمع فى نفس الوحدة الصحية، وفى حالة وجود مشكلة للطفل فى السمع يتم إعادة نفس الاختبار بعد أسبوع فى نفس الوحدة، مشيرا إلى أنه تم تحويل 105آلاف و30 طفلا لإعادة الفحص مرة ثانية من خلال إجراء اختبار تأكيدى فى نفس الوحدة، فإذا ما تأكد وجود مشكلة فى السمع يتم تحويله إلى أحد مستشفيات ومراكز الإحالة، البالغ عددها 30 مركزا على مستوى الجمهورية، والتى يعتبر معهد السمع جزءا منها، وذلك للتقييم الأعلى وبدء العلاج الطبى، أو تركيب سماعة للأذن، أو تحويل الطفل لإجراء عملية زراعة القوقعة إذا احتاجت الحالة، موضحا أن المعهد وحدة تعامل مع أكثر من ألفى طفل لديهم مشاكل فى السمع، ومع توافر الأجهزة والمستلزمات الطبية الحديثة، وصل عدد الوحدات الصحية التى تتوافر فيها أجهزة قياس السمع إلى 3500 وحدة، من إجمالى 5000 وحدة صحية على مستوى الجمهورية مما يعد تيسيرا على الناس، خاصة مع تحمل الدولة تكلفة زراعة القوقعة بالكامل.
وأوضح د. أحمد أن المريض يمر بمراحل قبل بدء العملية، تتمثل بإجراء اختبارات السمعيات والتى يقوم بها قسم السمعيات بالمعهد، وبعدها مرحلة التقييم اللغوى بقسم التخاطب، وبعد إجراء الجراحة يتم برمجة القوقعة، والالتزام بجلسات التخاطب والمتابعة المستمرة من جانب الأسرة، مؤكدا أن اكتشاف الطفل المصاب بضعف السمع فى السنة الأولى من العمر هى أصعب مرحلة فى الاكتشاف، وتجنبه الإصابة بالإعاقة السمعية ويسهل فرصة تحديد العلاج المناسب كالعلاج الجراحى أو الدوائى أو التأهيلى أو زرع قوقعة أو استخدام سماعة، والوزارة تستقبل استفسارات المواطنين بخصوص المبادرة على الخط الساخن 15335.
من جانبه، قال الدكتور محمد فوزى السودة، رئيس الهيئة العامة للمستشفيات والمعاهد التعليمية، إن معهد السمع والكلام هو أحد معاهد الهيئة، والتى تمتاز بطبيعتها الخاصة كونها هيئة علمية بحثية تعليمية مجهزة بأعلى التقنيات الطبية، وأفضل الخبرات من الكوادر البشرية، حيث يتضمن 6 غرف عمليات، مشيرا إلى أنه فى الأسبوعين الماضيين، تم إجراء 32 عملية زراعة قوقعة، وأكثر من 700 عملية زراعة قوقعة فى 5 سنوات، بالإضافة إلى دور العيادات الخارجية فى المعهد، والتى تستقبل يوميا من 500 إلى 700 مريض، كما يتم عمل 250 مقياس سمع يوميا بأسعار مجانية تقريبا، كما تم رفع كفاءة العيادات الخارجية وزيادة عددها، وتطبيق أعلى معايير الجودة ومكافحة العدوى، وتم تدعيم أماكن الانتظار بإضافة أماكن أنتظار خارجية، مشيرا إلى أن الخدمات الطبية التى يقدمها المعهد لا تقتصر على التكلفة المنخفضة، بل يمتد العلاج به على نفقة الدولة، وللمشمولين بالتأمين الصحى بدون أى مقابل مادى.
قرار سريع ومدروس
الطريق لاتخاذ قرار باستحقاق حالة طفل ما لزراعة القوقعة من عدمه، أمر يمر بعدة خطوات، يبينها الدكتور إيهاب سيفين استشارى الأنف والأذن ومدير العمليات بالمعهد، بقوله: لدينا لجنة مشكلة من أطباء الجراحة والتخاطب والسمعيات، تنعقد بصفة دورية كل 10 أيام أو أسبوعين لعمل تقييم كامل لحالات الأطفال المصابين بضعف السمع، حيث يتم تقييم كل حالة على حدة، عن طريق إجراء اختبار ذكاء وتقييم لغوى وفحوصات سمعية كاملة وأشعات، موضحا أن هذه اللجنة تعتبر هى الخطوة الأولى فى إتخاذ القرار المناسب، بعدها يتم تحويل الطفل للمجالس الطبية (التأمين الصحي) للعرض على اللجان مرة أخرى، أى الموافقة النهائية وعليه يتم زراعة القوقعة، ويؤكد دكتور سيفين أن هذه الخطوات لا تستغرق وقتا، كما أن قوائم الانتظار ليست طويلة، لأن السعة الاستيعابية بالمعهد كبيرة جدا، يضاف إلى ذلك وجود فريق قوى من الأطباء والجراحين المهرة بالمعهد، ومن كل التخصصات، والذين يتلقون تدريبا مستمرا بمصر وبالخارج. أما بالنسبة لحالات الأطفال المصابين بالحمى الشوكية أو الذين فقدوا السمع بشكل مفاجئ نتيجة حادث مثلا، فهؤلاء يحتاجون إلى تدخل سريع لأن التأخير يسبب التكلس فى القوقعة، ويحول دون استفادة الطفل من العملية، ويشير لوجود حالات يولد الطفل فيها بعيوب خلقية فى القوقعة أو الأذن الداخلية، وهؤلاء تصل نسبتهم إلى نحو 20 % من المصابين بضعف السمع، موضحا أن الأعداد تتزايد فى مصر لأسباب منها؛ زواج الأقارب فى الريف والصعيد، وتعرض الأم للسخونة العالية فى أول 3 أشهر من الحمل أو تناولها بعض الأدوية كالمضادات الحيوية، أو الإصابة بالحصبة الألمانى أو بعض الأمراض الفيروسية التى قد تصيب الأطفال الرضع أو الأم.
الزراعة ثم التأهيل
زراعة القوقعة ليست نهاية المطاف للطفل المصاب بضعف السمع، بل تليها خطوات مهمة لإتمام عملية السمع والتأهيل اللغوية، هذا ما قالته الدكتورة إيمان الروبى استشارى أمراض التخاطب بالمعهد، مؤكدة أن تأهيل الطفل بعد زراعة القوقعة، يتم من خلال تركيب الجهاز الخارجى للقوقعة، بعد التئام الجرح الداخلى بشهر، حيث يتم عمل أول برمجة للجهاز من خلال فريق أطباء السمعيات وبعدها بشهر آخر يتم عمل برمجة ثانية للجهاز، ليبدأ التأهيل السمعى من خلال أطباء التخاطب، الذين يقومون بعمل تقييم لغوى لمعرفة القدرات اللغوية والسمعية قبل التأهيل، ثم يتم إجراء تقييم آخر بعد ثلاثة أو ستة أشهر لمعرفة مدى التحسن من خلال جلسات التخاطب والتأهيل السمعى واللغوى، موضحة أن التأهيل السمعى يتم من خلال إدراك الصوت بالمعنى وإدراك الأصوات والتعرف على الكلمات ونطقها، وأن التأهيل اللغوى للطفل يستمر بعد زراعة القوقعة من 6 أشهر حتى سنتين أو أكثر، حسب إستجابة الطفل وقدراته اللغوية.
وأضافت د. إيمان أن زراعة القوقعة فى المعهد تبدأ من سن سنتين حتى 5 سنوات، وكلما كانت الزراعة فى سن مبكرة كان الوضع أفضل بكثير، مشيرة من ناحية أخرى إلى أن عمل أطباء التخاطب فى المعهد يشمل كذلك أى حالة تأخر لغوى نتيجة ضعف سمعى، مثل الطفل الذى يضع سماعات أو حالات ضعف السمع بدون سبب، وحالات التوحد وحالات التلعثم واللدغات عند الكبار والأطفال والمرضى المصابين بجلطات، أو إصابات دماغية أو التعرض لحادث أثر على قدراتهم اللغوية.
إهمال المتابعة
الإهمال لا يكون فقط فى تأخر اكتشاف الأهل للحالة أو الحضور للعلاج، وإنما هناك إهمال لا يقل خطورة يعانيها أهالى الأطفال الذين أجروا عمليات زراعة قوقعة، هكذا أوضحت لنا الدكتورة سلوى محمود، استشارى أمراض السمع والاتزان بالمعهد، قائلة: نتعامل مع حالات من كل محافظات الجمهورية ونعانى إهمالا فى عدة صور، فقد يتعرض الجهاز الخارجى للقوقعة لعطل ما، مما يؤثر على نجاح العملية فيترك الأهل الطفل دون اهتمام بحالته اعتقادا منهم أنه أصبح سليما، وأيضا بسبب نقص الوعى عند الوالدين نرى أن بعضهم أهمل واستغنى عن الجزء الخارجى للقوقعة، وبالتالى لا قيمة لزرع القوقعة، فضلا عن إهمال جلسات التخاطب التى يقرها الأطباء بعد الزراعة والضرورية كى يستطيع الطفل فهم الكلام ونطق الحروف والكلمات، حيث يعتقد البعض أنهم يستطيعون القيام بجلسات التخاطب فى المنزل، ولكن المراكز المتخصصة هى الأفضل طبعا، موضحة أن الأمر عبارة عن منظومة متكاملة، تستلزم إجراء جراحة ماهرة وبرمجة متطورة، وجلسات تخاطب مستمرة على نحو سليم.
الضعف أنواع
زيادة أو نقصان أعداد المصابين بضعف السمع يتوقف على الاكتشاف والتشخيص المبكر ،وهذا ما تطبقه مصر من خلال المسح السمعى الإجبارى للأطفال حديثى الولادة، وبالتالى نستطيع الاكتشاف المبكر لحالات ضعف السمع وعلاجه وفقا لدرجته البسيطة أو المتوسطة، فأفضل نتيجة لزراعة القوقعة هى فى العام الأول من عمر الطفل.. هذا ما قاله لنا الدكتور أسامة عبدالنصير، رئيس أقسام الأنف والأذن والحنجرة بكلية طب القاهرة بقصر العينى، ورئيس وحدة زراعة القوقعة بقصر العينى، موضحا أن هناك نوعين من الضعف السمعى، الأول هو؛ الضعف الحسى العصبى، ولو درجته متوسطة أو بسيطة يتم علاجه عن طريق السماعات أو معينات السمع، والثانى هو الضعف الشديد أو العميق، وهذا لا يجدى معه استخدام سماعات، فالحل هو زراعة القوقعة فقط، مشيرا إلى أن هناك ضعفا سمعيا «ما قبل اللغوى»، أى قبل أن يبلغ الطفل سن سنتين أو ثلاث، وقبل أن يتعلم اللغة، وضعف سمع «ما بعد اللغوى» أى أن الطفل يسمع ويتعلم الكلام، لكنه يصاب فجأة بمرض أو يتعرض لحادث، وفى هذه الحالة تؤتى زراعة القوقعة نتائج أفضل، موضحا أن المشكلة الأكبر تكون الحالات، التى تحتاج تدخلا أسرع فى وقت محدد، مثل الأطفال المصابين بضعف السمع ما قبل اللغوى، سواء كان بسبب وجود عيب خلقى، أو مشكلة فى عصب السمع، فأنهم يكونون فى حاجة ملحة وسريعة لزراعة القوقعة فى سن مبكرة سنة أو سنتين على أقصى تقدير، لأن الطفل إذا تجاوز السنوات الخمس، فلن يستطيع أن يأخذ موافقة التأمين الصحى لإجراء الزراعة، لأن المرجو منها سيكون ضعيفا، كما تعتبر تكلفة عملية زراعة القوقعة عالية، حيث تبلغ نحو من 200 إلى 250 ألف جنيه تتحملها الدولة بالكامل.
«الأهرام» يرصد حكايات الأمهات مع رحلة تأخر الكلام
-
د. هانى سليمان: تحاليل «الصمم الوراثى» مكلفة.. والأفضل الابتعاد عن زواج الأقارب
-
د. عزة سامى: عروس من الريف لم تتكلم منذ الطفولة والاكتشاف المتأخر يضيع «الفرصة»
قريبا من أبواب العيادات الخارجية، ينتظر جمهور أغلبه من النساء، جئن من كل حدب وصوب، مصطحبات زهراتهن البريئة.. أطفال يتهددهم عالم الصمت، البعض جاء مبكرا، والبعض الآخر ــ للأسف ــ كان وصوله متأخرا.
أمام عيادة التخاطب، أشار لنا الرجل الأربعينى بيديه، باتجاه طفل صغير لم يكمل خمس سنوات، يقفز هنا وهناك، قائلا: أجريت عملية زراعة قوقعة لإبنى أحمد فى المعهد فى شهر سبتمبر الماضى من خلال التأمين الصحى، ومن وقتها وأنا أحضر أسبوعيا إلى هنا لمتابعة جلسات التخاطب التى أقرها له الأطباء هنا فى المعهد، مشيدا بعدم توقف العمل فى عيادات المعهد واستمرارها فى استقبالهم، رغم ظروف كورونا التى جعلت كثيرا من المستشفيات تغلق أبوابها.
وأمام عيادة اختبار الذكاء، وقفت نادية التى جاءت من محافظة بنى سويف بصغيرها، الذى ظهرت عليه أعراض ضعف التركيز وقلة الانتباه، كما أنه لا يستطيع التعرف على الحروف والأرقام، وتضيف: جئت إلى المعهد بناء على نصيحة المدرسين فى المدرسة لإجراء اختبار ذكاء لابنى، وخصوصا أن الكشف هنا أرخص من عيادات الأطباء.

> قياس السمع لأحد المواليد ضمن المبادرة الرئاسية
أما «منى»، فكانت مشكلتها مع طفلتها أن كلامها غير مفهوم واستيعابها أيضا ضعيف للغاية، وعندما تحدثنا إليها، قالت لنا: بعد الكشف والتشخيص الذى تضمن اختبار ذكاء لابنتى، قرر الأطباء لها حضور جلسات تخاطب أسبوعيا، وبالفعل بدأت تظهر امارات التحسن عليها.
وكذلك تحسنت كثيرا حالة الطفل «يحيى»، الذى أخبرتنا والدته بخضوعه لعملية زراعة قوقعة فى اذنيه الاثنتين، حيث كان لابد بعدها من الخضوع لجلسات التخاطب، مشيرة بفرحة: الحمد لله التزمنا بمواعيد الجلسات، وبعد عام كامل من تاريخ العملية أصبح يحيى يسمع ويتكلم جيدا مثل أى طفل عادى.
وبالطبع ليست كل الحكايات على القدر نفسه من البهجة، وإن كان الأمل فى التحسن موجودا رغم الألم، فهذه أم أخرى اعتادت زيارة المعهد منذ سنوات طويلة، حاملة فى كل مرة أحد صغارها، فما أن تجرى عملية زراعة قوقعة لأحدهم حتى تكتشف أن أخاه الذى يليه فى العمر يحمل نفس المرض ونفس المشكلة، وهكذا فهى تستعد الآن لزراعة قوقعة للطفل الثالث، بالإضافة للمواظبة على جلسات التخاطب للطفلين الآخرين، ورغم صدمة تكرار ظهور المرض» ضعف سمعى شديد» على الأطفال الثلاثة، فإن الأم لم تفطن لوجود مشكلة وراثية، ولا تريد أن تصدق أن صلة القرابة، التى تربطها بزوجها هى السبب فى معاناة أولئك الصغار.
أما الحالة الأكثر إيلاما والتى انعدم فيها الأمل وفقا لما قاله الأطباء، كانت لعروس فى السابعة عشرة من عمرها، جاء بها أهلها القادمون من إحدى قرى الريف، للكشف عليها لأنها لم تتكلم منذ طفولتها، إلى أن أصبحت شابة يتقدم إليها راغبو الزواج، ومن هنا اهتم الأهل بالبحث عن أصل المشكلة وعن العلاج، ولكنهم جاءوا متأخرا.. هكذا قالت لهم الدكتورة عزة سامى استشارى أمراض التخاطب بمعهد السمع والكلام، ووجدتها فرصة لتطلق صيحة تنبيه وإنذار من خلال الإعلام، مطالبة الأهل بضرورة ملاحظة أطفالهم، ومراقبة تطور النطق عندهم، مشيرة إلى أن المولود ينتبه عند سماعه أى صوت حوله، وأن الطفل عند بلوغه سن عام يستطيع أن يقول كلمات مفردة فإذا تأخر الكلام عند الطفل، فعلى الأسرة الإسراع بالسؤال والتدخل المبكر لحل المشكلة وتقييم الحالة، لأن الاكتشاف المبكر يسهل التشخيص والعلاج، كما يساعد على إدماج الأطفال فى منظومة التعليم ليكون عنصرا فعالا فى المجتمع، متساءلة: لماذا ينتظر الأهل سنوات وسنوات دون الرجوع الى الطبيب المختص، إذ بعد سن خمس سنوات تكون الاستجابة العلاجية صعبة?
تحاليل الجينات
لم تكن حالة الأم ذى الأطفال الثلاثة لتمر دون أن تدفعنا لسؤال الدكتور هانى سليمان استشارى طب الأطفال والوراثة بمستشفى أبو الريش، عن متى يكون الصمم وراثيا وماعلاقته بزواج الأقارب؟، وكانت الاجابة كالآتى؛ الصمم الوراثى نوعان؛ الصمم الوراثى السائد، وهو فقدان شديد للسمع نتيجة تلف العصب السمعى وينتج عن خلل فى أحد المورثين؛ الأب أو الأم، ثم يظهر الصمم على الأطفال بنسبة 50% .. أما الصمم الوراثى المتنحى، فيكون الوالدان سليمان، ومع ذلك فقد ينجبان طفلا أو أكثر مصابين بالصمم، والصمم هنا لا يظهر إلا بزواج الأقارب، حيث يكون هناك تشابه فى المورثات المصابة بطفرة بين أبناء العم والعمة والخال والخالة، موضحا أن الصمم الوراثى مشكلة يعانيها العالم، فهناك أربعة آلاف طفل يولدون فى العالم سنويا يعانون الصمم الوراثى، موضحا أن الكشف عن (الصفات المتنحية)، يتطلب إجراء تحاليل للجينات لا تقل تكلفتها عن 15 ألف جنيه، لذا يمكن الاكتفاء فى هذه الحالة بأن نقوم بإجراء تحليل للأب والأم للتأكد من عدم وجود الصفة لديهم، كى نستطيع أن نحدد نسبة تكرار هذه الصفة من خلال عمليات حسابية، ويؤكد دكتور هانى سليمان أن الأفضل للحالات الوراثية، أن يتم الإنجاب عن طريق الحقن المجهرى لفصل الأجنة السليمة واستبعاد الأجنة المصابة.
وقال - من ناحية أخرى - إن هناك بعض المتلازمات المرتبطة بضعف السمع تكون واضحة ولا تحتاج إجراء تحليل وراثة، مثل متلازمة (تريتشر) وهو اضطراب وراثى، يعانى فيه المريض تشوهات فى الأذن الخارجية كعيب خلقى فى الوجه، وقد تصل للأذن الداخلية، وهذه الحالات تحتاج لاجراء عمليات تجميل حتى يستطيعوا السمع.
وأضاف أن الأصل أن تتحول كل حالات ضعف السمع أولا إلى عيادة السمعيات، ثم لطبيب الأمراض الوراثية إذا تطلبت الحالة ذلك، ويمكن وقتها إجراء تحاليل الجينات، التى نحاول توفيرها فى المستشفيات الحكومية بسعر أقل.
ثم كانت النصيحة من دكتور سليمان، بضرورة الابتعاد أولا عن زواج الأقارب، الذى ثبت مسئوليته ليس فقط عن حالات صمم أو ضعف سمعى شديد، وإنما أيضا عن تخلف عقلى ومشاكل أخرى للأطفال، والنصيحة الثانية بضرورة الرجوع لأهل الطب إذا كان هناك تاريخ مرضى فى الأسرة لأى شخص مصاب بضعف سمع سواء من الدرجة الأولى أو الثانية، للتأكد ما إذا كانت هناك احتمالية لإصابة جديدة بضعف السمع، خاصة فى حالات زواج الأقارب.
رابط دائم: