فى مقولة للناقد الفنى الكبير طارق الشناوى: (إن سر استمرار نجومية الفنان الكوميدى سنوات طويلة يرجع إلى قدرته على فك شفرة «الضحك» لدى الجمهور، والتى تتغير بين جيل وآخر). فتلك الشفرة تخضع للمتغيرات التى يعايشها المجتمع كل فترة. حيث إن الكوميديا فن مرتبط بطبقات الشعب العريضة التى تعانى فى حياتها اليومية، وتجد ملاذها فى الفنان الكوميدى الذى يعبر عنها بصدق ومن الطبيعى أن ما كان يثير الضحك بالأمس لن يستدعى الضحك اليوم. وهذا ما يفسر سر عبقرية الريحانى وسحر فؤاد المهندس واستمرارية عادل امام رغم مرور السنين وتتابع الاجيال وأن يرد اسم الفنان الكبير على الكسار كمثال على الذين لم يتقنوا تماما فك تحولات «شفرة» الضحك.
ولد على خليل سالم فى 13 يوليو 1887 بحى السيدة زينب، ليرث لاحقا مهنة «السروجى» عن والده، وإن لم يستطيع اتقانها، فاتجه للعمل طباخا مع خاله. لم يكن «على» يحب التعليم فى أثناء طفولته، وكان يهوى شخصية المهرج أو «البلياتشو»، ويقلد أصدقاءه بطريقة «البلياتشو» مما كان يثير ضحكاتهم، فأدرك حبه الفطرى للفن، وقرر أن يتجه للعمل فنانا كوميديا.
بدأ «على» التمثيل فى 1908 فى محل «دار التمثيل الزينبى» بحى المواردى وكان المحل ملكا لتاجر أقمشة بمنطقة السيدة زينب، وقرر أن يغير اسمه إلى «على الكسار»، مستعيرا اسمه الفنى من عائلة والدته، التى كانت تدعى زينب على الكسار.
فى التوقيت نفسه، كان نجيب الريحانى قد أسس فرقته المسرحية وابتكر شخصية «كشكش بيه» التى ذاع صيتها، مما شجع على الكسار على تكوين فرقة مسرحية، وكان شاغله الشاغل هو ابتكار شخصية توازى «كشكش بيه».
يقول على الكسار فى أحد اللقاءات الفنية، انه كان يقدم رواية فى شارع عماد الدين اسمها «حسن أبو على سرق المعزة»، وقدم خلالها شخصية الخادم البربرى اللطيف، فنالت استحسان الجمهور، الذى بات يتحاكى بألفاظها. وقد اكتسب الكسار طريقة كلام النوبيين من خلال عمله مع خاله فى مهنة الطهو، حيث اختلط بالنوبيين وأتقن لهجتهم وكلامهم فابتكر شخصية «عثمان عبدالباسط» التى استمرت معه حتى نهاية مسيرته الفنية .ذاعت شهرة الكسار ودخل فى منافسة حامية مع الريحانى.
وفى 1924، قفز بفرقته قفزة هائلة عندما انضم إليها الموسيقار الكبير الشيخ زكريا أحمد وقدم لها العديد من الألحان المسرحية، ثم جاءت الثلاثينيات بانتشار أكبر للفرقة التى بدأت تقدم عروضها فى بلاد الشام وسط ترحيب ونجاح وافر.
ولأن دوام الحال من المحال، فقد بدأت الأزمات تتوالى، حيث شهد على الكسار إغلاق مسرحه القاهرة بعد أن قدم ما يزيد على 160 عرضا مسرحيا، وتفرق أعضاء فرقته للحاق بفرق أخرى. وبدأت الدنيا تدير ظهرها له مع ظهور مواهب جديدة فى السينما والمسرح، وكان الكسار هو من دفع بيديه هذه المواهب، حيث كان من أهم تلاميذه الفنان الكبير إسماعيل ياسين.
ولكن بسبب عدم قدرته على التعرف على متطلبات الضحك الجديدة، وعدم تلاقيه مع متغيرات العصر مثلما فعل منافسه نجيب الريحانى، الذى تخلى عن «كشكش بيه»، بينما لم يستطع الكسار التخلى عن «عثمان عبدالباسط». حيث ظل الأخير يلازمه فى عدة أفلام منها «ألف ليلة وليلة»، و«على بابا والأربعين حرامى»، و«نور الدين والبحارة الثلاثة»، و«سلفنى ثلاثة جنيه».
لكن الشخصية استنفدت كل طاقاتها، فتدهور الحال بالكسار، وارتضى أن يقدم أدوارا ثانوية حتى يفى باحتياجاته المادية، فقام بدور خادم فى ثلاثة افلام هى «رصاصة فى القلب»، و«أمير الانتقام»، و«آخر كدبة»، حتى رحل عن عالمنا فى 15 يناير 1957.
ملصقات بعض أفلام الكسار
رابط دائم: