رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حلم الكوكب الأخضر المراوغ

دينا كمال
الوصول إلى كوكب خالٍ من الملوثات البيئية مازال بعيد المنال

ما أكبر عقبة أمام السعى لخفض نسبة الكربون على كوكب الأرض وتحقيق حلم الكوكب الأخضر؟ سؤال يردده كثير من المهتمين بشئون البيئة وكوكب الأرض، وهو سؤال ليس بالهين، حيث يصعب فى كثير من الأحيان الإجابة عليه من قبل خبراء البيئة والمناخ.

ولعل الإجابة نفسها تتغير من حين لآخر مع تغير المعطيات، فقبل سنوات، كان الخبراء يعتقدون أن المشكلة تكمن فى الافتقار إلى ما يطلق عليها التقنيات الخضراء بسيطة التكلفة، وغياب الإرادة السياسية، أما اليوم، فيشير الخبراء إلى شيء آخر، أقل واقعية، ولكن ربما يكون أكثر صعوبة، وهو عدم وجود ميثاق اجتماعى صديق للبيئة.

ولعل هناك بارقة أمل، مع بدء توفير التقنيات الخضراء بتكلفة ممكنة، والتحرك والحماس الدوليين تجاه حل مشكلات المناخ، للوصول للخطط المنشودة بحلول منتصف القرن الحالي.

ولكن، مادامت التكنولوجيا الخضراء الأرخص ثمنا والطموح السياسى غير المسبوق يتقاربان بسرعة، فما الخطأ الذى يمكن أن يحدث؟ لسوء الحظ، فإن الوضع ليس بهذه البساطة على ما يبدو، حيث ستعيد إزالة الكربون تشكيل اقتصاداتنا وأنماط حياتنا، وسيكون العالم الأخضر مختلفًا تمامًا عن العالم الذى نعرفه اليوم.

وتشير صحيفة الجارديان البريطانية إلى أن مثل هذا التحول الجذرى يثير تساؤلات حول من يجب أن يتحمل تكلفة العمل المناخى، داخل البلدان وفيما بينها، فلا يمكن أن تقع تكلفة العمل المناخى بشكل غير متناسب على الفئات الأكثر ضعفا، مما قد يؤدى إلى تفاقم مشكلة عدم المساواة، ومن هنا تأتى أهمية تصميم العمل المناخى بطريقة تحقق المساواة الاجتماعية، وهذا بالضبط ما يجب أن يكون عليه الميثاق الاجتماعى الأخضر الجديد.

ولعل التجربة الفرنسية مع حركة السترات الصفراء تمثل أوضح مثال على المخاطر والرياح السياسية المعاكسة التى تواجهها الحكومات فى جميع أنحاء العالم وهى تحاول إبعاد مواطنيها عن الوقود الأحفوري. فربما كانت الحكومة الفرنسية محقة فى تحديد سعر للكربون فى النقل فى عام ٢٠١٨، ولكن كان سيترجم على الفور إلى ارتفاع أسعار البنزين والديزل، مما أثار حفيظة الأشخاص الذين يعانون من مشكلات معيشية أكثر ويعيشون خارج المدن الفرنسية، والذين كانوا يعانون من الركود وتضاؤل الدخل ويفتقرون إلى ما يتميز به سكان المدن الكبرى من تنوع وسائل النقل.

ربما لو كان برنامج ضريبة الكربون قد احتوى على آليات تعويض لتخفيف الضربة على الفئات الأكثر ضعفاً، لكان من الممكن منع رد الفعل العكسي، وهذا بالضبط ما دعت إليه مجموعة من الاقتصاديين، من بينهم ٢٨ من الحائزين على جائزة نوبل و٤ من رؤساء الاحتياطى الفيدرالى السابقين، حيث اقترحوا تطبيق ضريبة كربون قوية، إلى جانب نظام تعويض لضمان حماية الأكثر ضعفا بحيث يستفيدون ماليا.

وهذا الاقتراح وضح بشكل كبير مدى أهمية تضمين اعتبارات الإنصاف والعدالة فى تصميم السياسات المناخية، حتى فى أوروبا، حيث إن دعم التدابير المناخية واسع ولكنه سطحى فيما يتعلق بمراعاة ظروف الفئات الأكثر ضعفا أو فقرا. وفى دراسة استقصائية أجريت مؤخرًا فى ٨ دول أوروبية، وجد معهد المجتمع المفتوح للسياسة الأوروبية أن جميع الناخبين تقريبًا كانوا سعداء بشراء كميات أقل من البلاستيك، على الرغم من أن عددًا أقل كان حريصًا على دفع المزيد مقابل الوقود أو الرحلات الجوية.

باختصار، عندما تصبح سياسات المناخ أقوي، يمكن أن تظهر حركات جديدة تشبه السترات الصفراء فى جميع أنحاء القارة الأوروبية. ثمة أمر آخر أثار الدهشة والامتعاض، وهو وجود مناطق تعدين الفحم فى بولندا، التى تعتمد بشكل كبير على الصناعات كثيفة الكربون، فى حين أعلن رؤساء البلديات الأخرى الحرب على سيارات الديزل.

ويرى الخبراء أن اعتبارات العدالة والإنصاف تتجاوز الحدود الوطنية، فمع قيام البلدان المتقدمة بتوسيع نطاق الإجراءات المناخية المحلية، فمن المحتمل أنها ستدخل تدابير، مثل ضريبة الكربون «ضريبة تفرض على محتوى الكربون فى الوقود»، لضمان عدم تقويض صناعاتها من قبل المنافسين الموجودين فى البلدان ذات السياسات المناخية الضعيفة.

وعلى المستوى الوطني، يمكن للبلدان أن تتعلم من فرنسا، التى استجابت فى النهاية لأزمة السترات الصفراء، بإطلاق اتفاقية المناخ للمواطنين، وهى تجربة فى الديمقراطية المباشرة تهدف إلى تحديد الحلول المناخية المعتمدة على مراعاة العدالة الاجتماعية والإنصاف، ومثل هذه الإجراءات أساسية لضمان الدعم الاجتماعى طويل الأجل للتحول الأخضر، ومنع انحرافه عن مساره، وهو الأمر الذى سيكون له عواقب وخيمة على كوكب الأرض.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق