اشتهرت «السينما» على الدوام بأنها «ذاكرة الشعوب»، لأنها توثق عاداتها، وتقاليدها، وأحداثها الاجتماعية، والسياسية، والثقافية، عبر تناول حياة الشخصيات ذات التأثير القوى فى مجتمعاتها، أو عبر تناول الأحداث والثورات الكبرى فى تاريخها، لكن الأمر يختلف بالنسبة لـ»هوليوود»، فى التعامل مع تلك الأحداث وقادتها، بين داعى الوعى وغلبة الهوى. على سبيل الذكر قدم المخرج الأمريكى، ريتشارد فليشر، للجمهور عام 1969، فيلم«تشى» متناولا حياة المناضل الأرجنتينى، أرنستو تشى جيفارا، الشهير ب«جيفارا»، بطولة عمر الشريف، وجاك بلانس، وسيزر دانوفا.

> عمر الشريف
فمن خلال استعراض حياته ومبادئه الثورية والإنسانية تمكن فليشر، من توثيق حياة «تشي» التى انتهت بإعدامه فى أكتوبر 1967، ليصبح اسم «جيفارا» أيقونة الثوار والمتظاهرين على مستوى العالم، خاصةً لدى من يميل إلى الفكر الاشتراكى، أو الشيوعى، أو يؤمن بالتغيير.

> ميل جيبسون
فمن مناضل أمريكا اللاتينية فى القرن العشرين، نقلتنا السينما الأمريكية عام 1995 إلى العصور الوسطى، ونضال القائد الاسكتلندى وليام والاس للحفاظ على استقلال بلاده فيما عرف بحروب الاستقلال الاسكتلندية (بدءًا من أواخر القرن الثالث عشر حتى منتصف القرن الرابع عشر)، خاصة فى فيلم «القلب الشجاع: Brave Heart»، بطولة وإخراج ميل جيبسون. صنع الفيلمان صورة للبطل القومى الثورى صاحب المبادئ، من خلال مادة تاريخية لا تقبل التشكيك والجدل، بداية من مظاهرات العمال فى الاتحاد السوفيتى السابق، وصولا للمظاهرات والثورات التى اشتعلت بدوله التى نالت استقلالها بعد تفككه، وسميت ب«الثورات الملونة»، بخلاف حرب العصابات فى إيرلندا الشمالية، لتكون السينما قد شكلت وعيًا واسعًا، وأحدثت تغييرات سياسية واجتماعية، من خلال مادة تاريخية.
لكن مع بداية القرن الحادى والعشرين، اعتمدت السينما الأمريكية على تقنية جديدة فى استخدام السينما لإشعال الثورات وإسقاط الدول ضمن استراتيجية حروب الجيل الرابع، من خلال رسم عالم مواز لواقع الدول المستهدفة، كما فى فيلمى»فانديتا-V for Vendetta»، و»ألعاب الجوع Hunger Games.
وكانت البداية فى عدد من دول شرق أوروبا، إذ اعتمدت السينما الأمريكية منذ ذلك فى العام الكثير من أفلامها على محاكاة الواقع بأدق تفاصيله، بهدف التأثير النفسى والعاطفى على الشعوب التى تعيش فى هذا الواقع، وصنع ندية مع نظمها الحاكمة، وإيجاد حالة من عدم الاستقرار لها. وتتأكد أهمية التاريخ فى أفلام هوليوود، ودورها فى التمهيد لما سيحدث فى المستقبل، إذ نجد المخرج ستيفن سبيلبيرج، يقدم للجمهور فى نوفمبر 2012 فيلمه «لينكولن»، بطولة دانيال دى لويس، متناولا الفترة التى أخذ الرئيس الأمريكى الأسبق إبراهام لينكولن خطوات جادة فيها لتطبيق قانون إلغاء العبودية، وتحقيق الاستقرار الاجتماعى بالولايات المتحدة، لتندلع بعدها بسنوات مظاهرات ذوى البشرة السمراء فى ولايات أمريكية عدة خلال رئاسة الرئيس السابق دونالد ترامب، مطالبة بتحقيق العدالة، كأن التاريخ يبحث عن «لينكولن العصر الحديث»، الذى يقوم بإلغاء التفرقة العنصرية، من جديد.
رابط دائم: