لم يكن ما شهدته سوريا وليبيا واليمن ومن قبلهما العراق خلال السنوات العشر الماضية.. صدفة. فكل منها ورغم اختلاف طبيعته وموقعه والمكون البشرى والعرقى والدينى، فإنها وقعت فريسة لشبح «التقسيم»، الذى كان وما زال يطاردها على الرغم من اختلاف وتنوع أسبابه.
ففى سوريا، والتى تميزت دوما باقتصاد قوى مكتف ذاتيا وصفر فى نسبة البطالة، أصبحت تعانى بعض مناطقها الآن المجاعة، وتصلها مساعدات الأمم المتحدة بصعوبة بالغة، بعد أن أضحت مركزا لحروب الوكالة بالمنطقة، ومسرحا للتدخلات الإقليمية والدولية. وعقب اندلاع أحداث 2011، واستغلال الجماعات الإرهابية وعلى رأسها داعش والقاعدة، الوضع الأمنى الهش الذى أصاب البلاد وسيطرتها على الأرض، أوجدت القوى الخارجية مبررا للتدخل فى الشأن السورى، بحجة حماية المدنيين من جهة ومصالحها المشتركة مع دمشق من جهة أخرى.
وبدأت تطفو على السطح حلول تتحدث عن طرق للتسوية بـ «تقسيم» البلاد إلى دويلات (علوية فى الساحل الغربي، وكردية فى الشمال والشمال الشرقي، وسنية فى باقى المساحة الواسعة من وسط سوريا)، وذلك بعد أن تمزق الداخل السورى وسط سيطرة القوات الأمريكية على حقول البترول فى الشرق، وخضوع هضبة الجولان للاحتلال الإسرائيلى، ناهيك عن التدخلات التركية والروسية.
أما ليبيا ذات الطبيعة القبلية، فهى لم تسلم كذلك من دعوات التقسيم، ولكن هذه المرة لم يأخذ الطابع القبلى، كما توقع كثيرون بعد إسقاط نظام الرئيس السابق معمر القذافى، بل أخذ منحى آخر بعد تدخلات إقليمية ساعدت فى تقسيم البلاد على أسس سياسية. فمع انهيار الدولة فى 2011، وتعاظم دور الجماعات الإرهابية وسيطرتها على حقول البترول والعاصمة طرابلس والغرب الليبى، شن الجيش الليبى الذى أعيد تكوينه بقيادة المشير خليفة حفتر فى طبرق، مدعوما من قبائل الشرق والجنوب الليبى، الحرب على تلك الفصائل المدعومة من قوى دولية أيضا، خاصة بعدما أصبحت تمثل البلاد حكومتان وبرلمانان فى الشرق والغرب. أما الشمال فقد أصبح مركزا للهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، بينما ما زال يعانى الجنوب محاولات بقايا تنظيمى القاعدة وداعش العودة لمسرح الأحداث، بعد أن تمكن الجيش الليبى من طردهما من الشمال والغرب.
ومع استمرار الأزمة، فإن ليبيا ما زالت تعانى دعوات التقسيم إلى ثلاثة أقاليم (طرابلس، وبرقة، وفزان)، وهى الدعوات التى ربما تلقى استجابة إذا ما فشلت الانتخابات التى من المقرر أن تعقد ديسمبر المقبل، لتدخل البلاد فى نفق مظلم لا يعلم إلى أين سيقودها فى النهاية.
أما العراق، فلم يهدأ منذ قرابة 18 عاما. فبعد الغزو الأمريكى فى 2003، وجدت التنظيمات الإرهابية تربة خصبة للنمو، فهى موطن ظهور تنظيم داعش، بينما شهدت أيضا بدايات تنظيم القاعدة الإرهابى.
ومع انتشار تلك الجماعات، ظهرت حرب داخلية ذات طابع طائفى غذته القوى الخارجية، التى وجدت فى تلك الحرب فرصة للسيطرة على النفط العراقى، وطرح مشروعات تقسيم البلاد إلى ثلاث دويلات (كردية فى الشمال وشيعية فى الجنوب، وسنية فى الوسط).
رابط دائم: