-
بعد أن فقد أسرته الصغيرة ظل مخلصا للكاميرا التي عاش معها 60 عامًا
-
أطلقت عليه الصحافة الفرنسية «ساحر الضوء»
-
رفض شروط سعاد حسني للتصوير وطلب من نبيلة عبيد أن تعتذر عن أي فيلم يقوم بتصويره
-
علاقته بيوسف شاهين من العناد إلى التفاهم والصداقة
-
عمل مع كبار المخرجين في السينما المصرية وكان يملك القدرة على فهم أسلوب وطريقة عمل كل منهم
مع بدايات عملى فى الصحافة دائما ماكنت أراهم الثلاثة، فى الكثير من المناسبات الفنية والسينمائية مدير التصوير الفذ الدكتور رمسيس مرزوق المولود فى (1 يوليو عام 1940، الذى رحل فى 2 يوليو عام 2021) وزوجته الكاتبة عواطف صادق والابنة أمل كانت أسرة صغيرة لافتة للأنظار أمل بكل حيويتها صحفية شابة انطلقت بعيدا عن مكان عمل الأم أو وساطات الأب حيث كانت تعمل صحفية والأم ايضا صحفية بصفحة السينما فى الأهرام ودائما ما كان يجلس مدير التصوير المتميز فى حالة تأمل وصمت يراقب بعينيه وجوه من حوله وكأنه بعينيه الفنية يحول كل شيء إلى كادر سينمائى ينبض بالحركة والجمال، حتى فى النقاشات كان صوته خفيضا ونادرا ما تسمعه يرفع صوته.
سافرت أمل إلى أمريكا بعد قرار مفاجئ وكنت أسعد عندما تصادفنى الأستاذة عواطف بصحبة الدكتور رمسيس فأسارع للاطمئنان على أمل، وفى أحد الأيام الحزينة عرفنا أن أمل رحلت فى عز شبابها وبعد أن أنجبت طفلين توءمًا يعيشان بعيدا عن الجد والجدة، وصارت لقاءاتنا أنا وكل من عرف وصادق أمل بالكاتبة عواطف صادق موجعة لأنها كانت ترتمى فى أحضاننا باكية ومرددة «بشوف أمل وأشم ريحتها فيكم»، لم تتوقف الأم عن البكاء يوما ما فى حين أن الفنان وقديس الصورة ازداد صمتا وتأملا، إلى أن ذهبت الأم للقاء ابنتها وصار هو وحيدا فى رحلة الحياة التى تحاكى شريطا سينمائيا مليئا بالتحولات الدرامية، ورغم ما مر به إلا أنه لم يتوقف عن المشاركة فى الكثير من الأنشطة الفنية والسينمائية حيث كانت تلك هى طريقته لمواصلة الحياة بعد أن فقد أسرته الصغيرة لذلك ظل مخلصا للكاميرا التى عاش معها 60 عاما، وكانت هى وسيلته للخلاص والبحث عن السلام النفسى.
المفارقة أن رمسيس مرزوق الذى أطلقت عليه الصحافة الفرنسية «ساحر الضوء» لم يكن يرغب فى دراسة الفن بل كان يتمنى أن يصبح عالم ذرة، ولكن مجموعه فى الثانوية العامة جعله يرتاد كلية الفنون التطبيقية ونصحه صديق مقرب من والده أن يحب ما يدرس وما يعمل، وبالفعل عمل بالنصيحة إلى أن حصل على جائزته الأولى من مسابقة عن الإدمان صمم فكرتها والتقطها تحت إشراف أحد أساتذته وكانت الصورة عبارة عن «جمجمة وجوزة»، ليس ذلك فقط بل تم وضع صورته الفائزة كغلاف على كتالوج الاعمال المشاركة، ووقع فى غرام الصورة والعمل الفنى حتى تخرج فى المعهد العالى للسينما بتقدير امتياز وكرمه الزعيم عبد الناصر مع أوائل الدفعات، وواصل رمسيس نقلاته الفنية إلى أن تم اختياره كواحد من أهم 100 شخصية سينمائية مؤثرة فى العالم طبقا لأحد التصنيفات الفرنسية .
الدكتور رمسيس مرزوق الذى عمل مع كبار مخرجى السينما المصرية بدأ رحلته مبكرا مع فن الصورة سواء الفوتوغرافية أو السينمائية، ويمتلك رصيدا مهما من الصور الفوتوغرافية شديدة الجمال والتميز من بينها صورة بالأبيض والأسود للنجمة مديحة كامل، وصور لتمثال أبو الهول ولقطات لفلاحة مصرية وهى تحمل عيدان القمح بعد فرمه ،وأخرى لأيدى صانع فخار وهو يعمل فى منحوتته، وفلاحة مصرية تخبز أمام الفرن، ولديه ما يقرب من 150 عملاً، كشف فيها عن أماكن من الجسم الأنثوى ببراعة فنية عالية، مستخدماً بمهارة فائقة تكنيك الأبيض والأسود، وهو ما يظهر إمكاناته العالية فى استخدام النور والظل والقدرة على توزيع الضوء الطبيعى من امكان انبعاثه وقراءته للوجوه من خلال تلك التكوينات وهو ما يترجم حديثه الدائم عن كونه قليل الكلام إلا أن لديه قدرة على التواصل مع الناس من خلال أعماله الفنية حسبما يقول «أحاور الناس بالصورة، لذلك يسعدنى أن أقرأ نقدا فنيا فاهما وواعيا عن الصور التى أنجزتها والصورة البصرية بكل مكوناتها التى أنجزتها لعشرات الأفلام التى أدرت تصويرها، لكننى لا أحب الكلام عن عملى فهذا يقلل من أهمية ما أُبدع».
الدكتور رمسيس مرزوق الدارس للصورة السينمائية ومن بعدها معهد الدراسات السينمائية بروما حتى حصوله على الدكتوراه فى الإخراج السينمائى من جامعة السوربون عمل مع كبار المخرجين فى السينما المصرية وكان يملك القدرة على فهم أسلوبهم وطريقة عمل كل منهم لذلك فهو يملك تجارب متفاوتة المستوى قدمها مع المخرج حسن الإمام فى «عجايب يا زمن» و«بمبة كشر» و«عصر الحب» وصلاح أبو سيف فى «وسقطت فى بحر العسل» وأشرف فهمى فى «وصمة عار» ورضوان الكاشف فى «ليه يا بنفسج»، وقدم واحداً من أوائل أفلام الخيال العلمى فى السينما المصرية مع المخرج المخضرم كمال الشيخ بعنوان «قاهر الزمن «،و «زائر الفجر» الفيلم الوحيد للمخرج ممدوح شكرى الذى منع حينها لأسباب سياسية، ومات مخرجه حزنا.
إضافة إلى فيلم «سرقات صيفية ومرسيدس» ليسرى نصر الله و«شحاذوّن ونبلاء» لأسماء البكرى ومن أفلامه أيضا (البحث عن توت عنخ آمون) و(اضحك الصورة تطلع حلوة) و(معالى الوزير) و(خريف آدم) و(حين ميسرة) و(الريس عمر حرب) و(صياد اليمام) و(عصافير النيل).
ولكن تجاربه مع المخرج السينمائى المتميز يوسف شاهين تحمل خصوصية وتعد من أهم التجارب فى مشواره السينمائى حيث كان شاهين يخاطب مرزوق ويردد على مسامعه «أنت مدير تصوير عبقري»، وبالطبع لم تكن رحلة التعامل بينهما سهلة بل قطع مرزوق شوطا لينال ثقة شاهين، وذات مرة حدث خلاف بينهما أثناء تصوير أحد المشاهد وكان المشهد يتضمن مرور بعض أبطال العمل فى «كوريدور طويل» داخل أحد الفنادق، وتطلب الأمر إضاءة جانبية من الغرف على الجانبين ومن سوء الحظ أن كل الغرف كانت مشغولة فجلس مرزوق فى أحد الأركان باحثا عن حل وما كان من شاهين إلا أن بادره «تعرف تتصرف ولا أقوم أنا أنور المشهد» ولم ينتظر شاهين إجابته بل قام وبسرعة شديدة ببدء العمل هو على إنارة المشهد وبالطبع كان مرزوق قد توصل إلى حل ولكنه ومن باب العند ترك شاهين يفعل ما يحلو له، ثم أصدر أمرا لمساعديه بتغيير لمبات الإضاءة فى «الكوريدور» وزيادة قوتها فما كان من شاهين إلا أن جلس صامتا حتى انتهاء تصوير المشهد، لذلك كثيرا ما كان يردد على مسمعه فى الأعمال التى قدماها سويا «يالا رمسيس عايز جنونة من جنوناتك» جمعتهما سويا صداقة فنية وإنسانية بعدما تعاونا فى أفلام كثيرة (منها: المهاجر، إسكندرية كمان وكمان، إسكندرية نيويورك، وآخر أفلام شاهين هى فوضى).
مرزوق الذى تميز بفهم واع لدراما الفيلم لم يكن من أصحاب نظرية عشق وجه الممثل إلى الحد الذى يشكل عائقا لإيقاع ودراما الفيلم لدرجة أنه يروى فى أحد حواراته أنه ترك فيلما للنجمة سعاد حسنى بعد ثلاثة أيام ورفض استكماله لأنها كانت تفضل أن يتم تصويرها من بروفايل محدد وهو ما رفضه لأنه كان ينتصر لطبيعة العمل وفهمه للشخصية، نفس الأمر تكرر مع النجمة نبيلة عبيد التى لم يرق لها تصوير رمسيس فى أحد أفلامها لدرجة أنها قالت للمخرج «ده منور الأباجورة أحسن منى» ،وعندما أخبره المخرج ذهب إليها وقال لها بمنتهى الهدوء «مدام نبيلة لما يجيلك فيلم جديد وتعرفى إنى مدير تصويره يا تغيرينى يا تعتذرى».
أثرى رمسيس مرزوق السينما المصرية بأكثر من 120 فيلماً طويلاً، و40 فيلماً تسجيلياً، إضافة إلى عدد من المسلسلات التليفزيونية وهو ما أهّله للفوز بأكثر من 80 جائزة محلية وعالمية، وتوّج ذلك بالحصول على جائزة الدولة التقديرية فى الفنون عام 2005، كما أُدرج اسمه فى موسوعة «100 سنة سينما» التى أعدتها أكاديمية الفنون فى انجلترا، باعتباره واحداً من أهم السينمائيين العالميين، كما كرّمه أكثر من مهرجان دولي، منها مهرجان يوفان فى كوريا الجنوبية، ومهرجان جنوب إفريقيا، ونانت فى فرنسا، والمهرجان القومى فى مصر والإمارات ومهرجان القاهرة الدولى السينمائى.
رابط دائم: