مع تصاعد وتيرة المواجهة بين روسيا وبلدان الاتحاد الأوروبي، وما تواجهه موسكو وحلفاؤها ومنها بيلاروس من قيود العقوبات الغربية، تأتى التصريحات التى أدلى بها فيكتور أوربان, رئيس الحكومة المجرية, لتكون دعما غير مباشر لمواقع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، الذى سبق أن أعرب أوربان عن مواقف متقاربة معه تجاه كثير من القضايا الخلافية التى تحتدم مع الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة على مدى سنوات طوال.
فيكتور أوربان رئيس الحكومة المجرية، ومنذ جاء إلى السلطة فى نهايات القرن الماضى لا يتوقف عن مواقفه وتصريحاته التى كثيرا ما وصفها المراقبون فى الداخل والخارج بأنها «مثيرة للجدل». وعلى الرغم من ان فيكتور أوربان كان استهل حياته السياسية من مواقع موغلة فى العداء للشيوعية والاتحاد السوفيتي، فإنه سرعان ما عاد إلى الكرملين يخطب وده، وتعاونه انطلاقا من إعلاء مصالح بلاده، وتأكيدا على استقلالية القرار المجرى بعيدا عن ضغوط الناتو الذى انضمت إليه المجر فى مارس 1999، والاتحاد الأوروبى الذى تتمتع المجر بعضويته منذ عام 2004. وذلك ما قد يفسر الكثير من القرارات والمواقف التى يتخذها رئيس الحكومة المجرية وتبدو «تحديا سافرا» للكثير من قراراته، فضلا على ما يبدو من جوانب تقاربه مع روسيا وعدد من حلفائها على الصعيد الشرقي.
وبعد توليه مهام رئاسة الدورة الحالية لمجموعة «فيشجراد» الذى كان وراء تأسيسها فى عام 1991 كواحد من أقوى التحالفات الثقافية والاقتصادية والعسكرية والسياسية فى أوروبا، يعلن أوربان رفضه لمحاولات فرض مقررات الاتحاد الأوروبى الخاصة بالتربية والتعليم. وبهذا الصدد قال أوربان فى معرض خطابه الذى استهل به مهامه الرئاسية لهذا التحالف الإقليمي:
«لا يمكننا أن نتفق مع ما تخبرنا به الدول الأخرى الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى كيف يجب علينا تربية الأطفال المجريين. هذا خطأ. شخص ما يسيء فهم الوضع فى الاتحاد الأوروبي. لا يمكننا أن نتفق على أن أى دولة فى الاتحاد الأوروبى تخبرنا أنه يجب علينا «تركيع» إحدى دول التحالف. يجب وضع حد لهذه الممارسات الدكتاتورية».
ومن هذا المنظور يتوقع مراقبون كثيرون اشتعال صراع محتمل مع الاتحاد الأوروبي، حول ما يتبناه أوربان من مشروع قانون مثير للجدل يحظر ذكر مشاكل مجتمع المثليين فى المدارس المجرية. وأدانت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، ذلك المشروع الذى طرحه أوربان ووصفته بأنه «غير أوروبي»، وهو ما لقى تأييدا من جانب معظم بلدان الاتحاد الأوروبي. وبهذه المناسبة يتوقف كثير من المراقبين عند المساحة الواسعة من الاتفاق التى تجمع بين اوربان والرئيس الروسى فلاديمير بوتين تجاه مثل هذه القضايا، ومنها الموقف من المثليين وموقع الأسرة على الخريطة الاجتماعية لبلاده، والتى حرص بوتين على أن تكون فى صدارة ما طرحه من تعديلات على الدستور الروسى التى جرى الاستفتاء حولها فى مطلع العام الحالي. ومن المعروف أن أوربان تزوج فى سن مبكرة ولم يكن بلغ من العمر 23 عاما، وله أطفال، فضلا عن موقفه المتميز الرافض لعدد من مقررات الاتحاد الأوروبى ومنها ما يتعلق بالهجرة غير الشرعية.
وفى هذا الصدد تحديدا، ثمة من يقول إن ذلك الزعيم الذى ذاع صيته فيما وراء حدود بلاده والاتحاد الأوروبي، نتيجة موقفه المتشدد الذى لا يزال يتمسك به تجاه قضية تدفق الهجرة على بلاده، يفرض واقعا جديدا سرعان ما وجد معه اتفاقا فى الرأى بين أقرانه فى بلدان شرق أوروبا. وكان أوربان أول من اتخذ قرار بناء السور العازل للحيلولة دون تدفق المهاجرين إلى بلاده، فيما رفض قبول توطينهم فى المجر معترضا على قرارات الاتحاد الأوروبى حول توزيعهم على البلدان الأوروبية، وإن وافق على قبول عدد محدود منهم، إيمانا من جانبه بأحقية وأولوية مواطنى المجر فى الحصول على الرعاية والعمل والمسكن، وهو ما يلقى قبولا من جانب الغالبية ليس فقط من أبناء الشعب المجرى، بل أيضا بين قدامى المهاجرين ممن اتخذوا المجر وطنا ثانيا خلال العقود القليلة الماضية. على أن هذا الموقف الذى استفز فى كثير من جوانبه العالم الخارجي، ليس الوحيد فى قائمة الموضوعات التى تؤلب عليه خصومه فى الداخل والخارج، ومنها التقارب مع موسكو التى قال إنه يرى أهمية ما يمكن ان تقدمه من حلول لكل مشاكل تطوير اقتصاد بلاده والبلدان الأوروبية. كما أن ما يتردد من تصريحات عن الزعيم المجرى، يقول ضمنا إنه ماض فى طريقه إلى المزيد من الخلاف مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما كشف عنه فى الاجتماع الأخير الذى عقده تحالف «فيشجراد»، خلال الأيام القليلة الماضية فى مدينة كاتوفيتسا البولندية.
ولم يكتف رئيس الحكومة المجرية بتمرده على الكثير من مقررات الاتحاد الأوروبي، ليمضى إلى ما هو ابعد على طريق تنويع اتصالاته وعلاقاته مع البلدان غير الأعضاء فى الاتحاد الأوروبي، ومنها روسيا التى قطع مع زعيمها فلاديمير بوتين شوطا طويلا على طريق التعاون ولا سيما فى مجالات الطاقة ومنها النووية، إلى جانب مشروعات التصنيع والتكنولوجيا. وكان أوربان قام أيضا بزيارة لندن لأول مرة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهى الزيارة التى جرت على خلفية تصاعد انتقادات كثير من المدافعين عن حقوق الإنسان، وكذلك من جانب عدد من النواب اليهود والمسلمين من أعضاء البرلمان البريطاني. وقال هؤلاء «إنهم يعتبرون أوربان ضيفًا غير مرحب به فى بلدهم، نظرًا لموقفه من الأقليات والتصريحات القاسية التى صدرت عنه بحق المهاجرين إلى جانب موقفه من الملياردير جورج سوروس، احد أهم ممولى الثورات الملونة فى الفضاء السوفيتى السابق.
وكان أوربان وصف المهاجرين فى وقت سابق بأنهم أقرب إلى «السموم»، فضلا عما قاله حول انه يريد «وضع حد للديمقراطية الليبرالية»، على حد قوله. وذلك ما استثار عددا من نواب البرلمان البريطاني.
ورغم الأحكام والانتقادات التى أثارها مناهضو وخصوم اوربان فى الداخل والخارج، فإنها حسب مصادر مجرية، لم تنل من مكانته كزعيم قومى على الصعيدين الداخلى والإقليمى على حد سواء. ورغم أن بوريس جونسون سبق وكان إلى جانب مثل هذه الانتقادات التى تتعلق بحقوق الإنسان، فقد نقلت المصادر البريطانية عن ممثلى رئيس الوزراء البريطانى ما قاله حول «إن التعاون مع المجر أمر حيوى من اجل ازدهار وامن بريطانيا العظمى، وان اللقاء مع رئيس حكومتها سوف يعمل على تعزيز مصالح المملكة المتحدة».
إذن هى المصالح المتبادلة التى تبدو القاسم المشترك فى كل سياسات رئيس الحكومة المجرية وشركائه على الصعيدين الإقليمى والدولي، والتى انطلق منها أيضا فى سياساته مع روسيا وبيلاروس التى سبق أن زارها رئيس الحكومة المجرية داعيا إلى «رفع الاتحاد الأوروبى لما فرضه من عقوبات ضد جمهورية بيلاروسيا»، ومؤكدا «أن البيلاروسيين يمكنهم الاعتماد على المجريين فى القضايا السياسية والاقتصادية المهمة».
رابط دائم: