رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

قمة بغداد تعيد العافية لعروبة العراق

العزب الطيب الطاهر

الأسبوع الماضى، كانت بغداد على موعد مع استعادة العروبة لعافيتها وحضورها، بعد غياب طويل إلا من استثناءات جرت على استحياء، عبر استضافتها قمة آلية التعاون الثلاثى، بمشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسى، والعاهل الأردنى الملك عبد الله الثانى، ورئيس الوزراء العراقى مصطفى الكاظمى، وهى الآلية التى كانت القاهرة نقطة انطلاق قمتها  الأولى فى الرابع والعشرين من مارس 2019 والتى شارك فيها من العراق، رئيس وزرائه آنذاك عادل المهدى، ثم تلتها القمة الثانية فى  نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ،فى التاسع عشر من سبتمبر من العام نفسه، وشارك من جانب العراق رئيس الجمهورية صالح برهم.

بينما عقدت قمتها الثالثة فى عمان فى الخامس والعشرين من أغسطس الماضى، والتى شارك فيها لأول مرة الكاظمى بعد فترة وجيزة من توليه رئاسة الحكومة، تلبية لمطالب الحراك الشعبى الذى طرح اسمه فى ميادين التظاهر، الأمر الذى نظر إليه بحسبانه يعكس توجها حقيقيا لدى حكومته، لبناء جسور حقيقية مع العمق العربى للعراق، دون أن يخسر ارتباطاته الإقليمية السابقة، ضمن ما يطلق عليه الخبراء استعادة التوازن الإقليمى، أعقب ذلك بسلسلة من الزيارات لكل من الرياض والكويت، دون أن يتجاهل طهران، رافعا عنوان عودة العراق إلى ممارسة دوره الطبيعى فى المنطقة بمنأى عن حالة الاستقطاب، أو أن يكون ساحة لتصفيات الحسابات بين هذا الطرف الإقليمى أو ذاك الطرف الدولى، وهو ما قوبل بتأييد واسع من الحراك الشعبى وأغلبية النخبة السياسية العراقية، وإن برزت بالطبع توجهات مناهضة من بعض التنظيمات والميليشيات ذات الطابع المذهبى الطائفى.

 انتابت بغداد نهار الأحد قبل الماضى، صحوة لم تعتد عليها منذ الاحتلال الأمريكى فى العام 2003، تغنت فيها بمفردات العروبة والإخوة، والسعى إلى بناء شبكات أمان استراتيجية – إن صح التعبير - بالذات مع كل من مصر والأردن، وكلاهما لم يتخل عن العراق حتى فى أحلك ظروفه، لاسيما بعد أن وقع نحو ثلث أراضيه فى قبضة تنظيم داعش الإرهابى فى عام 2015، فقد سارعت قيادتا البلدين لتلبية متطلباته اللوجستية والمعلوماتية والاستخباراتية، على نحو أسهم فى إسقاط هذا التنظيم، بجانب جهود دولية وإقليمية أخرى، ونتيجة لذلك أظهرت العاصمة العراقية بهجتها وحفاوتها الشديدة باستقبال الرئيس عبد الفتاح السيسى، بعد غياب رئاسى عن زيارتها استمر زهاء ثلاثين عاما منذ آخر زيارة قام بها الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى العام 1991, فى محاولته لوقف الغزو العراقى للكويت فى أغسطس من هذا العام، وكذلك للعاهل الأردنى الملك عبد الله، وإن كان قد زارها من قبل غير مرة.

بالطبع المسألة لا تأخذ طابعا عاطفيا، فهذا ليس من خصائص العلاقات بين الدول، فثمة مصلحة  فى عودة العراق لخيار العروبة والعمق العربى، تكمن فى أنه لن يخضع بعد الآن لهيمنة قوى إقليمية - أيا كانت - بوسعها التأثير على قراره الوطنى، لأنه  بات لديه  ظهير عربى، يوفر له القدرة على الحركة النشطة المتوازنة، وفى الوقت نفسه تقليص منسوب منظومة الطائفية والمذهبية، التى كرسها «بول بريمر» أول حاكم أمريكى للعراق بعد الاحتلال، الذى جعل المشاركة فى مؤسسات الحكم وفق نظام محاصصة وظف لصالح فئات بعينها، ما أفضى إلى انهيار الخيار الوطنى واستشراء تجليات الفساد والنهب المنظم لثروات البلاد، وفى الوقت ذاته انهيار الخدمات وانخفاض معدلات التنمية، الأمر الذى دفع العراقيين للخروج إلى الميادين والشوارع  بداية من أكتوبر عام 2019، وكان مطلبهم الرئيس هو انتزاع بلاد الرافدين من براثن الطائفية والمذهبية وتوابعها المقيتة .

ومن شأن العودة للخيار العروبى، توفير بيئة حاضنة لمساعدة العراق على التخلص، من أزماته الاقتصادية والتنموية التى تفاقمت خلال سنوات ما بعد الاحتلال، على الرغم من عوائده النفطية الضخمة، عبر الانخراط فيما أطلق عليه الرئيس عبد الفتاح السيسى الشراكة الاستراتيجية، التى تؤسس لبناء شبكة من المشروعات الاستثمارية المشتركة، فى قطاعات الطاقة والكهرباء والتصنيع والزراعة والأمن الغذائى والنقل البرى والبحرى، وغيرها من القطاعات التى تتماس بصورة مباشرة مع متطلبات المواطن العادى، على نحو يشعر بمردود إيجابى على حياته اليومية. والأهم هو أن ملف إعادة العراق - فى  ضوء ما دمره تنظيم داعش، ومن قبل قوات الاحتلال الأمريكى - سيصبح فى أيدى شركات عربية تتصدرها مصر والأردن، بدلا من الاعتماد على أطراف أخرى تسعى إلى الهيمنة على هذا الملف، وهو ما يتخوف منه العراقيون، ورصده كاتب هذه السطور خلال زيارة عمل لبغداد قبل ثلاث سنوات، وأبدوا - خلال لقاءات أجراها مع مسئولين ونخب سياسية ومثقفين - رغبتهم، فى عودة مصر بالذات لتكون رقما مهما فى هذه المعادلة، لاسيما أن تجربتهم مع العمالة والشركات المصرية خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، اتسمت بالإيجابية الشديدة .  

لقد حصل العراق خلال قمة بغداد على تأكيدات مصرية أردنية بالوقوف إلى جانبه فى ملفات أخرى من ضمنها الإشادة  بالجهود الدبلوماسية المتوازنة التى بذلتها الحكومة العراقية، على صعيد تعزيز الأمن  والاستقرار الإقليمى، ومحاولاتها تقريب وجهات النظر لحل الخلافات، وإنهاء الأزمات التى تعانى منها المنطقة بالذات على صعيد محاربة الإرهاب وتصديها لتنظيم داعش الإرهابى، ما ساهم  فى درء الأخطار التى كان يمثلها، وإرساء الأمن فى العراق ودعم الاستقرار فى المنطقة، فضلا عن الإعلان بشكل واضح وصريح عن مساندة حكومته فيما يتعلق بتنفيذ إصلاحاتها الاقتصادية وتطبيق برنامجها ودعم استعداداتها فى التهيئة للانتخابات البرلمانية المقررة خلال شهر أكتوبر المقبل وإنجاز جميع مراحلها، ومتطلباتها بما يسهم فى إنجاح سير العملية الانتخابية وضمان شفافيتها .  

ويمكن القول إن قمة بغداد، بعثت برسالة اطمئنان للداخل وللخارج بما بات يتسم به العراق من استقرار أمنى، على الرغم من المناوشات والتحرشات من قبل التنظيمات، التى توجه عملياتها للقواعد العسكرية التى توجد بها قوات أمريكية، ما يدفع واشنطن للرد عليها مثلما حدث مساء القمة ذاتها، عندما وجهت واشنطن ضربات قوية لمواقع هذه التنظيمات على الحدود العراقية السورية، الأمر الذى أغضب حكومة العراق من منطلق الرفض الكامل، لجعله ساحة لتصفية الحسابات أو استخدام أراضيه وسمائه للاعتداء على جيرانه، فى الوقت الذى عزز فيه خطواته بانتهاج سياسة هادئة، واعتماد مبدأ الحوار سبيلا للحد من الصراعات، وتحقيق الأمن والاستقرار فى العراق وفى المنطقة، وذلك وفق بيان المجلس الوزارى للأمن الوطنى الذى بحث هذه التطورات، فى اجتماع موسع يوم الاثنين قبل الماضى برئاسة الكاظمى باعتباره القائد العام للقوات المسلحة العراقية .

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق