شبلول: أعادت للمثقفين ثقتهم بأنفسهم واكتشفت كنوز مصر فى الإبداع
زين عبد الهادى: أصبح لنا حضور دائم على الساحة العالمية
عصفور: الديمقراطية لا تتحقق إلا بالثقافة
القعيد: آثار الثورة الإبداعية تحتاج إلى وقت كاف لظهورها
مجاهد: قاومنا «أخونة» مكتبة الأسرة وحافظنا على الهوية
سكينة فؤاد: نجونا من محاولة سحب الهوية الثقافية لمصر
نالت الحياة الثقافية فى مصر نصيبها من التغيير الإيجابى الذى أحدثته ثورة 30 يونيو، فبعد أن كان للمثقفين والمبدعين دورا كبيرا فى هذه الثورة، ألقت بظلالها على تفاعلات هذه الحياة، وجرت فى نهر الفكر والأدب والإبداع مياه كثيرة، حركها اهتمام الدولة وما أنجزته من مشروعات ثقافية كبيرة وكثيرة واكبتها رغبة المثقفين فى المشاركة فى هذا التغيير بالكلمة والفكرة وأشكال الإبداع كافة. «الأهرام» استطلعت آراء مجموعة من الكتاب والأدباء والشعراء والنقاد والناشرين حول الثورة، وماذا قدمت لهم، وماذا قدموا لها، وتحت رايتها، وكيف يرون مستقبل دولة 30 يونيو؟
فى البداية يقول الشاعر والروائى أحمد فضل شبلول إن ثورة 30 يونيو فتحت آفاقًا أوسع للتخيل والابتكار والثقة بالنفس والشعور بالأمن والأمان والاستقرار، عما كنا عليه فى السنة الكئيبة التى سبقت تلك الثورة، والإبداع بصفة عامة، ووفقا لشبلول فإن من أهم ملامح الإنجازات الثقافية والأدبية التى تحققت فى عهد الثورة، ثقة المثقفين فى أنفسهم وقدرتهم على الفعل على أرض الواقع، فقد جاءت أول وقفة احتجاجية وأول اعتصام ضد محاولات أخونة الدولة من المثقفين، أمام مبنى وزارة الثقافة، فكان هذا الاعتصام بمثابة رسائل قوية للمجتمع المصرى الذى شعر بفداحة وخطورة الموقف، فبدأت شرارة الثورة والتغيير. ويضيف: أيضًا من أهم ملامح تلك الإنجازات الثقافية والأدبية عودة الملتقيات والمؤتمرات والندوات الثقافية والأدبية لانعقادها بقوة، مثل ملتقى الشعر وملتقى الرواية وغيرهما، ويجب أن نذكر هنا المبادرة الثقافية والفنية العظيمة التى ترعاها السيدة انتصار السيسى، وتنظمها وزارة الثقافة عن طريق المجلس الأعلى للثقافة، وتتعلق بالمبدع الصغير رمز الأمل والمستقبل، وهى «جائزة الدولة للمبدع الصغير» التى ستساعد على اكتشاف كنوز مصر الجديدة فى الشعر والقصة والتمثيل والغناء والرسم والعزف، وغيرها من مجالات أدبية وفنية راقية، التى تقدم لها فى دورتها الأولى أكثر من 4500 طفل مبدع من محافظات مصر المختلفة.
انقشعت الظلمة
فى سياق متصل، يقول الشاعر أحمد سويلم: عانت الثقافة والفن والإبداع اضطهادًا ملحوظًا فى عام الإخوان، وحينما انقشعت الظلمة، أحس المثقفون والمبدعون أنهم يستنشقون هواء نقيًا، وتنافست الأقلام لتجسد ثورة الإبداع فى قصائد وقصص وروايات تخلد هذه الثورة. ويتابع قائلا: أظن أن مسئولية المستقبل تقع على عاتق المثقفين أنفسهم، ومدى حرصهم على استعادة الريادة الثقافية، ولن يتحقق ذلك إلا بالحرص على أن يظل صوت الوطن أعلى وأكثر أثرًا من صوت الذات.
ويضيف سويلم: أتذكر فى الثامن والعشرين من يونيو، كان مجلس إدارة اتحاد الكُتَّاب برئاسة محمد سلماوى الكيان الثقافى الوحيد الذى أدان حكم الإخوان، ودعا إلى التغيير، ومن ثم فإن 30 يونيو كانت تجسيدًا لرغبة شعبية عارمة، وفى مقدمتها الكتاب الشرفاء.
التصدى لأخونة الثقافة
من جهته، يؤكد الدكتور أحمد مجاهد، أستاذ الأدب والنقد بجامعه القاهرة، أن العلاقة بين الثقافة وثورة 30 يونيو كانت وطيدة تعد بالكثير والكثير، فالثقافة كانت من أبرز وأسرع الملفات التى سعى الإخوان للسيطرة عليها، وكان المثقفون بوعيهم الوطنى الكاشف حائط الصد الأول الذى مهد الطريق للثورة. فعندما جاء وزير ثقافة الإخوان كان أول تصريح له هو أن مشروع مكتبة الأسرة سيتحول إلى «مكتبة الثورة»، وكان المقصود بالطبع أنه سيتحول إلى «أخونة الأسرة». وعندما تصديت له بقوة مدافعا عن استمرار المشروع واختيارات لجنته العليا، التى استعنت بها فى إصدار بيان نارى ضد الوزير، أقالنى فورا من رئاسة هيئة الكتاب، لكنه اكتفى بإيقاف المشروع، ولم يجرؤ على تغيير مساره. وقد كان اعتصام المثقفين فى مبنى وزارة الثقافة، وطرد وزيرها منها، هو أول فعل سياسى على الأرض ضد حكومة الإخوان. كما كان للندوات والحفلات التى أقامها المثقفون والفنانون أمام مبنى الوزارة، وشارك فيها نجوم المجتمع فى الفكر والأدب والفن، دور ناعم وحاسم فى الثورة. ويستدرك: فى المقابل قدمت الثورة بعد نجاحها للمثقفين ضمان استمرار المحافظة على الهوية المصرية، واستمرار السماح لهم بممارسة إبداعهم الفكرى والأدبى والفنى، دون الخوف من تكفيرهم أو تهديدهم بالقتل، وعندما انطلق صاروخ الثورة ــ بعد استقرارها ـ فى التنمية والبناء، كان للثقافة نصيب من ذلك على مستوى الدعم اللوجستى، يتمثل على الأقل فى انتقال معرض القاهرة الدولى للكتاب من أرض جرداء متربة، إلى مبنى عالمى بكل ما تحمله الكلمة من معان ومقومات. كما يتمثل فى تلك الصروح الثقافية المتنوعة التى ننتظر افتتاحها فى العاصمة الإدارية الجديدة.
استرجاع الثقة
الكاتب والروائى يوسف القعيد يرى إن ثورة يونيو أعادت الثقة للمصرى فى ذاته وبلده ومصيره، ويضيف أن هذا الإحساس مكن المصرى من أن يمسك مصيره بيديه، ويسير هذا المصير بنفسه بعد تحرير البلاد من الإخوان بكل الشرور التى كانوا يمثلونها ليلا ونهارا، مؤكدا أن أى ثورة لا تتضح آثارها فى الحال، ولكن فى الأوقات التالية وهذا ما اتضح فى كتابة الأدب بعد الثورات السابقة.
استعادة الهوية
من جهته، يقول الناقد الدكتور حسين حمودة أستاذ الأدب العربى بجامعة القاهرة إن ثورة 30 يونيو لم تنل، ما تستحق من الاهتمام والعناية، على مستوى دراستها وتحليل الأدوار التى قامت بها، وعلى مستوى تناول تأثيرها متعدد الأبعاد، وعلى مستوى تناولها فى الأعمال الإبداعية أيضا. ويرى حمودة أن تأثيرات هذه الثورة، وتناولاتها المتنوعة، سوف تتكشف وتتزايد بدرجات أكثر وضوحا مع الأزمنة القريبة والبعيدة القادمة.
الدكتور حسن مغازى أستاذ النحو وأنغام الشعر العربى بكلية الآداب بجامعة القاهرة، وعضو مجمع اللغة العربية بمكة المكرمة، يقول: لقد غيرت ثورة 30 يونيو الحياة الثقافية فى مصر، ولعل أهم ما يمكن الإشارة إليه فى هذا الشأن مدى عمق الوعى لدى القيادة السياسية باختيار الدكتورة إيناس عبد الدايم للنهوض بحقيبة الثقافة فى مصر، منذ منتصف يناير2018، ليس فقط لأنها أول سيدة تتولى حقيبة الثقافة منذ نشأتها عام 1961، وإنما لأنها ذلك العقل المتيقظ إستراتيجيا، ومشهود لها قيادتها لدار الأبرا المصرية باقتدار، حيث اتسمت الفترة التى قبلها مباشرة بتوقف جميع الأنشطة الثقافية. وعن آفاق المستقبل يقول: يمكننا أن نحاول وضع أيدينا على عدد من النقاط، نود لو نصلح فيها من شأن ثقافتنا، وهى أن نعود لتشكيل هيئات لفحص الأغنية، والمسلسل، والفيلم، وغيرها من المنتجات الثقافية، لتصحيح مسارها لغويا، فالثقافة هى قاطرة الجمهور، ويجب على قاطرة الجمهور أن تقوده للجمال.
تواجد عالمى لثقافتنا
من جانبه، يرى الدكتور زين عبد الهادى أستاذ علوم المعلومات والروائى المعروف أن مصر تتقدم دون شك فى مجالى الفنون والثقافة، وتضع قدما فى المحيط الفنى والثقافى على مستوى العالم، فكثير من الأحداث الفنية والثقافية كانت مصر فيها بمثابة القلب، كما أن الأعوام الأخيرة حملت مجموعة من الشواهد التى تدل على أن وجودنا فى مجال الفنون والثقافة على المستوى العالمى والإقليمى أصبح فى مجال الرؤية والملامسة.
ويشرح رأيه قائلا: لا أقول ذلك من خارج ما يحدث، بل إننى داخل هذه الأحداث أعيشها وأتحرك معها وأشارك فى صنعها ووضع سياساتها، وهو ما يعنى أننى أقدم شهادة من داخل هذا الحدث، بوصفى مشرفا على مكتبة الفنون والثقافة فى العاصمة الإدارية الجديدة، هذه المكتبة التى هى جزء من مجموعة مؤسسات ذات صبغة عالمية تضم أكبر دار أوبرا بالشرق الأوسط ومتحفا لعواصم مصر القديمة ومتحفا للفن الحديث ومتحف الشمع لمدام توسو، ومركز الإبداع الفنى ومجموعة من أضخم المسارح المفتوحة ودار سينما وثائقية، وبيت للعود، إلى جانب حديقة دولية تحيط بهذه المؤسسات من كل جانب.
تغيير وجه الثقافة
القاص والروائى د. محمد إبراهيم طه، يرى أن وجه الثقافة فى مصر قد تغير إلى الأفضل بعد ثورة 30 يونيو، حيث كانت أولى فوائدها تحجيم نفوذ تيار الإسلام السياسى المعادى للثقافة والفنون عمومًا.ويؤكد أن الحرية عادت إلى الفكر والإبداع والفن التشكيلى ، كما عاد الاهتمام بالأوبرا والفنون الجميلة والموسيقى والباليه، التى كانت تواجه مأزقًا كبيرًا يهدد وجودها إبان حكم الإخوان. ويضيف أن الإنجازات الثقافية بعد 30 يونيو تحاول توضيح هوية مصر الفرعونية والمسيحية والإسلامية، فكان الاهتمام بمتحف الحضارة وعرض ما لدينا من كنوز من مومياوات وآثار فى متحف الحضارة والمتحف المصرى الكبير، وإنشاء مدينة الفنون المتكاملة فى العاصمة الإدارية.
الشعر يستعيد وهجه
على صعيد متصل، يقول الناقد د. محمد عبدالمطلب إن 30 يونيو جاءت تعبيرا عن رغبة شعبية عامة، وكانت مفاجأة لم يتوقعها. ويشرح كلامه قائلا: لم أكن أتوقع أن لدى الجماهير قدرة التغيير على هذا النحو .. أحسست أننى أعيش ثورة 52 مرة أخرى، فقد كانت 30 يونيو معبرة عن المصريين قاطبة، ومحافظة على هوية مصر «الإسلامية المسيحية الفرعونية». ويتابع قائلا: خلال السنوات السبع الماضية وحتى هذا العام كنت مسئولا عن لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، واستطاعت خلال هذه الفترة القصيرة أن تحقق ما لم يتحقق من فعاليات خلال السنوات الطويلة قبلها: مؤتمرات وندوات ومطبوعات.. استعاد الأدب والشعر خاصة وهجه ورونقه ، وعبر الأدباء فى جميع المجالات عن إحساسهم بيونيو.
انتظار اهتمام أكبر
الناقد الكبير الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق يؤكد من ناحيته أنه لا يزال ينتظر من الدولة المصرية فى الذكرى الثامنة لثورة 30 يونيو الاهتمام بالثقافة الاهتمام اللائق بها . ويوضح أن مصر مرت بأكثر من مشروع، المشروع الناصري وكان البعد الثقافى بارزا فيه بشكل لافت، ثم المشروع الساداتى الذى كان أهم ملمح فيه الانفتاح الاقتصادى، ثم المشروع المباركى! وعن مشروع 30 يونيو، يقول: كان أهم ملمح فيه إعادة الكرامة للمواطن واستقلال الدولة المدنية الديمقراطية. ويخلص إلى أن الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة لن تتحقق إلا بالثقافة، مشيرا إلى أن الدولة المدنية تعنى ثقافة.
الحفاظ على الهوية
من ناحيتها، تقول الكاتبة سكينة فؤاد إن العام الكارثى الذى حكمته «الجماعة الإرهابية» هدد بسحب الهوية الثقافية لمصر، إلا أن ما قام به المصريون فى يونيو 2013 أعاد إحياء الكثير من القيم، مشيرة إلى أن ثورة يونيو قامت ببث هذه القيم فى كثير من الإبداعات والأعمال الفنية على الرغم من أن بعض الأعمال لم تنتبه إلى إبراز وتعزيز هذه القيم. وتطالب المبدعين بأن تكون - ما فعلته الثورة فى تصحيح المسار- فى بؤرة اهتمامهم؛ لأنهم القوة الضاربة بجانب الإعلام الوطنى الذي قام بدور مهم فى كشف المخططات.
أما الشاعر حسن طلب فيعتبر أن ثورة يونيو لم تغير الحياة الثقافية فقط بل كان لها تأثير على الحياة الاجتماعية أيضا وعلى جميع النواحى، وأحدث تغيير هو اكتشاف رجال الدين المزيفين. ويضيف أن الأعمال الثقافية بدأت تتجه بعد الثورة نحو النقد من أجل تغيير الوضع إلى الأفضل، مشيرا إلى أننا نحتاج إلى بعض الوقت، حتى نرى تأثيرًا كاملًا للثورة على الحياة الثقافية حيث إن الثورة الفرنسية حدثت فى القرن الثامن عشر، وظهر تأثيرها فى القرن التاسع عشر. ويشير إلى أنه لا ينبغى أن نقف متفرجين خلال حدوث التغيير، ولكن يجب أن نعمل حتى تقل فترة الانتظار، وأن تكون لدينا رؤية واضحة فى الأعمال الأدبية، وأن نرى السلبيات، ونقدم حلولا بديلة، ، وأن يكون المثقفون يدا واحدة فى مواجهة التحديات فنحن فى مرحلة مفصلية.
كسر حاجز الخوف
الكاتبة هالة البدرى ترى أن ثورة يونيو قد أزاحت عبء نظام ديكتاتوري فاشل وأنها تصحيح لسرقة ثورة يناير التى كان لها تأثير كبير على الإبداع إذ استطاع الكاتب أن يكسر حاجز الخوف فى مواجهة بنية النص التي ظلت ثابتة لعقود طويلة، مشيرة إلى ظهور أشكال جديدة من الإبداعات الثقافية بعد قيام الثورات العربية.
متفقًا مع الآراء السابقة يقول الشاعر ناصر رمضان عضو اتحاد الأدباء والكتاب المصريين: بالتأكيد غيرت ثورة 30 يونيو الحياة الثقافية والإبداعية فى مصر ويكفى بداية أنها أجهزت على الفكر المتطرف، ومن حيث النشر والوعى الثقافى عملت الدولة على محورين: المحور الداخلى والمحور الخارجى. ويشرح رأيه قائلا :المحور الخارجى ظهر مثلا فى اتفاقات للتبادل الثقافى بين مصر وبعض الدول مثل الصين وفرنسا. ويتابع رمضان قائلا: أما على الصعيد الداخلى، وهو المحور الثانى، فقد شهدت وزارة الثقافة والآثار افتتاح متحف الحضارة بالفسطاط الذى واكب نقل المومياوات الملكية فى احتفال أسطورى شهد به العالم، كما تم افتتاح متحف الزعيم جمال عبد الناصر، فضلا عن متحف الزعيم مصطفى كامل ، والانتهاء من ترميم دار الكتب بباب الخلق، وافتتاح متحف الفن الإسلامى، وقصر عائشة فهمى بالزمالك ومسرح طنطا . ويضيف رمضان: كما اهتم الرئيس عبد الفتاح السيسى بأن تكون ضمن مكونات العاصمة الإدارية الجديدة، (مدينة الثقافة والفنون)، وأن يكون لها نظير فى مدينة العلمين الجديدة.
أسامة إبراهيم سليمان - محمد البعلي
خلع رواسب الماضي
ويرى الروائى والقاص د. السيد نجم أن ثورة 30 يونيو تعد الخطوة الأخيرة فى سلسلة من الانتفاضات الشعبية بغرض تجاوز الآنى فى حينه، والتطلع إلى ما هو أفضل، وأن المخاض كان جليًا ومعبرًا عن رغبة شعبية فى تجاوز العيش فى كمون ينمو داخله عفن الإهمال واللامبالاة والتواكلية، تحت مظلة بقاء الحال على ما هو عليه.. ويتابع: مع بداية أحداث الثورة، بدت الحياة الثقافية كأنها تخلع عن بدنها رواسب فترة انقضاض الإسلام السياسى الرجعى، والمتمثل فى قبضة جماعة الإخوان المسلمين ورجالهم على مفاصل وفوهات المنابر الثقافية بمصر، بداية من وزارة الثقافة ومؤسساتها، حتى القنوات التليفزيونية التى بدأت تبث أفكارهم وتروج لشخصياتهم. ويواصل حديثه قائلا: لم يكن تجاوز تلك الحالة المقبضة للحياة الثقافية هى المعلم الوحيد، بل كادت تتوقف النشاطات الفنية على خشبة المسرح وفى استوديوهات السينما، وشعر الأدباء والفنانون والمفكرون بالورطة والحيرة. وبحسب نجم فقد عبّرت الإنجازات الثقافية والأدبية للثورة عن نفسها بظواهر كثيرة، منها آثار سريعة، مثل صدور سلسلة «أدب الثورة» ضمن مطبوعات هيئة قصور الثقافة، كما راجت بعض المسرحيات الشبابية بمسرح الطليعة ومسرح الهواة، وجرت إعادة عرض بعض المسرحيات الكلاسيكية الراسخة على خشبة المسرح القومي.
مواجهة التطرف بالفن
غير بعيد، يوضح الكاتب الروائى أشرف العشماوى أن الكتابة عن أى ثورة شعبية تحتاج إلى وقت طويل للاستيعاب والتأمل، فالأغلبية شاركت وشاهدت وإذا لم يكن لدى الكاتب جديد فلا داعى لسرد أحداث بصورة تقريرية تسجيلية على هيئة عمل فنى. ويؤكد العشماوى أن شكل الحياة الأدبية تغير إلى حد كبير وربما أهم الإنجازات إعطاء فرصة للفنون لمواجهة التطرف، وبنظرة واحدة على المعروض فى معارض الكتب عامى 2012 و2013 ثم فى الأعوام التالية سنجد تغييرا ملحوظا فى نوعية الكتاب المقدم للقراء.
من جانبه، يقول الناقد الروائى الدكتور محمد سليم شوشة إن هناك إبجابيات عدة انعكست على الحياة الثقافية عموما والأدب بصفة خاصة بسبب ثورة 30 يونيو العظيمة، أبرزها ما يرتبط بالحريات ذلك لأن شكل الدولة الدينية التى كانت تحاول أن ترسخ نفسها قبل 30 يونيو كانت ستهدم كثيرا من المقومات الثقافية ، ومن جانب آخر فإن الاستقرار الأمنى والاقتصادى الذى نتج عن دولة 30 يونيو ساعد كثيرا فى ازدهار الحياة الثقافية. ويشير إلى أن دولة 30 يونيو نموذج طموح لدولة سيادة القانون التى سعت لتحسين قانون الملكية الفكرية وتتبعت ظاهرة تزوير الكتب مما يعود على النشر بإيجابيات، بخاصة فى حال اكتمال تعديل التشريع لضمان حقوق المؤلف لدى الناشرين، والرئيس السيسى بنفسه أكد حرية التفكير والإبداع بل حرية الاعتقاد، وأقر مبادئ المواطنة، وأكد قيمة الفن.
من جهتها، تعبر الكاتبة والقاصة الدكتورة كاميليا عبدالفتاح عن إيمانها بثورة يونيو وما حققته من نتائج إيجابية على كل الأصعدة بقولها: تُطرحُ ثورة يونيو 2013م بصفتها ثورة سياسية، لكنَّ تأمّل وقائعها، وسماتِها، ونتائجَها، يُفضى إلى القول إنها ثورة انتفض فيها الشعبُ المصرى من منطلق وعيه الشاهق بهويته الحضارية، وذاته القومية؛ لاسترداد هذه الذات من خطط استلابها واختطافها. وتؤكد أن ثورة يونيو هى نجاح للهوية والحضارة، للشعب والقائد، للجيش والشرطة، للفكر والفن، للحرية والالتزام معا. وعن إنجازاتها الثقافية والأدبية التى تحققت فى عهد ثورة يونيو، تقول د. كاميليا إن أثر العنفوان الذى مس الروح والفكر فى هذه المرحلة أكبر من أن يُقاس بانعكاسه فى مؤلف بعينه، لأنه إلهامٌ مُمتد، ومبدأٌ دائم، لذلك أوقنُ أنّ الحرف الذى لم يقل بعد هو الأكثر قدرة على تجسيد الرؤى، ومع ذلك بدا أثرُ ثورة يونيو في توقى إلى اقتراح منهجٍ دراسى مستقل لطلاب المرحلة الجامعية حول الأدب المصرى منذ جذوره المصرية القديمة، حتى نماذجه المعاصرة، وقد قدمتُ خطة تفصيلية لهذا المنهج أرفقتها بورقتى البحثية التى شاركتُ بها فى مؤتمر أدباء مصر بمطروح.
وعن رؤيتها لآفاق المستقبل، تقول: تؤكد الجهود السياسية أنَّ الحفاظ على الهوية شرطٌ أساسى للتنمية وتحقيق الأمن، وأنَّ التنمية والاستقرار الأمني شرطان أساسيان للحفاظ على الهوية وسماتها الحضارية المميزة.
نقطة تحول مصرية
وفى رؤيته لثورة يونيو، يؤكد الناقد والروائى الدكتور حسن البندارى أن ثورة 30 يونيو تُمثل نقطة تحول فى السياسة المصرية من نظام مُرتبط بجهات خارجية ومخابرات دول معادية إلى نظام وطنى، وهو ما آمنت به طوائف الشعب المصرى، ومنها المثقفون الذين عبروا عن مواجهة ذلك الفكر الظلامى وتأكيد مبادئ الثورة بأعمال إبداعية نوعية. ويضيف: من منطلق إيمان المبدعين بثورة يونيو عارضوا ورفضوا جميع محاولات المساس بهذه الثورة العارمة بأعمالهم الإبداعية، تلك المحاولات المضادة التى تمثلت فى عمليات إرهابية جبانة على حدود الوطن وداخله، فأفرز هذا الحرص الواعى أعمالاً أدبية وفنية نراها فى كتابات كثيرة منها روايتى «تحت الأحزان» التى كتبتها 2012م، و«أحزان حمزة». ويستطرد البنداري: ولتأكيد إيمانى بهذه الثورة المجيدة توالت أعمالى مثل «أناهيد زهرة القمر»، ورواية «باسيل ومارسيل»، و«ثورة هاميس». وقد تتابعت أعمالى بعد الثورة ، فظهرت مجموعاتى القصصية المؤمنة بالرؤية الثورية: «الصياح فى الوديان»، و«طائر الحب الحزين»، و«تغريدة البلبل»، و«مرايا الحب»، وكان آخرها «بوح الترانيم» التى نشرت عام 2019.
الشاعر مسعود شومان يقول إن الثقافة أهم عناصر تغيير المجتمعات، والحراك الاجتماعى جذره ثقافى، وظنى أن الثقافة هى فاعلة الثورة حيث أدى المثقفون المصريون دورا مهما فى مقاومة ورفض الفاشية الدينية والهيمنة على المجتمع وقيمه باسم الدين، ولما كان طموح المثقفين يسعى للدولة المدنية وقيمها فكان السعى لإظهار الثقافة كصناعة ثقيلة يمكن أن تقود عبر فنونها من مسرح وفنون تشكيلية وفنون شعبية. ويسترسل: ظنى أن الرؤى الثقافية بدأت فى مكاشفة الهوامش الثقافية بعيدا عن المتن وتوجهت للأقاليم فتوسعت النظرة الأنثروبولوجية لترى الثقافات التى نسيناها طويلا على حدودنا المصرية والأقاليم الثقافية وفنونها وفنانيها وشعرائها على مسارح القاهرة وفى احتفالياته.
تأثير إيجابى على النشر
على صعيد النشر، يؤكد أسامة إبراهيم سليمان عضو اتحاد الكتاب وصاحب إحدى دور النشر أن هناك فارقا بين الفترة قبل ثورة 30 يونيو وما بعدها، فقد عانت مصر ركودا اقتصاديا على جميع المستويات قبل ثورة يونيو، وهو ما ألقى بظلاله القاتمة على صناعة النشر فى مصر، فتوقف عددٌ كبير من تلك الدور عن العمل فى هذه الصناعة المهمة؛ مما أثر سلبيا على قطاع كبير من العاملين بها من فنيين ومدققين لغويين وتجار أوراق وأحبار وملاك دور أيضا، بل حدث تجميدٌ كامل لمعارض الكتب العربية والدولية، واختفت حفلات توقيع الكتب، واستمرت هذه المعاناة حتى انبلاج ثورة يونيو المجيدة، فاختلف الأمر تماما عن ذى قبل إذ أدى حدوث الاستقرار الاقتصادى بعد أن عادت مؤسسات الدولة إلى ممارسة نشاطها إلى انتعاش كثير من القطاعات ومنها الثقافية، فعادت دور النشر تمارس دورها وبقوة، وكثرت حفلات توقيع الكتب، وأقيمت المعارض المصرية والعربية، وجنى ثمار هذه النهضة العاملون بصناعة النشر، الذين يدينون بالفضل لثورة يونيو المجيدة.
أما الناشر محمد البعلى فيرى أن القطاع الثقافى من ضمن القطاعات التى شهدت تغييرات واسعة منذ 30 يونيو 2013، فقد أدت الإطاحة بالإخوان شعبيا وسياسيا إلى تحجيم منابرهم الطباعية والثقافية، حيث تراجعت أنشطة دور نشر عدة مرتبطة بهم وأغلقت أخرى ووضعت بعض الدور تحت الحراسة، وعلى صعيد آخر تراجع الاهتمام بالكتب التى تتحدث عن الجماعة وكذلك الكتب التى تحكى عن ثورة يناير 2011، وأيضا نوعيات أخرى من الكتب خاصة تلك التى تتناول قضايا الإصلاح المؤسسى فى البلاد بشيء من التفصيل.
رابط دائم: