رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

النفــس الهادئــة

أحمد البرى;

أنا سيدة فى الثالثة والأربعين من عمرى، نشأت فى أسرة متوسطة لأب موظف وأم ربة منزل، وأنا الثانية فى الترتيب بين شقيقين، وبرغم أننى لست بيضاء اللون مثل أمى، فإننى أتمتع بخفة دم، ورقة فى الكلام كما قال لى الكثيرون، وبرغم تفوقى فى أثناء العام الدراسى، فإننى أحصل على مجموع لا يعبر عن مستواى، ولذلك لم أستطع الالتحاق بالثانوى العام، فدخلت المدرسة الثانوية التجارية، وبعدها التحقت بمعهد متوسط، وعملت فى إحدى الوظائف، وتخرج أخى الأكبر فى كلية الحقوق، وعمل محاميا، والتحق أخى الأصغر بالمدرسة الثانوية الصناعية، وسارت الأمور على ما يرام، وتعرفت على شاب يكبرنى بست سنوات كان يتردد على مقر عملى بحكم وظيفته المهمة، وطلبنى للزواج، ففرحت جدا، ولكن كان بداخلى إحساس غامض لم أجد له تفسيرا وقتها، وتمت خطبتنا لمدة أربعة أشهر، وعندما تزوجنا كان عمرى ثمانية وعشرين عاما، وفى يوم الزفاف وبمجرد دخولى الشقة وجدت كمية خمور كبيرة، وعرفت أنه يتعاطاها يوميا، وفوجئت به يطلب منى عدم الإنجاب، فوافقته على غير رغبتى، ثم حدثتنى أمه فى ذلك، وأعدت الكلام معه فى أن يكون لنا ولد أو بنت، فلم يمانع، ومرت أسابيع على هذه الحال، ثم ظهر على حقيقته، فهو سليط اللسان، كثير السباب، وتعرضت على يديه للضرب المبرح، لأنه يريدنى أن أترك العمل، وأنزّل الجنين الذى حملت فيه.
وأصبح يدخل البيت فى وقت متأخر، وهو سكران، وعرفت أنه على علاقة بأخريات، وحاولت أن أتأقلم على هذا الوضع لكنى لم أستطع التعايش مع كل هذه «البلاوى»، فطلبت الطلاق بعد عام ونصف العام من الزواج، وحصلت عليه، واستكملت تعليمى الجامعى عن طريق «التعليم المفتوح»، وبعد سنة تقريبا قابلت شخصا كان معى فى الجهة التى أعمل بها، ولكنه انتقل إلى مكان آخر، وقال لى إنه يحبنى، وكان يتمنى الزواج بى، ولم أخبره أننى مطلقة، فهذا الأمر يخصنى وحدى، ولم أخبر أحدا به سوى زميلة لى، ومن الواضح أنها شرحت له ظروفى، فجاءنى بعد ذلك، وقال إنه عرف عنى كل شىء منها، ويريد أن يتقدم لى، وهو يكبرنى بأربع سنوات، ولم أجد ما يمنعنى من قبوله، فتزوجته، وعشت الشهور الستة الأولى فى سعادة، وبعدها استقال من عمله فى مصر، وسافر إلى الخارج، ولحقته بعد حصولى على إجازة دون راتب لمدة سنة، وإذا بى أفاجأ ببخله الشديد، وتقتيره علىّ، فى الوقت الذى وجدته فيه كريما مع كل الناس حتى أهلى، ولك أن تتخيل أننى أغسل الملابس بيدىّ، لرفضه شراء غسالة، ورفض أيضا أن أحمل، تماما كما فعل زوجى السابق.
وبعد مرور عام عدت إلى مصر، وتسلمت عملى، وكان يحضر فى الإجازات، وأحيانا أسافر إليه لفترات قصيرة.
ومرت عشر سنوات، وذات يوم كنت فى الخارج، وانتابتنى بعض المتاعب، ودخلت المستشفى وتم استئصال أحد المبيضين بعد التأكد من إصابتى بالسرطان، وعشت دوامة العلاج الكيماوى، وبعد عامين انتقل المرض إلى المبيض الثانى، وتمت إزالة الرحم.
ولما عاد زوجى إلى مصر فى الإجازة طلقنى، قائلا: إنه «زهق من مرضى وتعبى»، وأن أهلى ملزمون بمصاريفى وعلاجى، مع أن التأمين الخاص كان متكفلا بعلاجى، ومن شدة الصدمة دخلت المستشفى تحت الملاحظة، وبدأت رحلة علاج جديدة، ثم عاد المرض للمرة الثالثة فى الغدة، وخرجت على المعاش المبكر منذ عامين، ونسيت المرض لمدة عام، فإذا به يعود إلىّ للمرة الرابعة، والحمد لله أكملت العلاج منذ شهرين، وتحسنت حالتى، وأعيش حالة اضطراب خوفا من أن أعانى المرض من جديد، ولا أجد من يخدمنى، فأمى فى السادسة والستين من عمرها، ووالدى فى الثالثة والسبعين، وشقيقاى وزوجتاهما مشغولون بأبنائهم، والحق أن أخى الأكبر لم يتركنى لحظة واحدة، ولا أريد أن أثقل عليه أكثر من ذلك.. إننى راضية من داخلى، وأشعر براحة وطمأنينة، وأكتب إليك هذه الرسالة طلبا للدعاء إلى الله بأن يشفينى، ويثبتنى حتى أستكمل ما تبقى لى من عمر، وأنا هادئة ومرتاحة البال، ولك منى التحية والسلام.


ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

إن الحياة الطيبة تكون فى الرضا، فهو جنة الدنيا، ويزيل الإحساس بالألم، ويهدئ روع المؤمن عند المصائب وفوات المكاسب، فلا تذهب نفسه عليها حسرات، بل يصبر ويرضى بحكم الله.  
والدنيا ليست ميزانا للتفاضل بين الناس عند الله، وحصول زهرتها لا يدل على رضاه سبحانه، كما أن الحرمان منها لا يدل على سخطه عز وجل، فقد قال تعالى: «فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّى أَكْرَمَنِ، وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ» (الفجر15 ــ 16).
إن الصبر يجعل النفس مُطمئنة محتسبة غير كارهة لما نزل بها، فالابتلاءات تأتى لترفع الدرجات، لقول رسول الله: «يبتلى الرَّجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتدَّ بلاؤه، وإن كان فى دينه رقة، ابتلى على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتَّى يتركه يمشى على الأرض ما عليه خطيئة»  
وعندما تضيق النفس يجب أن نتذكر أن رسول الله كان أشد الناس ابتلاء، وبرغم ذلك لم يُرَ إلا مبتسما، فرحا بمعية الله، مكتفيا به عمن سواه، حيث يقول تعالى: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرا»، وهناك بعض الأمراض التى قد تكون سببا فى دخول الجنة لمن يصبر عليها، مثل: فقد البصر، ودليل ذلك ما ورد عن المرأة التى أصابها الصرع، وذهبت إلى النبى ليدعو لها بالشفاء، فبشّرها بالجنة إن صبرت، وكذلك تكفير السيئات؛ فكُلّ مصيبة أو همٍّ أو مرض يُصيب المرء يكفّر الله به من السيئات، لحديث النبيّ: «ما يُصِيبُ المسلِمَ من نصَبٍ، ولا وصَبٍ، ولا هَمٍّ، ولا حَزَن، ولا أذى، ولا غَمٍّ، حتى الشوْكة يُشاكُها، إلَّا كفَّرَ اللهُ بِها من خطاياهُ»، ولمّا زار النبيّ الصحابيّة أمّ العلاء فى مرضها بشّرها بذهاب الخطايا لمن يصبر على ما أصابه، وكذلك يسهم الصبر فى تهذيب النفس، وتنقيتها من الآثام. والصبر مفتاح الفرج كما نردد دائما، وهو ثقة بأن الله قادر على كل شىء، وعلى أن يبدل الحال للأفضل، فى الوقت الذى يقدره عز وجل، فالمؤمن حقا لا يحزن ولا يشعر بأنه أقل من غيره، ويتذكر دائما أن كل ما يصيبه من قدر مكتوب من الله وعليه الصبر ويحتسب الأجر والثواب منه سبحانه وتعالى، ويدعوه أن يفتح له باب الخير.
 لقد منّ الله عليك بالشفاء مرات عديدة، وهو وحده القادر على أن يزيح عنك المرض، فلا تقلقى من المستقبل، فهذا أمر يقدره الله، ولا تفكرى فى الغد، وإنما انظرى إلى ما تملكينه بالفعل، فآفة البعض أنهم يرون أن كل ما يمتلكونه في حياتهم أمر عادى، أو مفروغ منه، وعند التعرض لحادث مأساوى، عندها فقط يتذكرون الأشياء الجميلة فى حياتهم، ومن هذا المنطلق يجب التمعن فى الأشياء التي يملكونها وتجعلهم سعداء، أى النظر إلى النصف المملوء من الكأس، وأنت بالفعل لديك من عوامل الاستقرار النفسى الكثير، فلا تشغلى بالك بالمستقبل، فالماضى فات، والمستقبل غيب، ولك الساعة التى أنت فيها.. وأسأل الله العلى القدير أن يشفيك، وأن يرفع عنك البلاء، وأن يمنحك الصحة وراحة البال، وأرجو أن يعلم مطلقك أنه لا يملك من أمره شيئا، وأنه لا يدرى ما سيحدث له غدا، حيث يقول تعالى: «وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا، وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْض تَمُوتُ» (لقمان 34)، ولو أنه أيقن ذلك ما تخلى عنك فى الظروف الصعبة التى مررت بها، وعليك أن تتأكدى من أن الله سوف ييسر لك أمورك، وينعم عليك بالسعادة.. إنه على كل شىء قدير.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق