42 مليون جنيه ميزانية فك كرب الغارمين والغارمات من صندوق «تحيا مصر»
قبل 30 يونيو 2013 كان الأسلوب المتبع للتعامل مع قضية الغارمات هو الإفراج عنهن فى المناسبات والاعياد أو سداد ديونهن عبر جمعيات العمل الخيرى ولكن بعد هذا التاريخ اصبحت هناك معالجات أخرى للمشكلة اكثر فعالية تضع حلولا جذرية للمشكلة وتبحث فى ابعادها وأسبابها ودعم الغارمات واعادة تأهيلهن لسوق العمل حتى لا تضطرهن الظروف للاستدانة مرة اخرى والعودة خلف القضبان وفى نفس الوقت سداد الدين لأصحابه. وانعكس هذا فى العديد من المبادرات الرئاسية مثل سجون بلا غارمين أو غارمات ومصر بلا غارمات بالاضافة إلى تشكيل اللجنة الوطنية لرعاية الغارمين والغارمات التى عقدت اول اجتماعاتها فى 2020 بهدف وضع إستراتيجية قومية لإغلاق هذا الملف تماما بحيث تتحقق رؤية الرئيس وتوجيهاته بان تكون مصر بلا غارمين أو غارمات وكما توضح الباحثة آلاء برانية فى دراسة لها صادرة عن المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية فالظاهرة لها سببان رئيسيان أولهما الاستدانة لتوفير مستلزمات زواج الأبناء والتعثر فى السداد وثانيهما هو ضمان المرأة لأحد الاقارب فيتعثر فى السداد فيصبح الضامن غارما.
وكما تقول الباحثة فعلى الرغم من عدم وجود احصائيات رسمية بأعداد الغارمات فى مصر، لكن التقديرات تشير إلى انهن يشكلن 30% إلى 35% من اجمالي السجناء أى قرابة 30 الف سجين وهى ظاهرة ذات ابعاد خطيرة كما تقول الدكتورة سامية قدرى استاذ علم الاجتماع وتشكل خطرا على الأسرة المصرية فوجود الأم خلف القضبان ينعكس على اسرتها وعلى المجتمع ككل وبالرغم من الجهود الحثيثة التى بذلتها الدولة لرعاية الغارمات وفك كربهن إلا أن الأمر يحتاج إلى البحث فى جذور المشكلة والاسباب التى اوصلتهن إلى هناك وترجع الظاهرة إلى زيادة معدلات الأمية بين النساء مع احتياجهن للعمل لإعالة أسرهن بسبب غياب العائل لسفره أو موته أو زواجه بأخرى مما يدفع المرأة دفعا للعمل وتتدخل هنا الجمعيات التى تقدم قروضا للمرأة لمساعدتها على عمل مشروع صغير وفى ظل انعدام الدخل والحاجة إلى المال تضطر المرأة لإنفاق القروض وقد تفشل فى مشروعها الصغير فتتعثر فى السداد وتصبح غارمة وتسجن أو لتجهيز البنات للزواج وتحمل أعباء مالية ليس لهن طاقة بها وهو ما يحتاج لمجهود أكبر لتغيير هذه الثقافة واجتثاثها من جذورها بعدم المبالغة فى متطلبات الزواج كما أن اغلب النساء اللاتى يقعن فى فئة الغارمات من السيدات البسيطات العاملات فى القطاع غير الرسمى وبالتالى لا يتوفر لديهن الدخل الثابت الكافى لسداد الاقساط ولابد من تضافر الجهود الرسمية والاهلية لتغيير هذه الثقافة بالاضافة إلى استمرار آليات المتابعة للغارمة بعد عودتها لأحضان عائلتها والبيئة المحيطة بها.
وترى منى عزت الباحثة فى قضايا التمكين الاقتصادى والاجتماعى بجمعية المرأة الجديدة أن زيادة عدد الغارمات سببها ارتفاع نسبة النساء المعيلات إلى 32% من الأسر وأكثرهن أميات واغلبهن أرامل ومطلقات أو زوجات لرجال ممن يعملون باليومية ودخولهن هشة وليس لديهن رأس مال كاف لعمل مشروع فيلجأن للاستدانة أو لتوقيع إيصالات الامانة لشراء السلع أو اللجوء للقروض الصغيرة وهو ما يوقعهن فى المشاكل فالنساء عادة أكثر إلتزاما فى سداد القروض اللاتى يحصلن عليها إلا اذا عجزت عن ذلك لأسباب خارجة عن إرادتها.
وتؤكد أن مبادرات الدولة لسداد ديون الغارمات ناجحة وضرورية وتراعى البعد الاجتماعى لقضايا الغارمات خاصة مع التركيز على متابعتهن وتوفير التدريب والتأهيل وتمويل المشروعات متناهية الصغر، لكن لابد من تضافر جهود الدولة والمجتمع المدنى لإعادة تأهيل النساء وتوفير فرص التدريب مع تحقيق الشمول المالى للنساء ودعم مشروعاتهن دون التقليل من خطورة العقاب حتى لا تتعمد تكرار الاستدانة دون رد الدين ولا بد من إيجاد آليات لمتابعة الغارمات وأسرهن باعتبارها اسرا معرضة للخطر فلابد من توفير رعاية بعدية دقيقة لهم.
صندوق تحيا مصر من الجهات التى تصدت واشتبكت مع هذا الملف بقوة وكما يقول مديره التنفيذى تامر عبدالفتاح فقد اولى الصندوق اهتماما كبيرا بهذا الملف من خلال مسارين الأول فك كرب الغارمين والغارمات وسداد مديونياتهم بميزانية بلغت 42 مليون جنيه والثانى الحرص على توفير شتى سبل الحماية الاجتماعية والرعاية الصحية والتنمية الاقتصادية للمرأة المصرية من خلال تنفيذ برنامج «مستورة» لتمكين المرأة المعيلة بالتعاون مع بنك ناصر الاجتماعى ووزارة التضامن الاجتماعى وتمويل المشروعات متناهية الصغر فبلغت حتى الان نحو 19868مشروعا متناهية الصغر بمختلف محافظات الجمهورية بتمويل بلغ 330مليونا و850آلف جنيه ويوفر برنامج «مستورة» تمويلا تتراوح قيمته ما بين 4 آلاف و20الف جنيه لمساعدة كل امرأة قادرة على العمل على امتلاك مشروع صغير أو متناهى الصغر ويسلم هذا التمويل فى صورة معدات أو وسائل إنتاج وليس مبالغ مالية كما ينفذ الصندوق مشروع دكان الفرحة لتجهيز الفتيات الاولى بالرعاية ورفع هذا العبء عن كاهل امهاتهن لاسيما أن العديد من قضايا الغارمات تكون نتيجة استطاعة الام لتجهيز ابنتها.
الكاتبة نوال مصطفى مؤسس ورئيس مجلس إدارة جمعية رعاية أطفال السجينات تقول ان بداية ظهور مشكلة الغارمات يعود إلى عام 2007 واستمرت الزيادة فى اعدادهن بسبب انعدام الوعى القانونى بين النساء وانتشار الأمية بينهن ليصبحن فريسة سهلة للتجار الجشعين الذين يستغلون احتياجاتهن ويدفعونهن للتوقيع على عدد كبير من ايصالات الأمانة تفوق قيمة السلع التى تحصل المرأة عليها فنجد التاجر يقدم إيصالات تقدر بمائة ألف جنيه رغم أن سعر السلعة التى حصلت عليها المرأة لايزيد على ألف جنيه وبالتالى كان لابد من البحث عن حلول اقتصادية وقانونية اخرى.
وتشير نوال مصطفى أن «وصل الامانة» هو السبب الرئيسى فى دخول المرأة السجن رغم أنه نوع من الاستغلال للسيدات ولا يجوز التعامل به واجبار السيدة على توقيعه واستغلال حاجتها فهو يستخدم فى حال المعاملات التجارية بمعنى اقرار الموقع أنه حصل على مبلغ مالى بهدف نقله لشخص آخر وهو ما لا يتحقق فى حال شراء السلع وتصبح الكمبيالة هى البديل الذى قد ينقذ المرأة لكن المشكلة أن تكدس القضايا لا يمنح القضاء الفرصة للتحقق من الوقائع واكتشاف أن الغارمة قد غرر بها فوقعت إيصال أمانة بدلا من الكمبيالة بل ولابد أن نذكر هنا أن المشرع يجرم استخدام ايصالات الأمانة بدلا من الكمبيالة فى غير موضعها أى فى عمليات البيع والشراء. ولذلك فأن توعية النساء لمثل هذه الأمور قد يشكل نوعا من الحماية بالاضافة إلى أنه يجرى حاليا بحث اقتراح لاستبدال عقوبة السجن للغارمة بتوفير عمل بأجر على أن يخصم جزء من الأجر لسداد ديون الغارمة علما بأن سداد قرض الغارمة أو دينها ليس كل شئ فتحسين ظروف هؤلاء النساء هم الأهم .
رابط دائم: