لا يختلف اثنان على أن اقتحام المبدعين لوزارة الثقافة فى يوم 5 يونيو عام 2013 أى قبل تحرك الجماهير فى الشوارع بأكثر من ثلاثة أسابيع واعتصامهم هناك ومنع الوزير الإخوانى من الدخول كانت البداية الحقيقية للثورة.
صحيح أن جميع الوزارات والهيئات الحكومية فى مصر كانت تعانى أسلوب الأخونة وتصعيد المنتمين للجماعة أو الدوائر المحبة لهم فى المناصب القيادية ومفاصل الدولة لكن أغلب العاملين فى هذه الوزارات والهيئات موظفون يخشون على أسرهم من انقطاع لقمة العيش كما أنهم دأبوا على التحرك بناء على تعليمات إدارية عكس وزارة الثقافة التى يشكل المبدعون فيها وأصحاب الرؤى والوعى أغلبية ظاهرة .. كما أن المتعاملين مع الوزارة من خارجها من الفنانين والأدباء أكبر عددا وأكثر تأثيرا من الموظفين التنفيذيين .. لهذا تحررت وزارة الثقافة قبل الثلاثين من يونيو .. ولعل الأنشطة الفنية التى تم عرضها فى الشارع أمام وزارة الثقافة فى أثناء الاعتصام تؤكد تضامن جميع المبدعين فى تلك الفترة.. وقد تشرف صاحب هذه السطور بالمشاركة فى أمسية شعرية على الرصيف لعلها الأفضل على الإطلاق حيث قدمت عدة قصائد منها :
انزل فى يوم تلاتين .. والقرد والقرداتى .. ويسقط يسقط حكم المرشد
وكان فى نفس الليلة عرض لفرقة الرقص الحديث صممه ضياء شفيق وفقرة عزف على آلة الماريمبا للفنانة نسمة عبد العزيز وكلمة من الفنان الراحل الدكتور عزت أبو عوف الذى كان يسكن أمام الوزارة ونزل من بيته رغم مرضه الشديد من أجل المشاركة .. ولكن قبل تلك الأحداث أسهم المسرح المصرى بدور كبير وفعال فى بث الوعى الوطنى وشحن جماهير المسرح ضد حكم الإخوان .. فلم تخل مسرحية من تلميح عن قهر الحكام أو شراء الضمائر بالزيت والسكر ولكن أخطر هذه المسرحيات وأكثرها جرأة مسرحية المحروسة والمحروس التى اقتسم بطولتها النجمان القديران أحمد راتب وسوسن بدر والتى كانت تحكى عن فترة حكم الملكة شجر الدر والتى اشتهرت باسم شجرة الدر وصراعها مع الخليفة المستعصم والذى كان ينكر دورها لمجرد أنها امرأة .. ويهزأ بها .. وفى وقت الشدة صمدت شجر الدر أمام حملة لويس التاسع بينما باع الخليفة قطعا من أرضه مقابل النجاة بحياته ..وأدى أحمد راتب شخصية الحاكم الخائن والذى وصل إلى كرسى الخلافة برشوة الجماهير بالزيت والسكر والحديث عن القصاص وكان يقلد فى صوته وحركاته الدكتور محمد مرسى وكانت صالة المسرح تضج بالضحك وهو يقلد حركاته وإشاراته ويرى أن الفروسية وحكم المرأة «دونت ميكس «
وتحولت المسرحية من عرض تاريخى باللغة العربية إلى عرض كوميدى شديد الجاذبية والطرافة وأيضا إلى عرض سياسى تحريضى على الثورة .. وقد ختمت مقالى فى عرض المسرحية بتاريخ 13 مارس 2013 قائلا «والمسرحية تؤكد باختصار أن كل الحكام المغرورين المدججين بالحرس قد سقطوا بينما عاشت أرض المحروسة شاهدة عليهم».
كما قدم الفنان الراحل محمود الجندى عرضا آخر يندد بحكم الجماعة الإرهابية حمل عنوان «اللى بنى مصر».. وإن تأخر هذا العرض وقدم بعد نجاح ثورة 30يونيو وكان المفترض تقديمه قبل ذلك.. وبالطبع أسهمت مختلف فنون الدراما فى السينما والتليفزيون فى تقديم أعمال تمجد الأدوار البطولية فى تلك المرحلة الحساسة منها مسلسل الاختيار بجزءيه ومنها مسلسل الجماعة لكن المسرح وحده من تصدى لكشف الجماعة الإرهابية فى ظل سطوتها وسيطرتها على مقاليد الحكم ومفاصل الدولة .. وكان البعض يظن أن خروجهم من السلطة فى حكم الاستحالة ..ولعل المسرح باعتباره وسيلة أكثر تفاعلية مع الجمهور كان هو الأقدر على لعب ذلك الدور التنويرى والوطنى
رابط دائم: