رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

سيد عويس..صاحب «هتاف الصامتين»

سيد عويس

«كنت وحدى أحارب فى جبهات عديدة، وعندما بدا لى أننى انتصرت، لاحظت أننى ما زالت أكافح وأعانى»، معاناته وتأرجحه ما بين الرضا والقلق، طارد عالم الاجتماع المصرى الفذ، الدكتور سيد عويس، وهو يرتقى اجتماعيا من طبقة إلى أخرى، وحتى وهو يرضى شغفه العلمى والإنسانى بملاحقة الواقع الاجتماع المصرى ويخلق لهذه الملاحقة «أدوات» نادرا ما فطن لها غيره. ويضيف أى متابع لأعمال عويس، الذى حلت ذكراه هذه الأيام، إذ انه توفى منتصف يونيو عام 1988، ترجيحا أخر حول أسباب معاناته، وهى أنه كان دوما يحمل من مشاعر التعاطف والتفهم مع الفئات الاجتماعية الأكثر تهميشا الكثير.

ولد السيد عويس فى 17 فبراير 1913، لتخصه الحياة بفرصة قضاء سنوات شبابه الأولى وحتى مشارف الثلاثين فى حى الخليفة العريق، فخالط هناك وبذكاء دون ترفع أو حاجز مختلف الفئات. ثم جاءت وفاة والده لتعطل مسيرته التعليمية، وعندما تمكن من استئنافها، كان بين أول دفعة استقبلتها مدرسة الخدمة الاجتماعية، ليتخرج ويكون من أوائل حاملى لقب «اخصائى اجتماعى». وجاءته الحياة بالفرصة التالية والفارقة فى تشكيل تجربة من صار بعد ذلك ملقبا بـ «عميد علماء الاجتماع»، إذا سافر عويس إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ليدرس وينال درجة الدكتوراه فى علم الجريمة، عن رسالته المقارنة بين عوالم الجريمة فى حى بولاق القاهرى، ومدينة بوسطن الأمريكية.

عمل عويس مديرا لمؤسسة «العباسية» بين عامى 1939 و1944، وشغل منصب السكرتير بجمعية الخدمة الاجتماعية بحى بولاق، والتى شارك فى تأسيسها عام 1947. وكان أيضا مديرا لمكتب الخدمة العامة لمحكمة أحداث القاهرة بين منتصف الأربعينيات وبدايات الخمسينيات، وهذه بعض المناصب التى شغلها عويس.

وعلى مسار مواز، كان عمله البحثى والذى حمل سمات رئيسية، من أبرزها: أنه كان يؤمن إيمانا عظيما بقوة الأثر المتخلف على التجربة الذاتية المباشرة، حتى وإن كانت تجربة غير هينة، فهى تلك التى تمد صاحبها بعظيم القوة والثبات فيما بعد.

كما كان شغفه الاهتمام بتحليل تأثيرات الموروثات الشعبية والمعتقدات الشائعة، والتى لا يتراجع تأثيرها مع مرور الزمن وتطور وعى المجتمع، بل على العكس، تظل صامدة حاضرة ومؤثرة. كما التزم الموضوعية، وتجنب منهج الأحكام القاسية الباترة، لأنه يدرك مدى تعقيد التجربة الإنسانية للفئات الأكثر تهميشا مثل أصحاب الأشغال الهامشية وصغار المجرمين.

من أبرز دراساته ومؤلفاته: «من ملامح المجتمع المصرى المعاصر – ظاهرة إرسال الرسائل إلى ضريح الإمام الشافعى»، والتى جاءت لتبحر فى رسائل المستنجدين بالإمام الشافعى، الذى قضى أخر أعوام حياته بين أهل مصر، توددا وطلبا للعدل وجميل الحكم والشفاعة لتيسير الأمور. وكانت هذه الدراسة الرائدة وراء نيله جائزة الدولة التشجيعية منتصف الستينيات.

بعدها قضى عويس ثلاثة أعوام بين عامى 1967 و 1970، مطاردا وفاحصا لمئات العبارات التى زينت المئات من هياكل العربات العامة والخاصة للمصريين. وأجرى تحليلا دقيقا لها كمؤشرات على الواقع الثقافى والعقائدى لأهل مصر فى تلك الفترة المتأخرة من القرن العشرين. ومازالت تلك الدراسة تحديدا والتى حملت عنوان بالغ الرقة وعظيم التعبير: «هتاف الصامتين» من أهم ما يتم استعادته للاسترشاد والمقارنة بالنسبة لأصحاب الدراسات، التى تتبع الأشكال المبتكرة التى طورها المصريون للتعبير عن ارائهم ومشاعرهم عبر وسائط غير مباشرة.

وبخلاف هذين العملين الرائدين، ترك عويس عددا كبيرا من الدراسات والأعمال الرائدة مثل دراسته حول تحليل الأساليب السلوكية للمصريين فى مواجهة القهر والمحنة، وذلك نهاية الثمانينيات. ولعل من أهم ما ترك عويس، كانت مذكراته الشخصية، والتى تعد من أهم إبداعات السير الذاتية فى مصر والعالم العربى، والتى صدرت بعنوان «التاريخ الذى أحمله على ظهرى»، فقد كان تاريخا طويلا وكان عويس يتفاعل مع جانبه الشخصى والعام منع بكل جوارحه وبكامل طاقة عقله، ليترك إرثا لا يقارن فى مجال علم الاجتماع.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق