التوكل على الله تعالى معناه الاعتماد عليه، وتفويض الأمر إليه، فى كل حال، مصاحبا الأخذ بالأسباب، واستثمار سنن الله تعالى الكونية، ونحن مأمورون بتحقيق هذا المعنى، قال تعالي: «وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا»، أي: كفى بالله حافظا ودافعا، وقال رسوله، صلى الله عليه وسلم «اعقلها وتوكل»، و(الواو) هنا: (واو) المعية والمصاحبة.
ولا تتم حقيقة التوحيد - كما يقول الإمام ابن القيم - إلا بمباشرة الأسباب التى أقامها الله تعالى، فتركها وتعطيلها ينافى التوكل الذى حقيقته اعتماد القلب على الله فى حصول ما ينفع العبد فى دينه ودنياه، ودفع ما يضره فى دينه ودنياه.
فالمسألة إذن مكونة من شقين: الأخذ بالأسباب، والتوفيق المستفاد من عطاء الألوهية، وبهذا يتضح أن «التوكل على الله» عمل إيجابى يحرك الأفئدة نحو الاعتماد على الله، ويحرك الجوارح نحو الأخذ بالأسباب وتتبع السنن، ويمنح للنفس الطمأنينة فى أن «ما أصابها لم يكن ليخطئها، وما أخطأها لم يكن ليصيبها».. إذا أسقطنا هذا المفهوم على مواجهة الأوبئة الحالية والمستقبلية فإننا يجب أن نعتمد النظافة سلوكا راقيا فى حياتنا، فالنظافة من الإيمان، والإنسان السوى هو الذى يسعد بجمال البيئة، ويدرك أن سلامتها ضرورة حتمية لسلامته، وصحته.
وقد أرشدنا ديننا إلى لزوم الطهارة والنظافة فى جميع الأحوال والأمكنة والأزمنة، ليتمكن المسلم من بناء ذاته معنويا، ويتقوى على فعل الخير، وتحقيق النافع له ولأمته.
بالتالى لا بد من تضافر الجهود الفردية والجماعية لتحقيق هذا المعنى المقصود أصالة من الشرع الحكيم، وأن نسارع فى أخذ اللقاحات والأمصال، والتدابير الوقائية لتطويق المرض وحصره فى أضيق نطاق ممكن، خاصة وقد وضع لنا رسولنا الكريم مبدأ الاحتراز والحجر الصحى، فى قوله عليه السلام: «إذا سَمِعْتُمْ بالطَّاعُونِ بأَرْضٍ فلا تَدْخُلُوها، وإذا وقَعَ بأَرْضٍ وأَنْتُمْ بها فلا تَخْرُجُوا مِنْها»، وهذا تدبير لا ينافى الإيمان بالقضاء والقدر؛ لقول عمر بن الخطاب، فى الرد على أبى عبيدة بن الجراح، القائل: أفرارا من قدر الله؟: «نعم.. نفر من قدر الله إلى قدر الله».. فإذا تمكن المرض من الإنسان فلا بد من الأخذ بالأسباب عن طريق التداوى، وطلب الشفاء، فلكل داء دواء، وما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، كما أشارت التوجيهات النبوية.. أما التقاعس عن التداوى فجريمة يرتكبها الإنسان فى حق نفسه إن كان كامل الأهلية، وفى حق غيره إن كان هذا الغير ناقص الأهلية؛ لأنه يجب على من يلى أمره القيام بشئونه.. هكذا تبدو حقيقة التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب، وهو ما يدعو إليه الإسلام، ويطالب المجتمع بأن يعتنقه فكرًا، ويطبقه سلوكًا.
رابط دائم: