-
السؤال الذى وحـد الجـميع: هتنزل يــوم 30؟!
-
نقل مقر رئاسة الجمهورية إلى قصر القبة.. وتعلية أسوار مجلس الوزراء
-
وجدى غنيم: من يشارك كافر.. وطارق الزمر: «سيسحقون».. والعريان: «واهمون».. والسوشيال ميديا: «بيقولك حيبقى فيه بحور دم».. جهّز يا ابنى المايوه!
مالك خايفة ليه..ليه الحزن ليه
ضحكة عيونك جايه جايه
مش بعيد رجلك ع الطريق..
بحرك مش غريق و دول ولادك.. وانت عارفاهم أكيد
كلمات هبطت بردا وسلاما على قلوب المصريين التى التهمها القلق وتمكن منها تماما على مدى عام كامل، قبل أن تنجلى لحظات الظلام رويدا رويدا مع فجر يوم 30 يونيو.. ربما كانت تلك الكلمات التى جاءت بصوت «الكينج» محمد منير، بمنزلة الشرارة التى هيأت النفوس لما هو آت بعد شهرين. أيام وشهور ثقيلة مرت، تزيد من درجة حرارة الإناء حتى وصل ماؤه إلى مرحلة الغليان، لتقول كل المؤشرات أن موعد الخلاص قد حان، خاصة مع إطلاق البيان الشهير فى مايو 2013 «وجب علينا التمرد بعد ما وصلت إليه البلاد من تدهور ملحوظ فى الحالة الاقتصادية وسوء الأحوال السياسية».....الخ. وتلقفت الأيادى استمارات حركة تمرد التى يقر الموقًع عليها برغبته فى سحب الثقة من الرئيس محمد مرسى، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. لم يمر على الدعوة وقت طويل حتى بدأ الناس بمختلف فئاتهم وبشكل تطوعى؛ بتصوير الاستمارة ضوئيا وتوزيعها على المعارف والأصدقاء والجيران، وسرعان ما حظيت الحركة بدعم الأحزاب التى فتحت أبواب مقارها لمصلحة الحملة، فكان آخر رقم يتم إعلانه للتوقيعات 22 مليون توقيع.
طلاق.. مش هاطلق!
ما بين انقطاع متكرر للكهرباء وتكدس الشوارع بسبب طوابير الانتظار أمام محطات الوقود، وعمليات إرهابية حصدت أرواحا زكية لخير أجناد الأرض، انتهاء بخطاب «رئاسى» محرض على الحرب الأهلية باسم الحفاظ على الشرعية، كان الكيل قد طفح، وكدأب «السوشيال ميديا» فى كل مجريات الأحداث، تفاعلت بالكوميكس الساخرة، واصفة إياه بخطاب «سمك لبن تمر هندى»، مفاده وخلاصته: «طلاق مش هاطلق»، وجزم آخرون بأنه خطاب الوداع و«حلاوة روح»، لكن تبلغ «الكوميديا السوداء» ذروتها عندما نعلم أن البعض لم يتمكن من متابعة الخطاب أصلا بسب انقطاع الكهرباء!
«البروفة» الحقيقية ليوم الفصل؛ تمثلت فى اعتصام المثقفين أمام وزارة الثقافة فى مطلع شهر يونيو، وقد جاء احتجاجا على قيام وزير الثقافة حينها بإقالة رئيسة دار الأوبرا إيناس عبدالدايم، ومن قبلها أحمد مجاهد رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، بينما كانت حركة المحافظين التى أجريت خلال الشهر ذاته، محل استهجان كبير خاصة محافظ الأقصر الذى صدرت بيانات دولية احتجاجا على اختياره بصفته واحدًا من مؤسسى الجماعة الإسلامية، التى ارتكبت مذبحة الأقصر!
«يا ترى هننجح»؟!
رغم حالة الاحتقان المتزايدة فى الشارع، كانت هناك مخاوف من عدم استجابة الجماهير بالنزول فى اللحظة الفاصلة، خاصة أن القلق من حدوث مواجهات دامية كان مسيطرا على الكثيرين، وهى النغمة التى كانت تعزفها الصحافة فى ذلك الوقت، إذ اعتقد كثير من الكتاب أن الدعوة للنزول ما هى إلا مخطط لإشعال أعمال العنف والفوضى, وبالتالى تنفيذ السيناريو اللبنانى أو الجزائرى أو السورى, وإدخال مصر فى نفق مظلم لن تخرج منه إلا بالتقسيم أو الاحتلال! أما البعض فقد اعتقد جازما أنه إذا تم تغيير الرئيس قبل استكمال مدته الدستورية, فإن مصر لن ترى رئيسا يستكمل مدته. ولا نغفل هنا دور بعض المؤسسات الصحفية «القومية» التى كان يديرها من يوالون الإخوان، فنجد مؤسسة الأخبار وتحديدا إصدارها المسائى « المسائية آنذاك» تنظم ندوتين الأولى بعنوان «30 يونيو.. خروج من المأزق أم مأزق جديد؟»، والثانية «30 يونيو.. يوم مجيد فى تاريخ مصر أم أحد أسود؟». ويظهر جليا من عنوانى الندوتين ميلهما للتخويف والتحذير.
شبح 28 يناير يخيم على الأجواء
فى الأيام التى سبقت اليوم الموعود؛ لم يكن هناك حديث يسيطر على الشارع والمقاهى ووسائل المواصلات والمصالح الحكومية سوى حول ما الذى سيحدث يوم 30 يونيو، فالمشهد ضبابى، وأحداث 28 يناير 2011 مسيطرة على الوعى الجمعى، وهو الشعور الذى عززته بيانات الجهات المختلفة، فالداخلية تعلن وضع شارات حديثة على زى رجال الشرطة فى أثناء مشاركتهم فى تأمين المظاهرات، لمنع انتهاز العناصر التى تحاول إحداث الوقيعة بين الشرطة والشعب، متعهدة بعدم عودة الانفلات الأمنى وحماية المتظاهرين السلميين. بينما أكدت الشركة المصرية للاتصالات أنها مستعدة بخطة طوارئ لضمان تقديم خدمة الانترنت بكفاءة خلال تظاهرات 30 يونيو وما بعدها دون انقطاع، فى إشارة لما حدث خلال أحداث ثورة 25 يناير، أما رئاسة الجمهورية، فقد نقلت قبل ثلاثة أيام من 30 يونيو كل أنشطتها وأعمالها من قصر الاتحادية بمصر الجديدة إلى قصر القبة، تحسبا لأى أعمال شغب خاصة أن حركة تمرد حددت القصر كمكان لمظاهراتها، مما دفع الحرس الجمهورى إلى بناء أكثر من جدار خرسانى بمحيط القصر لمنع أى محاولة لاقتحامه. فى الوقت الذى بدأت أعمال تعلية أسوار محيط مجلس الوزراء، وأصدرت وزارة المالية تعليمات أرسلتها لجميع الجهات التابعة للحكومة بصرف رواتب شهر يونيو مبكرا فى يوم 19.
حالة الطوارئ التى عمت البلاد انتقلت إلى البيوت، حيث قامت ربات المنازل بتخزين المواد التموينية بكميات كبيرة، بالإضافة إلى الأدوية وكروت الشحن، تحسبا لأى تبعات ليوم 30 وما قد يترتب عليها من فرض لحظر التجوال، خاصة أنه لم يكن قد تبقى على شهر رمضان سوى عشرة أيام بالتمام والكمال.
ووصلت مستويات القلق لدرجة أن شعبة شركات الأمن والحراسات الخاصة بالغرفة التجارية أعلنت أن الطلب تزايد على الأفراد بالمناطق المقرر تنظيم المظاهرات بها، لتأمين المنشآت التجارية والبنوك والشركات، كما زاد الطلب على تركيب الأبواب والنوافذ الحديدية للعمارات السكنية وانتعش «الصنايعية» الذين استغلوا الموقف كفرصة ذهبية. فى نفس السياق قرر عدد كبير من تجار ومصنعى الذهب إغلاق ورشهم ومصانعهم من الخميس 27 يونيو.
هنشارك..
مع العد التنازلى لليوم المشهود، كانت النقابات المختلفة تعلن تباعا مشاركة أعضائها فى المظاهرات، وجاء اتحاد العمال ليعلن قبل المظاهرات بعشرة أيام مشاركة عمال مصر، انضم إليهم موظفو الوزارات والهيئات المختلفة، على رأسهم وزارة الكهرباء، خاصة بعد الإساءة التى وجهها لهم «مرسى» فى خطابه الأخير.
غباء سياسى مشوب بالغرور..كلمات تلخص طريقة حكم الجماعة، التى لم تترك فئة من الشعب إلا واستعدتها، إذ تصادم نظامها مع الجيش والشرطة والإعلام والثقافة والمؤسسات الدينية مسيحية وإسلامية، حتى القضاء،إذ شهدت أعلى هيئة قضائية ممثلة فى المحكمة الدستورية يوما وصفته بأنه «حالك السواد فى سجل القضاء المصرى» عندما حوصر قضاتها فى أحد أيام ديسمبر 2012 بعد أن طوق حشد من البشر المحكمة من كل جانب، يتسلقون أسوارها، مرددين الهتافات والشعارات التى تندد بالقضاة، وتحرض الشعب ضدهم، وذلك فى يوم نظرهم دعوى عدم دستورية قانونى مجلس الشورى، ومعايير انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية لإعداد الدستور. وإذا كان نظام الحكم قد عادى الجميع، إلا أنه يمكن القول بأن الفنانين كانوا فى كفة، وباقى الشعب فى كفة أخرى، لذلك كانوا من أوائل المعلنين عن مشاركتهم فى 30 يونيو، وقرارهم بالتوقف عن تصوير أعمالهم الدرامية لرمضان لهذا الغرض، على رأسهم الفنانة الهام شاهين التى كانت تصور «نظرية الجوافة» بينما أعلن عادل إمام أنه سيوقف تصوير مسلسله «العراف»، وكذلك أسرة مسلسل «الداعية» التى حاولت الانتهاء من التصوير مبكرا.
تكفير وتخوين
قبل 30 يونيو بأسابيع؛ كانت الأجواء قد أصبحت مهيئة تماما لساعة الصفر. وهو ما كان واضحا تماما للجماعة ومؤيديها، فلم يجدوا أمامهم سوى اللعب على عنصر التخويف والإرهاب لكل من «تسول له نفسه النزول يوم 30»، فأعلن وجدى غنيم أن الخروج على مرسى فى 30 يونيو حرام شرعا، ومن يشارك كافر، بينما توعد طارق الزمر خلال كلمته بمليونيو لا للعنف التى دعت إليها التيارات الإسلامية بميدان رابعة العدوية قبل 30 يونيو بيومين أن من سينزلون فى هذا اليوم «سيسحقون»، وأن من يقفون ضد الشرعية «بلطجية». بينما قال عصام العريان بثقة: «واهم» من يأمل فى حدوث شيء يوم 30 يونيو. وهدد أحدهم بأن من يرش الرئيس بالمية نرشه بالدم، لترد دولة السوشيال ميديا ساخرة:«بيقولك حيبقى فيه بحور دم فى 30-6، جهّز يا ابنى المايوه!
وربما يتذكر البعض الحملة «الوهمية» المضادة باسم «تجرد» والتى كانت دوما تعلن أرقام توقيعات تفوق توقيعات تمرد، وقال صاحبها عصام عبدالماجد بأن الحملة ستخرج إلى الميادين وسيكون نزولا بلا عودة ولن تجد حركة تمرد أماكن للنزول! .
نغمة التخويف، صاحبها أحيانا «تلطيف» للأجواء لكن فى بعد فوات الأوان، فعلى سبيل المثال؛ قررت رئاسة الجمهورية مجاملة الوزارات بتخصيص تأشيرات حج بشكل مبالغ فيه، وصل لـ 40 تأشيرة للوزارة الواحدة،فى حين إن التأشيرات فى الوضع العادى لم تكن تتجاوز 15 تأشيرة إن لم تكن أقل، بينما أعلنت وزارة التأمينات والشئون الاجتماعية منح أصحاب المعاشات العلاوة الدورية بنسبة ٪10 بحد أدنى 50 جنيها وبدون حد أقصى! على أن تصرف بدءا من شهر يوليو.. لكن هيهات!
الساعات الأخيرة
حشد أصحاب «الشرعية خط أحمر» لـ «مليونتيهم» عقب صلاة الجمعة 28 يونيو، وفى المقابل بدأت أعداد الخيام تتزايد بميدان التحرير واستمر إغلاق المداخل المؤدية إليه تمهيدا للمظاهرات المرتقبة وعمد المعتصمون لوضع حواجز معدنية على مداخله وانتشرت اللجان الشعبية على مداخل الميدان لتأمين المعتصمين والإطلاع على هويات القادمين، ورفع المعتصمون الكروت الحمراء فى إشارة إلى أن 30 يونيو سيكون نهاية حكم الإخوان المسلمين.
كانت القوات المسلحة منذ ليلة الخميس 27 يونيو قد بدأت تنفيذ خطة انتشارها فى محافظات الجمهورية لتأمين وحماية المنشآت والأهداف الحيوية، وبدأ الشعب يشعر بالاطمئنان، أما عشية 30 يونيو فأعلن البابا تواضروس أنه فى الدير يصلى «من أجل مصر وأولادنا فى الشارع للخروج من هذه الأزمة»..
وظل السؤال: يا ترى هننجح؟
استمر هذا التخوف قائما يساور كل من عزم على النزول صباح 30 يونيو، ولم يمض وقت طويل حتى عرف المصريون الإجابة، فمع الساعات الأولى من صباح الأحد، كان الرد يعلن عن نفسه بكل وضوح.. وجاء من كل شوارع مصر وميادينها وحواريها وشرفات منازلها، حتى «الكنبة» ذاتها شاركت، لا مجرد «حزبها»، إذ أخرج البعض «كنباتهم» من الشقق إلى الشارع وجلسوا عليها، لتعلن دولة السوشيال ميديا أن «حزب الكنبة نزل بعفش البيت»! وصدقت بشرى منير: ضحكة عيونك جايه جايه مش بعيد!
رابط دائم: