عندما يتجول المرء بشوارع مدينة القصير، بمحافظة البحر الأحمر، يشتم رائحة عبق التاريخ. فكثيرون يجهلون أن هذه المدينة كانت ذات يوم واحدة من إحدى ٦ محافظات تطل على ساحل البحر الأحمر، بداية من السويس حتى «رأس حافون» فى الصومال فى عهد محمد على باشا. فى ذاك العهد، اتخذ محمد على باشا أحد القصور التى أقامها العثمانيون على شاطئ القصير. وأمام واجهة هذا القصر، يجد المرء «سقالة» الحكومة الأثرية، وكلاهما يعانيان الإهمال الشديد.
يقول منتصر دردير، أحد أبناء مدينة القصير، إن كلا من مبنى دواوين و«سقالة الحكومة» يمثلان شهادة على الأهمية التاريخية للقصير. فالقصر الكبير الذى شيده العثمانيون قديما على شاطئ البحر، والذى احتضن فى ثلاثينيات القرن الماضى عدة مصالح حكومية كان آخرها قسم شرطة القصير الذى أخلى تقريبا عام 2009. وتسلمته هيئة الآثار وتم تسجيله أثرا إسلاميا عام 2010. يومها تطلع أبناء المدينة إلى ضرورة تحويله، ومعه مجموعة أخرى من الآثار الموجودة وسط المدينة إلى مزارات سياحية. ويضيف دردير أن التوقعات دارت حول قيام الهيئة المصرية للآثار بترميم وتحديث مبنى «القصر» ليفتتح أمام السائحين، لكن ذلك لم يحدث، ليصبح المبنى فى حالة يرثى لها. فبابه موصد بقفل صغير، والشبابيك محطمة، والحوائط مشوهة.
ويكمل محمد عبده حمدان، عضو مجلس محلى المحافظة سابقا عن مدينة القصير، مشيرا إلى أهمية الميناء الذى يطل عليه «القصر العثماني». ويطلق على هذا الميناء لقب «سقالة الحكومة»، ولايزال شامخا فى موقعه يشهد بتاريخه البحرى الطويل، فقد استقبل الموكب البحرى للملك فؤاد وقت قام بافتتاح «منجم البيضا» الشهير لاستخراج الفوسفات بالصحراء الشرقية عام 1926، واستقبل أيضا رحلات عدة للملك فاروق، وبعد ثورة 23 يوليو، احتضن الباخرة «المحروسة» حينما وفدت وعلى متنها مجلس قيادة الثورة برئاسة جمال عبدالناصر، حينما قدم للقصير فى زيارة للمدينة، وألقى خطبته في «القصر العثماني». ويستخدمه اليوم الصيادون وبعض مراكب الغوص وهو تابع للهيئة العامة لموانى البحر الأحمر. ولكن باتت الأحوال الحاضرة للسقالة بالغة السوء تمثل خطورة على مستخدميها، ومطلوب من الهيئة العامة لموانى البحر الأحمر العمل على ترميمها وتطويرها بما يتناسب مع مدينة القصير ذات التاريخ الأثرى التى أصبحت واحدة من المدن السياحية بالمحافظة .
يؤكد اللواء عمرو حنفى محافظ البحر الأحمر أن المحافظة بالتنسيق مع وزارة السياحة والآثار وضعت خطة لتنويع منتجاتها السياحية من خلال المقومات الموجودة خاصة المواقع الأثرية بمدينة القصير لجذب نوعية السياحة الثقافية وبدأ التنفيذ الفعلى لهذه الخطة بإنشاء وافتتاح أول متحف أثرى بالغردقة يمثل نقلة نوعية فى جذب هذه الفئة من الزوار محبى مشاهدة الآثار. كما قررت وزارة الآثار تنفيذ مشروع متكامل لتطوير المواقع الأثرية ومنها مبنى المحافظة الأثرى بمدينة القصير. وبالفعل تم إسناد المشروع لمكتب استشارى متخصص يقوم حاليا بعمل الأبحاث والدراسات الخاصة بهذا المبنى. ويوضح أن الخطة تشمل مواقع مثل القصر العثمانى، وشونة الغلال، وآثار طريق القصير، أما بخصوص ميناء القصير أو «سقالة الحكومة»، فهناك اتجاه من المحافظة وهيئة موانى البحر الأحمر لاستغلال هذه المواقع فى إقامة مارينا كبرى لليخوت عن طريق القطاع الخاص.
رابط دائم: