رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

خريطة طريق للتعامل مع الجائحة خلال الخريف والشتاء..
بريطانيا تعيش «موجة ثالثة» من كوفيد ـ 19

رسالة لندن منال لطفى
جونسون يتلقى جرعة من لقاح كورونا

لم يمهل الوقت بريطانيا لتحتفل طويلا بالنجاح الكبير لبرنامج التطعيم الوطني ضد »كوفيد ـ 19«، ولابتراجع معدلات العدوى والوفيات، إذ إنه بعد أسابيع قليلة فقط من إعادة فتح عدد من الأنشطة الاقتصادية والسماح ببعض الحريات الاجتماعية، سقطت بريطانيا ضحية »موجة ثالثة« من العدوى بالفيروس المتحور الهندي أو »متغير دلتا« بحسب اسمه العلمي مما أجبر رئيس الوزراء بوريس جونسون على تأجيل المرحلة الثالثة لفتح الاقتصاد من 21 يونيو الحالى إلى 19يوليو المقبل وسط حالة من السخط بين العشرات من نواب حزب المحافظين الحاكم وقطاعات اقتصادية عديدة ستدفع ثمنا مكلفا، بسبب تأجيل فتح الاقتصاد نحو شهر آخر. وخوفا من فقدان السيطرة على العدوى، تجد الحكومة البريطانية نفسها حاليا في سباق مع الزمن بين تسريع برنامج التطعيم الوطني، ومواجهة الموجة الثالثة لمتغير دلتا.

 

ووفقا لآخر الاحصاءات، فإن نحو 80% من مدن إنجلترا تعيش الآن »الموجة الثالثة« من كوفيد ـ 19 مع ارتفاع حالات الإصابة في مناطق، على رأسها ليفربول وشمال تينيسايد ومقاطعة دورهام وكورنوال وهيندبيرن. وهى مناطق شهدت ارتفاع العدوى بنحو 30% خلال أسبوع. وحذرالمستشار العلمي للحكومة البريطانية،البروفيسور آدم فين، من أن الموجة الثالثة «موجودة بالفعل» في بريطانيا برغم تسارع برنامج التطعيم. ووفقا لتحليل هيئة الصحة العامة في إنجلترا، فإن المتغير الهندى أو متغير دلتا أكثر قابلية للانتشار بنسبة 50%، وهو بات حاليا الفيروس السائد في بريطانيا وأوروبا، ما يثير مخاوف متزايدة بسبب قابليته للانتشار أسرع من غيره من الفيروسات المتحورة من كوفيد ــ 19. وخلال الأسابيع القليلة الماضية تضاعفت حالات دخول المستشفيات بسبب متغير دلتا، لكن لان الكثير من المصابين اخذوا الجرعة الاولى من الأمصال، فإن نسبة الوفيات محدودة. ويقول الخبراء إن الزيادة المفاجئة في نسب العدوى سببها الفئات العمرية الأصغر الذين لم يتم تطعيمهم بعد، والذين أصبحوا أكثر قدرة على الحركة مع فتح كثير من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي نقل الفيروس.

ولمواجهة انتشار العدوى، فتحت إنجلترا برنامج التطعيم لمن تبلغ أعمارهم 18 عاما يوم الجمعة الماضي للحد من قدرتهم على نقل الفيروس.

شتاء الموجة الرابعة

وللحد من الانتقادات لقرار جونسون تأجيل فتح ما تبقى من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، أكد عدد من خبراء ومستشاري الحكومة أن قرار تأجيل بدء المرحلة الرابعة من تخفيف القيود »ضروري« لمنع إهدار كل المكاسب التي جنتها بريطانيا بسبب برنامج التطعيم الوطني، مشيرين إلى أن التأجيل »فقط لعدة أسابيع« لتطويق انتشار العدوى وخروجها عن السيطرة. لكن ما يقلق العلماء ليس فقط »متغير دلتا«، لكن فيروسات متحورة أو متغيرات جديدة قد تظهر خلال أشهر الخريف والشتاء مع بدء عودة الحياة لطبيعتها. ويحذر البروفيسور كالوم سيمبل عضو المجموعة الاستشارية العلمية لحالات الطوارئ التي تقدم المشورة للحكومة من أن فرض المزيد من القيود الاقتصادية والاجتماعية قد لا يكون هناك منه مفر بسبب ترجيح ظهور فيروسات متحورة جديدة. وقال البروفيسور سمبل في شهادة أمام المجموعة العلمية لحالات الطوارئ: »أظن أنه سيكون لدينا شتاء صعب للغاية لأن فيروسات الجهاز التنفسي الأخرى ستعود مع شهور الخريف والشتاء.لكن بعد ذلك، أعتقد أننا سنرى الأمور تعود كالمعتاد العام المقبل«. وحتى تعود الأمور للمعتاد وتتم السيطرة على الفيروس، حذر سمبل من أن بريطانيا قد تواجه ما اسماه »شتاء الموجة الرابعة«، بسبب احتمالات الارتفاع في حالات الإصابة بكوفيد ـ 19، إضافة إلى الأمراض الصدرية المعتادة خلال الشتاء ما قد يضع ضغوطا على جهاز الصحة البريطاني. ومع ذلك فإن »شتاء الموجة الرابعة«، ـ كما يقول عدد متزايد من العلماء في بريطانيا، لن يكون بنفس حدة الشتاء الماضي مع توسع برنامج التطعيم، والحد من معدلات الوفيات. لكن توقع شتاء صعب يؤكد ما يدعو إليه البروفيسور سمبل وغيره من مستشاري الحكومة من أن الفيروسات المتحورة من كوفيد -19 تضع العالم أمام سيناريو »تعلم التعايش مع الجائحة« بمقاربات مختلفة، أي اعتبار كوفيد- 19 »وباء موسمياً« يمكن مواجهته بالأمصال وبروتوكول علاجي وممارسات اجتماعية أكثر تشددا.

جونسون يواجه حزبه

وبرغم تزايد العدوى وتزايد حالات دخول المستشفيات في بريطانيا خلال الأسابيع الماضية، يواجه جونسون تمردا متزايدا من نواب حزبه الرافضين لتمديد القيود بسبب آثارها الاقتصادية وقمعها للحريات الفردية. ومع أن غالبية النواب في البرلمان صوتوا لمصلحة تمديد القيود حتى 19 يوليو، إلا أن رئيس الوزراء البريطاني واجه تمردا محرجا من بعض أعضاء البرلمان من حزب المحافظين الحاكم الذين رفضوا التصويت للقرار الذي مر بأغلبية 461 صوتا مقابل رفض 60 بينهم 51 نائبا عن حزب المحافظين.

ودافع جونسون أمام البرلمان عن قرار تأجيل تخفيف قيود المرحلة الرابعة، قائلا إن التأخير لمدة أربعة أسابيع سيسمح لمزيد من الأشخاص بتلقي جرعتين من مصل كورونا. بينما حذر وزير الصحة مات هانكوك من أن متغير دلتا »أعطى الفيروس دفعة إضافية«، وأنه »ينتشر بسهولة أكبر«، وأن التأخير لمدة أربعة أسابيع ضروري لتطعيم أكبر نسبة ممكنة من السكان.

خريطة طريق للتعايش مع كورونا

وأدى هاجس استمرار معدلات العدوى العالية خلال أشهر الخريف والشتاء إلى وضع الحكومة »خريطة طريق« للتعايش مع الجائحة خلال تلك الأشهر دون المخاطرة بزيادة نسبة العدوى.

وكشفت وثيقة حكومية مسربة عن مجموعة من الإجراءات المقترحة التي تنظر فيها الحكومة لمساعدة البريطانيين على »التعايش مع كوفيد« بعد انتقال إنجلترا إلى »المرحلة الرابعة« من خريطة فتح الاقتصاد والأنشطة الاجتماعية. ومن ضمن المقترحات الحكومية الخاضعة للنقاش أنه خلال أشهر الخريف والشتاء سيُطلب من الموظفين العمل من منازلهم وذلك لتجنب الارتفاع الشتوي في الإصابات بفيروس كورونا.ومع ذلك لا تعتزم الحكومة إخبار الناس بطريقة مباشرة بالعمل من المنزل، بل اقتراح »مقترب وسطي« يجمع بين العمل من المنزل والعمل في المكتب بحسب طبيعة العمل. وناقش موظفو الخدمة المدنية »نهجا مختلطًا« حيث لا تفرض الحكومة »قيودا قانونية ملزمة« على من يمكنه الذهاب إلى العمل في المكتب ومن يعمل من المنزل. لكن بالمقابل ستطلب الحكومة من أصحاب الأعمال مساعدتها في الحد من انتشار الفيروس بالطلب من العاملين العمل من المنازل طالما كان ذلك ممكنا.

ويعد نصح الموظفين بالبقاء في المنزل موضوعا مثيرا للجدل بشدة بالفعل، حيث يعارض عدد من الوزراء بشدة هذا الاقتراح ويجادلون بضرورة تشجيع الناس على العودة إلى العمل كالمعتاد، على أساس أن »الدورة الاقتصادية« لا تكتمل دون عودة الناس للمكاتب وان هناك قطاعات اقتصادية عديدة لا يمكن ان تنجو من الخسائر لو ظل الناس يعملون في منازلهم مثل قطاع المواصلات، والمقاهي، والمطاعم. ومن المرجح أن تكون هذه القضية هي »الخلاف الرئيسي« المقبل بين جونسون وعدد من الوزراء ونواب حزب المحافظين في الأسابيع المقبلة. لكن معركة جونسون لن تكون مع حزبه فقط، بل مع قطاع الشركات والأعمال، فالكثير منها لا يريد أن تتدخل الحكومة وتصدر »أمراً قانونياً ملزماً« بالعمل من المنزل. ووفقًا لنتائج استطلاعات الرأى الأخيرة، فإن 85% من الموظفين يدعمون »نهجا هجينا« لما بعد الجائحة يتمثل في تقسيم وقتهم بين المنزل والمكتب. لكن شركتين من بين كل خمس شركات تتوقع أن يكون أكثر من 75% الموظفين في مكاتبهم بعد المرحلة الرابعة من فتح الاقتصاد.

وتشير الفجوة في استطلاعات الرأى بين آراء مسئولى الشركات من الموظفين إلى احتمالات نشوب خلافات بشأن ترتيبات العمل، وهو نزاع يمكن أن يتفاقم بسبب التوجيه الحكومي بتفضيل العمل من المنزل خلال الخريف والشتاء للحد من العدوى.

وعلى الرغم من أن الشركات تستثمر بالفعل في تحسين مستويات الأمان والتقليل من العدوى في أماكن العمل، فإن مناقشات الحكومة تقترح تعديلات على »بروتوكول الأمان« في أماكن العمل تتضمن قواعد جديدة للشركات بما في ذلك إمكانية وقف استخدام أجهزة تكييف الهواء في المكاتب، لأنها تنقل الفيروس بسرعة أكبر، وإلغاء استخدام الشاشات الزجاجية أو البلاستيكية بين المكاتب للفصل بين العاملون لأنه بينما المقصود منها هو وضع »حواجز« لمنع العدوى، إلا أنها تزيد في الواقع من خطر انتقال العدوى. كما تتضمن الخطط توفير غطاء مالي للمصابين بالفيروس كي يقوموا بعزل أنفسهم بدلا من استمرار الوجود في المواصلات العامة أو اماكن العمل ونقل العدوى.

وستكون قضية «العزل الذاتي» هي الأكثر إلحاحا خلال الأسابيع المقبلة، نظرا لأن الموجة الثانية حدثت بسبب رفض كثيرين عزل أنفسهم، بسبب عدم وجود غطاء مالي في كل القطاعات للمصابين للبقاء في منازلهم. آنذاك اعتبر كثيرون ان قصور توفير الغطاء المالي للمصابين واضطرارهم للذهاب للعمل بمثابة «خطوة للأمام...خطوة للخلف».

وما يقلق البعض اليوم أنه برغم نجاح برنامج التطعيم الوطني فإن هناك عيوبا ثانوية في مجمل الاستراتيجية ما زالت تهدد بتكرار سيناريو »خطوة للأمام...خطوة للخلف«، خاصة مع متغير دلتا، الذي قلب الجدول الزمني للحكومة رأسا على عقب.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق