-
متفائل بالرئيس بايدن فى معالجته ملف سد النهضة.. والتنسيق الدولى لحل القضية «ضرورى»
-
القاهرة تحظى باحترام كبير لدى المنابر العالمية
-
الوضع السياسى التونسى معقد .. والمسار الليبى أكثر إيجابية ..والأزمة السورية «مجمدة»
منذ سنوات، والمنطقة العربية والشرق الأوسط تمر بأحداث جسام، عملت على شق الصف الوطنى فى عدد من الدول فيما تفتت أخرى، وأضحت جسدًا بلا روح، لكنه برغم تلك الأحداث المتسارعة فإن ثمة بريقا ينشأ فى الوسط، يتمثل فى أمل «العودة» وتصحيح المسار، فسوريا الجريحة لا تزال، على الرغم من محاولات العودة، تسابق الزمن فقط من أجل فك طلاسم الصراع، بينما اليمن يقبع تحت وطأة اللا جديد منذ بدأ الصراع داخلها، فيما يظل الانقسام العراقى عنوانًا لبلاد الرافدين، وأضحى الأمل معقودًا على ليبيا بعد دور بارز لمصر للم الشمل، فيما تظل القضية الأبرز عربيًا وعالميًا وتاريخيًا قائمة لم تتغير ملامحها بمرور الزمن ولم تختلف مساراتها، إنها قضية فلسطين القضية «الأم» للعرب والأبرز إنسانيًا لدول العالم أجمع.. هذه الملفات وغيرها الكثير وضعناها على مائدة المفكر الكبير والمحلل السياسى الدكتور بول سالم، رئيس معهد أبحاث الشرق الأوسط بواشنطن، وإلى تفاصيل الحوار:
نبدأ من حيث انتهت الأحداث لاسيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والدور المصرى الأخير ودور الإدارة الأمريكية ؟
فى الحقيقة، تابعنا الصراع بين غزة وإسرائيل والدور المصرى الكبير فى هذا الشأن، والتقدير الأمريكى لهذا الدور والشكر الكبير الذى أطلقه الرئيس الأمريكى جو بايدن للدور المصرى، ومن الأمور المهمة جدًا أن إدارة بايدن التى دخلت البيت الأبيض وكانت تحمل شيئا من السلبية تجاه مصر، تغيرت نظرتها كليًا وأدركت الدور الكبير الذى من الممكن أن تقوم به مصر فى إدارة الصراع فى المنطقة، ولا ننسى الأزمة التى حدثت بقناة السويس خلال بداية عهد إدارة بايدن، فقد أعادت للذاكرة الأمريكية الأهمية العالمية لقناة السويس، وأهمية مصر ودورها فى استقرار الاقتصاد العالمى، وأن مصر ليست دولة عادية بل دولة مركزية مهمة.
كيف ترى مستقبل الشرق الأوسط فى ظل «كورونا» ؟
كورونا أثرت بشكل كبير على مجتمعات ودول واقتصادات مختلفة، وفيما نرى دولا لم يكن لديها مشاكل اقتصادية كبيرة مثل الإمارات، وأعتقد أن كورونا كان له تأثير كبير فى البلدان التى لديها تحديات قائمة، وهو ما ينطبق على الدول الكبيرة فى عدد سكانها، القليلة فى مواردها الاقتصادية، وليس دولا كالإمارات وقطر أو السعودية أو الكويت، لكن الجائحة بشكل عام أثرت على الوضع الاقتصادى والاجتماعى لكثير من الدول وهى لم تنته بعد.
ما تقييمك للمسار السياسى والاقتصادى والدبلوماسى فى مصر؟
الإصلاحات الاقتصادية بمصر كانت مهمة وضرورية وتأخرت كثيرا، ووضعت تلك الإصلاحات مصر فى المسار الصحيح للانفتاح الاقتصادى العالمى، وجعلت شروط الاستثمار بمصر إيجابية لتمكين النهوض بالاقتصاد المصرى، الذى كان من أهم الاقتصادات بالمنطقة، لذلك كانت تلك الإصلاحات الاقتصادية بداية انطلاقة رغم الجائحة.
ودبلوماسيا.. مصر تلعب أدوارًا مهمة خاصة فى الصراعات القريبة منها،الفلسطينى، والليبى، وكذلك العلاقات مع السودان، والأزمة مع إثيوبيا وسد النهضة، فمصر رغم انهماكها بأمورها الداخلية لا يزال لها صوت واحترام فى المنابر العالمية : واشنطن وأوروبا وروسيا والصين، والقاهرة دورها محفوظ بالدبلوماسية العربية والعالمية .
تشكل أزمة سد النهضة امتعاضًا لدى مصر والسودان قيادة وشعبا.. ما محددات الحل من وجهة نظرك؟
لاشك أن أزمة سد النهضة من أهم الأزمات وأوسعها بمنطقتنا، وبرغم المحاولات المصرية المتكررة فلم تصل إلى نتيجة إيجابية، وأعتقد أنه أصبحت هناك ضرورة لتنسيق دولى حول هذه القضية،وهناك مبادرة أمريكية وموفد أمريكى خاص تم تعيينه من الخارجية الأمريكية سيختص بملف القرن الإفريقى عمومًا وكذلك سد النهضة الذى يمثل 90% من هذا الملف، والولايات المتحدة لديها الرغبة بالاهتمام والتنسيق مع الأمم المتحدة والصين، وهى واعية ومقدرة خطورة هذه القضية، ومن الأولويات فى منطقة الشرق الأوسط موضوع معالجة الأزمة المتصاعدة لسد النهضة، وأعتقد أن هناك فارقًا بين إدارة بايدن وإدارة ترامب، فبايدن إدارته بها تنسيق ومسار ثابت، بينما ترامب كان عشوائيًا ولم تكن لديه إدارة متعاونة أو متناسقة، حتى البيت الأبيض كان به فوضى والخارجية لا تعلم ما يحدث هناك، ومتفائل بالرئيس فى معالجته لملف سد النهضة، فهو لديه فريق متجانس وخبرة طويلة يعى تعقيد الأمور وصعوبتها، وأعتقد أن لديهم مقاربة دبلوماسية ضرورية لأن ملف سد النهضة معقد ومتشعب، وأرى أن التصعيد العسكرى ليس حلا والكل مدرك لا مصر ولا إثيوبيا يريدان أن تصل الأمور لذلك، والتحدى هو المفاوضات ولا يوجد مستحيل، وهناك إمكانية للتوصل إلى نتيجة.
مع تجدد الأمل فى إنهاء الانقسام والصراع السياسى فى ليبيا هل يستطيع الليبيون تنفيذ خارطة الطريق المتفق عليها؟ وما مآلات الصراع الليبى بعد انتخاب سلطة جديدة؟
المسار الليبى دخل فى اتجاه أكثر إيجابية مما كان عليه العام الماضى، ولست متفائلا بحل نهائى أو جذرى كثيرا لأن عناصر التوحد والوصول إلى حل جامع فى ليبيا وقادر أن يصنع مستقبلا مختلفا عن الانقسام الحالى أراه صعبا، لأن الداخل الليبى لا يزال منقسما بشكل هائل جدا، والتفاؤل محدود بالتهدئة ببعض الاتفاقات الجزئية لتجنيب الليبيين حروبا جديدة ومصاعب أخرى.
الأزمة فى لبنان معقدة ومتشابكة، وتتراكم الأزمات واحدة تلو الأخرى، ما أفق الحل فى لبنان ؟ وهل تخشى على المستقبل اللبناني؟
أنا خائف جدا على لبنان، لأن الكارثة وقعت، فلبنان دخل فى انهيار اقتصادى وله نتائج اجتماعية كارثية، وهو عمليا فى حالة إفلاس ولم يعلن.
تشهد تونس أزمات سياسية حادة، فإلى أين تتجه الأزمة بالبلاد؟
الوضع السياسى التونسى معقد ويمر بتحديات كثيرة ولكن من أكثر البلدان العربية فى إطار دستورى وسياسى للتعاطى مع التحديات السياسية بأشكال ومراحل مختلفة، ولكن التحدى المستمر الذى تواجهه تونس والذى يترجم إلى مخاطر سياسية وأمنية، هو الأزمة الاقتصادية الاجتماعية المستمرة، والجائحة تزيد من العبء الكبير، ونحن نطالب بالتعاون مع عواصم أوروبية للالتفات إلى الحالة التونسية وتقديم كل مساعدة ممكنة.
كيف تنظر إلى فرص الوصول لاتفاق بين طهران وواشنطن؟ والدور الأوروبى من ناحية والصينى والروسى من ناحية أخرى؟
ليس مستغربا إطلاقا أن هناك تعقيدات بالمسار التفاوضى لأن كل طرف لديه مطالبه، أولا الشيء الإيجابى والواضح أن الطرفين متفقان على العودة للاتفاق النووى وهذا أمر جوهرى، ولكن ما هو مختلف عليه عدة أمور، أولا التوقيت: هل أمريكا ترفع العقوبات أولا ومن ثم إيران تعود؟ ثانيا: ما العقوبات التى سترفع إذا عادت إيران إلى الاتفاق النووى، فهناك مجموعة عقوبات مرتبطة مباشرة بالاتفاق النووى هذه حتما سترفع، لكن هناك أكثر من ألف عقوبة أضافها الرئيس ترامب غير مرتبطة مباشرة بالاتفاق النووى، وهناك ضغط كبير من إيران لرفع أى نسبة من هذه العقوبات، أما عن الدور الأوروبى والصينى والروسى فى هذه المفاوضات، فليس لهم دور مباشر إلا أنهم شركاء بالاتفاق، فأمريكا ليست بحاجة إلى وساطة فرنسية أو غيرها، القضايا كلها معروفة وتم التفاوض عليها أكثر من مرة، والعقوبات موضوع أمريكى فلا اعتقد أن هناك دورا مهما إلا الدور التاريخى الذى لعبوه فى أنهم حافظوا على الاتفاق خلال فترة ترامب، واستطاعت إدارة جديدة أن تعود إليه، فإيران وأمريكا تعرفان بعضهما بعض جيدا وإيران تؤكد أنها تريد الحوار مباشرة مع أمريكا لا فرنسا ولا الصين.
بعد اقتحام الكابيتول، هل تشهد الولايات المتحدة صراع شعبويات، ولماذا تصاعدت الشعبوية فى دول عديدة فى أوروبا؟
الأزمة الداخلية مستمرة بأشكال كثيرة، فأمريكا عمليا أمريكتان، وهناك انقسام عميق بين الولايات والمجتمعات الريفية والمدن الكبيرة الأمريكية، الانقسام ليس فقط سياسيا بين الديمقراطيين والجمهوريين لكنه انقسام هوية وقيم، أما الشعبوية والانقسام الحاصل بالغرب عمليا فهو نتيجة العولمة.
كيف تقرأ الخريطة السياسية للعالم العربى اليوم بعد ترامب ؟
العالم العربى منقسم، لا توجد جامعة عربية وعالم عربى مثلما كان سابقا، لأن سوريا خارج المسار واليمن وليبيا غير موجودتين، والعراق متصارع عليه بين إيران وأمريكا، فالبيت العربى مكسور بطبيعة الحال، والخريطة يمكن أن تتجزأ.. فهناك خريطة خليجية معروفة بالثقل الاقتصادى والمالى والسياسى، والتغيير الأساسى بهذه الخريطة هو الانفتاح على إسرائيل والاتفاقات أحدثت تغييرا كبيرا بالخريطة، وهناك الخريطة المصرية التى لها علاقات مع دول الخليج، ولديها تحالف مع أوروبا وأمريكا، هى لها حيثية بحد ذاتها.
ما تأثير تطبيع دول عربية مع إسرائيل على القضية الفلسطينية؟
هذه الاتفاقات لن تنقذ الفلسطينيين، هى اتفاقات ليست حول القضية الفلسطينية فلا ادعت الإمارات ولا البحرين ولا المغرب أنهم يفاوضون باسم الفلسطينيين، بل اتفاقات ثنائية ولكل منهم أسبابه ومصالحه، هناك دول عربية أصبحت على علاقة طيبة مع الإسرائيليين ربما ذلك يطمئنهم ويعطون للفلسطينيين ما يستحقون .
ما تقييمك لما يجرى فى العراق مؤخرًا؟ والتقارب العربى الواضح؟
هذا أمر مهم والتقارب العربى تأخر كثيرا، وأرى أنه كان خطأ كبيرا ابتعاد كثير من العواصم العربية، صحيح إيران لديها نفوذ ببغداد لكن الحل بعدم التعاطى مع بغداد ومع الحكومة العراقية نتيجته الوحيدة أن يزيد من النفوذ الإيرانى، والانقطاع عن العراق وضع السنة العراقيين بمأزق كبير مما جعل ظهور داعش أسهل بسبب أن سنة العراق شعروا بأنهم بمفردهم لا أحد يساندهم ولجأوا إلى حلول متطرفة جدا، فالوجود العربى إيجابى ومهم وضرورى ولكن ليس حلا، فالعراق يعانى سوء إدارة وفسادا وهدرا للمال العام بشكل مخيف.
الأزمة السورية ومسارها الصعب الطويل .. وماذا يدور وراء الأبواب المغلقة، هل يجرى اتفاق تطبيع بين دمشق وتل أبيب ؟
الأزمة السورية مجمدة لا حل فيها ولا تصعيد، سوريا أصبحت ثلاث سوريات، سوريا النظام وهو راض وقابل أن يبقى حاليا بمنطقته، ويطمح يوما ما أن يستعيد الشمال والشرق والغرب ويريد ذلك, وليس واردا أن يحدث اتفاق تطبيع بين دمشق وإسرائيل، لأن بقاء نظام الأسد هو بقرار وإنقاذ إيرانى بالتنسيق مع حزب الله وبدعم روسى، فبشار الأسد باق برضاء إيرانى، وليس واردا أن يخاطر بالحماية الإيرانية وهم لن يقبلوا إطلاقا بأى دغدغة أو أى شيء من هذا النوع، والمهم أن يبقى التطبيع بين نظام الأسد وإسرائيل ورقة فى جيب نظام الأسد إذا ما انهار يومًا النظام بإيران إنما الآن لا يستطيع.
رابط دائم: