تثقيف الأطفال.. استثمار المستقبل
تحت شعار «لخيالك».. امتدت الدورة الثانية عشرة من مهرجان الشارقة للقراءة للأطفال، 11 يوما داعبت خيال الأطفال وعائلاتهم، وامتلأت بالأنشطة والفعاليات الثقافية والتعليمية والترفيهية والرقمية. وعلى مدار هذه الأيام، شهد المهرجان إقبالا ضخما من المواطنين الإماراتيين إلى جانب العرب والأجانب وسط إجراءات احترازية مكثفة بسبب فيروس كورونا فى «إكسبو الشارقة»، حيث قدر عدد الحضور بحوالى 80 ألفا، وحمل المهرجان رسالة واحدة، ألا وهى فتح نافذة للخيال.
وكما يقول الفيلسوف الفرنسى جان جاك روسو «عالم الواقع له حدوده، بينما عالم الخيال بلا حدود»، ويؤكد كاتبنا الكبير توفيق الحكيم نفس المعنى بالقول فى عصفور من الشرق «الخيال.. هو ليل الحياة الجميل، هو حصننا وملاذنا من قسوة النهار الطويل، إن عالم الواقع لا يكفى وحده لحياة البشر!». وخيال الطفل، كما يقول أحمد بن ركاض العامري رئيس هيئة الشارقة للكتاب، هو الأنسب لصناعة المستقبل، وهو الاستثمار الأمثل للشعوب والدول. ويرى العامرى، أن الحدث شكل «على امتداد 11 يوماً منصّة للمعرفة، بوابة للأطفال، ليستكشفوا من خلالها مواهبهم وقدراتهم، فهذا المهرجان واحد من الفعاليات التى تستكمل خارطة الأحداث الثقافية التى تقام على أرض الإمارة».

> أحمد بن ركاض العامري رئيس هيئة الشارقة للكتاب
وخلال افتتاح المهرجان، أكدت الشيخة جواهر بنت محمد القاسمى قرينة حاكم الشارقة، رئيسة المجلس الأعلى لشئون الأسرة، أن الدكتور سلطان بن محمد القاسمى عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وضع النهوض بوعى ومعارف الأجيال الجديدة على رأس أولويات مشروع الإمارة الحضاري، وجسد بتوجيهاته معنى أن مستقبل البلدان ونهضتها يبنى بيد أطفال ويافعين، يدركون قيمة الكتاب وأثره فى تحقيق تطلعاتهم وأحلامهم، مشيرة إلى أن مسئولية تمكين الأجيال الجديدة من أدوات المعرفة مسئولية رسمية، تتولاها الحكومات ومؤسساتها. وكانت الرسالة الرسمية، إنه يتم «غرس بذور المعرفة فأحسنوا قطافها».
وعبر ورش متعددة لصناع أدب الأطفال، قدم كتاب أدب الطفل مجموعة من الأفكار، لإعادة الزخم والشغف لدى الطفل، للقراءة والإطلاع والإقبال على القصة المكتوبة، وسط تعطيل كورونا للحياة بشكلها الطبيعي، ومع استمرار انشغال الصغار بوسائل التواصل الاجتماعى «السوشيال ميديا». وكان رهان الكتاب العرب والأجانب على تطوير المحتوى ليناسب عقلية الطفل الآن. وقال الكاتب المصرى الطيب أديب «إن الطفل بطبيعته يحب المغامرة والشجاعة واكتشاف الأشياء، ولذلك فمن الضرورى أن يتم إشباع هذا الجانب لديه عبر القصص».
وترى الكاتبة الإماراتية فاطمة سلطان، أن «الطفل اليوم أصبح يحتاج إلى مواضيع جديدة مستوحاة من عالمه، وما يحيط به، فكلهم اليوم يفكرون فى الفضاء والكواكب، ولم تعد الحكايات المرتبطة بالسحر أو العمالقة أو حتى الحيوانات الناطقة، كالتى تطل فى الخرافات، تلفت أنظارهم، وباتوا يحتاجون إلى حكايات مرتبطة بالعلم». وأشارت الكاتبة الأردنية فداء الزمر، إلى أهمية ابتكار تقنيات جديدة ومشوقة للفت انتباه الطفل، بما فيها روح الفكاهة وأسلوب التكثيف والجمل القصيرة، بعيدا عن الإسهاب فى الوصف، مع توظيف الخيال والاعتماد على نمط الكتب المصورة الجاذبة لاهتمام الصغار، وأن يراعى الكتاب الفئة العمرية التى يتوجه إليها، لأن الطفل يمكن أن يهجر الكتاب ويتوقف عن قراءته، إذا لم يكن ملائماً لفئته العمرية، إلى جانب أهمية الابتعاد عن القوالب والأساليب النمطية، التى لم تعد تتناسب مع أطفال اليوم. ولم تقتصر الفعاليات الثقافية الخارجية لـ «مهرجان الشارقة القرائى للطفل» على الشارقة فقط، بل امتدت إلى دبي، ورأس الخيمة، والفجيرة.
حاول المهرجان استهداف عقول النشء ليس للقراءة فقط، بل للإبداع عبر ورش الرسم والحكى والتعرف على التقنيات الحديثة وصناعة الروبوتات وتصميم ألعاب الفيديو، وإطلاق العنان لخيالهم فى كل ما يخص اهتماماتهم، والإجابة عن كل ما يجول فى خاطرهم، من أسئلة وتصورات وأحلام تنتمى للمستقبل. كما سعى المهرجان إلى تقديم مبادرات مختلفة للمكتبات، لاجتذاب الأطفال واليافعين، فمعركة تثقيف الأطفال ليست بالسهلة، بل معركة ناعمة تتوجب أسلحة جذابة لصنع طفل سعيد ومثقف.
وكما يقول ألبرتو مانجويل أو «كازانوفا القراءة» فى كتابه «فن القراءة»، فإن المكتبة المثالية معدة «لقارئ بعينه، كل قارئ أو قارئة، يجب أن يشعر أنه القارئ المختار». ولهذا سعى مهرجان الشارقة إلى جعل الطفل، «القارئ المختار» بل والمثالي.
رابط دائم: