على عادة كتاباته بأسلوب بسيط اختزل عمر طاهر العديد من الأحداث التى تكتظ بها حياتنا اليومية، أو بالأحرى حياتنا العادية جدا والتى قد تمر دون أن نشعر بها، وقدمها بطريقة خفيفة لكنها تضفى عليها أهمية خاصة فى مجموعته القصصية الجديدة «بعد ما يناموا العيال» ، الصادرة عن دار الكرامة.
استند الكاتب فى سرده لأحداث مجموعته القصصية إلى معرفة عميقة بتفاصيل النفس الإنسانية وإدراك ناقد للمجتمع المصرى، مما جعل هذا العمل الأدبى أشبه بأدب نجيب محفوظ فى تناول الحارة الشعبية، وإبداع يوسف إدريس فى كتابة القصص القصيرة.
تتضمن المجموعة 19 قصة، والمثير فيها أن القارئ حتما سيجد نفسه أحد سكان هذه المجموعة، حيث استخدم الكاتب هذا اللفظ فى الإهداء قائلا «إلى سكان هذه المجموعة»، فالحكايات فى «بعد ما يناموا العيال» موجودة فى حياتنا بشكل أو بآخر. يأتى الغلاف الجذاب ليعبر عن تفاصيل قصص المجموعة بداية من أحبال الغسيل، والشرفة وصورة الفنانة وردة، صورة الزفاف التقليدية فى كل بيت، والقهوة، وشوارع القاهرة، والميادين التى تضج يوميا بالحياة وتفاصيلها.
الكثير من الأحداث قدمها الكاتب فى شكل كوميديا سوداء بأسلوب غير ساخر وبكثير من النهايات المفتوحة، فهناك الأب الذى تتأثر علاقته بابنه بعد زواجه للمرة الثانية بعد وفاة زوجته ويحاول أن يجد طريقة تعيد التقارب بينهما مرة أخرى، فيحاول الأب كتابة تعليق على قصة نشرها الابن على حسابه على الفيسبوك، فيرد الابن بإعجاب على التعليق، كما ورد فى قصة «يجيد الإسبانية»
وهناك الأزواج الذين تختلف اهتماماتهم، والزوج الذى يكره أن تعرف زوجته أشياء لا يعرفها هو، فيمنع زوجته من القراءة، فتقرأ الزوجة خلسة لعدم الاصطدام به، لتجرب الخدعة ولتدرك فى نهاية القصة أن لا نهاية لأى شيء سوى فى الروايات، كما فى قصة «فتاة تشعر بالوحدة فى الثمانينات» . وفى قصة «المتوسط» نموذج الشاب التائه الذى يحاول أن يدرك ما يميزه عن الآخرين فيبحث فى جوجل عن شركائه فى الاسم، كمحاولة ليعرف ذاته أو ما يميزه عن غيره، ليجد من بينهم رجل الأعمال، والصحفى، والناشط على تويتر، والطبال... فيعيد تقييم نفسه ويجد أنه متوسط فى كل شيء.
تحدث الكاتب أيضا عن التناقضات التى يعيشها الناس فى حياتهم فقدمها فى شخصية البطل فى قصة «صاحب مكان» ، الذى يتنقل للسكن بين شقق الأصدقاء بحثا عن الونس والرفقة التى تبدد الشعور بالغربة والخوف من الموت وحيدا، ومن جهة أخرى تصارعه الرغبة فى الشعور بالخصوصية والانتماء لمكان بعينه.
يؤكد عمر طاهر فى «بعد ما يناموا العيال» بقصد أو دون قصد أن كل شيء يصلح للكتابة مهما بدا مألوف ومتكررا، من خلال تسليط الضوء على التفاصيل صغيرة والقصص الكثيرة داخل كل قصة، عن الأبناء والبيوت المستقرة وعادات الأرياف وأفضلية إنجاب الذكور، وثرثرة السفر والطريق، والبلدية والباعة الجائلين، والحسين، وصوت أم كلثوم، والكاركديه المثلج، ومولد ستنا، والذكريات وفكرة النصيب حتى لو كان هذا النصيب ينعكس فى شخص وحيد تعس ينتظر نصيبه من السعادة فى طبق رز باللبن يجهزه لنفسه فى بداية قصة «غبار خفيف» ليكون من نصيب شخص آخر فقد طفلته وساعده البطل فى دفنها واستضافه فى منزله وقدم له طبق الرز باللبن الذى كان قد أعده لنفسه ليشعر فى النهاية بالراحة والامتنان.
رابط دائم: