رغم مرور أسبوع كامل، إلا أن رحيله مازال يترك شعورا قويا بالمباغتة، وذلك رغم مقدمات المرض وتقدم العمر وطغيان أخبار الرحيل فى أيام الوباء الضاغطة، إلا فكثيرون من جمهور سمير غانم لم يدركوا تماما من قبل مدى ارتباطهم به، ايقنوا أن النجم بالغ البساطة، كان أيضا مؤثرا بشكل كبير، وفيلسوفا فى رفضه تحميل أعماله أكثر من مجرد «الإضحاك»، وكان ذلك وحده هدفا غير هين.
تشارك معه الهدف ذاته طوال سنوات غير قليلة من عمره، النجم الراحل جورج سيدهم، مكونا الضلع الثانى فى تجربة «ثلاثى أضواء المسرح». والبعض يذهب إلى اعتبار سيدهم الضلع الذى ظلمته الظروف ظلما أكيدا، فقد ترك الرحيل المبكر للضيف أحمد (1936-1970)، شيئا من الهالة حول سيرته ومسيرته، ونجح سمير غانم، فى إكمال مشواره الفنى مبرهنا على قدرته على التلون الكوميدى وإبداعه غير المسبوق فى «الإرتجال» وخلق الـ «كاركتر» المؤثر من جيل إلى آخر، كما فى تجارب «فطوطة» و«ميزو» وغيرهما. لكن مرض سيدهم الذى باغته نهاية التسعينيات، أبعده مجبرا عن الفن والجمهور حتى كان رحيله الهادئ بعد سنوات من الصمت بفعل «جلطة المخ» فى مارس 2020.
سيدهم ودور المسرح الجامعى :
ولد جورج أبيس سيدهم فى 28 مايو عام 1938 بمحافظة سوهاج، وحصل على بكالوريوس الزراعة من جامعة عين شمس عام 1961، وكان ذلك تمهيدا لعمله مهندسا فى إحدى مزارع الإسكندرية، ولكن قبل التحاقه بالمزرعة، كانت البدايات الأولى التى تمهد للنجم الذى أصبح عليه سيدهم لاحقا. فحسب ما أفضى به النجم الراحل إلى الصحفى الأهرامى وسام أبو العطا فى حوار تم الكشف عنه لأول مرة عقب وفاة سيدهم وبعد ثلاثة عقود كاملة من إجرائه، فإن البداية الفعلية كانت مع سيدهم طفلا فى الصعيد. فيقول فى الحوار المنشور فى «الأهرام» بتاريخ الثالث من أبريل 2020: « وأنا طفل فى منزلنا بالصعيد كنت أضع السراير بجانب بعضها واصنع مسرحا منزليا وأقدم عليه كل الأفلام التى كنت أشاهدها فى السينما».
وينتقل سيدهم راويا لـ «الأهرام» الفترة الثانية المحورية فى مساره، والتى تلخصت فى المرحلة الجامعية، مقدما نفسه ضمن نماذج فنية مصرية استفادت أعظم استفادة من ثراء تجربة المسرح الجامعى فى مصر خلال حقبة الستينيات. فيقول: « تطور الأمر فى الجامعة، وكنت من أنشط طلاب كلية الزراعة بجامعة عين شمس فى النشاط المسرحي».
ويجد الباحث عن استكمال بعض التفاصيل حول هذه المرحلة الثرية فى تاريخ سيدهم، مطلبه فى ما أفضى به الفنان الكبير للصحفية الأهرامية أمل سرور فى سياق حوار نشر بتاريخ الثامن من أكتوبر عام 1995، فقال بابتسامة تعلو وجهه، كما وصفت سرور: «أيام الجامعة كانت أحلى أيام حياتي.. ولان لدى قدرة على الارتجال الكوميدى، فكانت البداية على مسرح الجامعة، ففى تلك الفترة كانت كل الجامعات تهتم بالمسرح ولكل كلية مسرحها الخاص بها، فاشتركت فى فرقة التمثيل المسرحى وقدمنا مسرحيات عديدة، عالمية مثل (عطيل) و(ماكبث)، ومسرحيات لأدباء وكتاب مصريين مثل صلاح عبدالصبور ونجيب سرور. وبدأت الجامعة تنظيم مسابقات بين الكليات المختلفة ولا أنسى أن كليتى – الزراعة- وفرقتى فازت بالمسابقة الأولى من بين عشرات الكليات، ويومها أخذت ميدالية فضية كأحسن ممثل، ومازالت احتفظ بها للأن».
ولكن رغم افتتان سيدهم بالعمل المسرحى منذ المرحلة الجامعية، إلا أنه يؤكد فى حواره مع أبو العطا أنه لم يفكر يوما فى احتراف الفن، إذا قبل وظيفة مهندس زراعي، حتى كانت الصدفة البحتة التى دفعته فى طريق الفن، فيقول: «قابلت أحد زملائى والذى عمل بالتليفزيون فور افتتاحه سنة 1961، وطلب منى تقديم فقرة فى برنامج (مع الناس) فقبلت كنوع من المجاملة ولكنى لم أكن متحمسا للعمل بالتليفزيون. ولكن بعد عرض حلقتين وجدت الناس بتشاور عليا فى الشارع فأدركت خطورة هذا الجهاز».
الثلاثى .. وتوقيت «النكسة»
ومن صدفة إلى أخرى، فحسب رواية سيدهم لـ«الأهرام»، أن نجاحه غير المخطط له فى برنامج « مع الناس»، كان سببا فى تذكير سمير غانم به والذى سبق وتعرف به خلال مرحلة مسرحيات الجامعة، يقول سيدهم إن غانم استقبله قائلا: «يا عم أنت بقيت مشهور»، ليعرض عليه الانضمام لتجربته التليفزيونية، وكان غانم وقتها صاحب نصيب من الشهرة أيضا، إذا كون «فرقة اخوان غانم» بمشاركة عادل نصيف والنجم الراحل وحيد سيف، والتى قدمت عدد منا «الاسكتشات» التى أبدع غانم فى كتابتها، وكان من أشهرها وأكثرها شعبية وفقا لشهادة سيدهم : «سلامات حول العالم»، ويعرج سيدهم فى أكثر من لقاء مع «الأهرام» إلى ما كان من التشكيل الأولى للثلاثى، والذى جاء مؤلفا من نصيف وغانم، بالإضافة له، وذلك لارتباط وحيد سيف بوظيفة فى مدينة الإسكندرية، مما حال دون سفره إلى القاهرة.
صدفة ثالثة قادت المخرج على سالم لمشاهدة فنون الثلاثى الجديد ضمن «مع الناس»، ليعرض عليهم المشاركة ضمن «أضواء المسرح»، ولكن الطريف أن الثلاثى وقتها لم يصدق فى جدية عرض سالم، فيعترف سيدهم بأن الثلاثى واصل حياته بشكل اعتيادى حتى تنبهوا إلى مطاردة الشرطة لهم بعد تقدم على سالم ببلاغ ضدهم لعدم الالتزام.
بعد القصة الشهيرة لرحيل عادل نصيف عن الفرقة مهاجرا بعد شهر واحد من انضمام المجموعة لـ «أضواء المسرح»، يحكى سيدهم لـ«الأهرام»، أن اختيار الضيف تم بترشيح من سمير غانم، وذلك بعد أن التقوا الضيف أحمد بالمصادفة فى إحدى محطات الأتوبيس، وقبوله الفورى بعرض الانضمام إلى « الثلاثي»، لتبدأ مرحلة أكثر استقرارا ورسوخا بتقديم المجموعة اسكتشات جديدة.
وتأكد نجاح التجربة بحضور واضح للثلاثى فى أفلام هذه الفترة، وعن شائعة فرض الثلاثى كقاسم أساسى لضمان نجاح أى فيلم فى هذه الفترة، يوضح سيدهم: «مع انتشار اسكتشاتنا فى حفلات أضواء المدينة بدأ يستعين بنا المخرجون فى الأفلام الكوميدية الخفيفة خصوصا أفلام حسن يوسف ومحمد عوض»، كاشفا أن المؤلفين اعتادوا ترك مساحات حرة لهم فى السيناريو ليبدعوا فى إطار موضوع الفيلم، ويصبحوا «شبه علامة تجارية لدى المنتجين».
لكن فرحة نجاح الثلاثى تبددت بعد وقوع نكسة يونيو 1967، ولكن النكسة ذاتها كانت سببا فى تشكيل الفرقة المسرحية لثلاثى أضواء المسرح. يحكى سيدهم: «بعد نكسة 67 خيم الظلام على المجتمع ولم نكن نعلم كيف سنعمل فى ظل هذا الجو الكئيب فأصابتنى حالة اكتئاب شديدة وقررت أن أقضى وقتا طويلا بمفردى فى الإسكندرية». ويحكى سيدهم أنه على متن القطار، التقى محافظ الإسكندرية وقتها السيد حمدى عاشور، ليقترح عليه تقديم عرض مسرحي فى الإسكندرية للتخفيف عن المصريين.
واستجاب المحافظ لطلبات سيدهم بتخصيص مسرح للفرقة وبدون مقابل، مع اعتماد نمط بعينه فى الدعاية، فضلا عن مستوى دعم المسارح من 15 إلى 30 جنيها، وقد كان.
يقول سيدهم : « عدت إلى القاهرة، واتصلت بالمخرج محمد سالم وباعضاء الفرقة.. وعلى الفور قام المؤلف الكوميدى الكبير يوسف عوف بكتابة نص مسرحى من فصلين كل فصل يحمل قصة مختلفة وقام حسين السيد بكتابة الأغانى وتولى التلحين الموسيقار الشاب وقتها حلمى بكر وأطلقنا على الروايتين اسم حواديت وتم عرض المسرحية على مسرح بيرم التونسي...». وحسب سيدهم، فإن أقرب أعمال الثلاثى إلى قلبه كان « طبيخ الملائكة».
أفضال فؤاد المهندس:
كان سيدهم صاحب فكرة إطلاق مسمى « الثلاثى» على الفرقة، ولكن شمل الفرقة كاد أن ينفض بعد وفاة الضيف أحمد المفاجئة عام 1970. يروى سيدهم كيف أنه شعر بما جرى قبل وقوعه، أو هكذا خيل إليه، فقد كان الثلاثى يستعد لعرض مسرحى تحت عنوان : «كل واحد وله عفريت» وكان الضيف يؤدى فيها دور شخص متوفى، بالإضافة إلى إخراجها، يحكى سيدهم كيف أن النجم الراحل فؤاد المهندس، الذى وصفه بأنه «له أفضال كثيرة على الفرقة»، والذى كان يواظب على مشاهدة أعمالها من وقت إلى أخر، تدخل لإعادة « الثلاثى» بعد الضيف، وإن كانت العودة بصيغة « الثنائى»، وقام المهندس بإتمام إخراج مسرحية «كل واحد وله عفريت» بعد تعديلها على أن يتم عرضها بعد وضع اسم «الضيف» مخرجا لها، وليس المهندس.
كان هذا سبيلا لإنقاذ «الثلاثي»، واستمرت الفرقة فى تقديم عروضها مثل « موسيقى فى الحى الشرقي» 1971، و«أهلا يا دكتور» 1981، الذى شهد مشاركة النجمة دلال عبدالعزيز، والتى كان اكتشاف موهبتها على يدى سيدهم.
وبعد انفصال سمير غانم بداية الثمانينيات واصل سيدهم العمل مقدما أعمالا درامية ومسرحية وسينمائية، ولكن الضربة التى نالت منه نيلا كان أزمة « مسرح الهوسابير» الذى امتلكه وجدده لتلتهمه النيران أولا، ثم يخضع للحجز القضائى ثانيا بسبب أزمات مالية متعددة.
سيدهم صاحب مسمى «الثلاثي»، أعطى فرقته عمره وكان يرى أنها منحته فى المقابل « مجدا فنيا»، يفتخر به طوال حياته وبعد انقضاء الحياة.
وبصحبة نجوم الجيل فى انتخابات نقابة المهن التمثيلية
جورج ..عاشق الكوميديا
سيدهم وغانم .. «الثنائى» الذى أنقذ «الثلاثى»
دلال عبدالعزيز شاركته «حب فى التخشيبة»
سيدهم والدكتورة ليندا رفيقة عمره ومحنته
رابط دائم: