يمثل "مصطفى الحلاج" حدوتة تشكيلية عربية تحمل بين طياتها الكثير. فالحلاج المولود فى يافا عام 1938، هو صاحب رؤية خاصة ومتفردة لقضية تتفاعل معها شعوب العالم بأسره. تحمل إبداعاته الكثير من الدلالات والمعانى الفلسفية بين ثنايا الخطوط والألوان تجسيدا لتاريخ شعب ونضال وطن وكفاح أمة.
ويمتاز الحلاج، الذى تنقل فى مرحلة ما بعد النكبة بين مصر، التى نال منها شهاداته الإعدادية والثانوية، وتخرج فى كلية الفنون الجميلة جامعة القاهرة عام 1968، ببساطة التعبير والأداء . فيصل أحيانا إلى أسلوب "السلويت" ، فى إشارة إلى نمط استخدام "الخطوط الخارجية للأشكال بالأبيض"، الذى يتعمد من خلاله تخطى نقل الواقع إلى ما هو أبعد وأعمق، وذلك عبر توظيف الرموز الأسطورية الشعبية المستمدة من ثقافته الفلسطينية.
بعد أكثر من عقدين أقامهما فى مصر، انتقل إلى بيروت، حيث تمكن القصف الإسرائيلى من مرسمه، ليخسر العشرات من أهم لوحاته، وإن تمكن من إنقاذ بعض أدواته. جسدت أعماله تاريخ النضال المحمّل بما استقاه من الحكايات والرموز الشعبية المستمدة من الحضارة المصرية القديمة والفينيقية والأساطير الكنعانية العريقة.استطاع أن يبعث الأسطورة ويشكّل ابداعاته بعلاماتها البصرية لينتشلها من صفحات التاريخ المطوية بأسلوبه الذى تمتزج فيه الواقعية بالسريالية والتجريدية لتمثل التعبير الحقيقى والصادق عن تلك الأحداث المروعة.
فنان تطرف فى حبه للوطن لدرجة أنه حمل وطنه فلسطين فى شخصيته وحماها فى قلبه وخلدها فى لوحاته، ولعل أشهرها وأكبرها مساحة الجدارية التى عنونها بـ "ارتجالات الحياة"، التى تحمل كما هائلا من السمات التعبيرية الخاصة بالمأساة الفلسطينية، والتى رسخّت حضوره وخلدت اسمه كفنان بسط ذاته كمواطن فلسطينى متعلق بجذوره ومتمسك بحضوره، مؤكدا هويته فى بناء العمل ومعالجته. تعتبر أعماله جزءا لا ينفصل عنه حتى أنه وافته المنية وهو بين أحضان لوحاته فى قلب مرسمه بين أدواته وألوانه. على الساحة الفنية، لا يصنف كفنان فحسب، لكنه أكاديمية فنية متكاملة، ويمكن التعرف على شخصية مصطفى الحلاج من خلال ما سرده مواطنه الفنان “معتز العمري" قائلا :"قضيت مع الحلاج فى مرسمه عامين بين 2000 و 2002، حيث وافته المنية فى مرسمه الكائن بدمشق بين لوحاته، فرغم أن فرصته للنجاة من ألسنة اللهب التى طالت مرسمه كانت متاحة، إلا أن إصراره على محاولة إنقاذ أعماله الفنية وجدارياته أدت إلى اختناقه ووفاته. فهى جزء منه لا ينفصل عنه ولا عن مواقفه وتاريخه، فى مرسم الحلاج تعرّفت على الحفر عن كثب، وبدأت محاولاتى الأولى، أذكر أنه قال لى حينها (أول الرقص حنجلة) وهو ما حفزنى للاستمرار فى هذا الفن خاصة بعدما رأيته من أعماله "الحفرية" التى بهرتنى بدقتها وجمال الإحساس فيها، فقد أثرت رؤيتى الفنية وأغنت ذاكرتى البصرية. وفى مرسمه (صالة ناجى العلي)".

"السلويت" خير سفير للقضية الفلسطينية في لوحات مصطفى الحلاج
ويضيف العمرى: "كنت أنا وصديقى الفنان حسن أبو صبيح والفنان أحمد خليف نطبع أعمالا من أجزاء لوحته الجدارية، استفدت من الحلاج فى رؤيته للعمل وكيفية معالجته لتلك الرؤى، وفى مرسم الحلاج كانت الفرصة متاحة لإجراء العديد من التجارب الفنية فى تقنيات الحفر المختلفة واستخدام خامات متنوعة للحفر والطباعة للحصول على نتائج مدهشة كانت تسعد الحلاج وتعطينا دفعا لتقديم المزيد، وقد أثرت تلك الفترة على إنتاجى الفنى بالمراحل المتقدمة من تجربتى وجعلتنى أكثر جرأة على التجريب واكتشاف الجديد وتطويرعملى الفنى من خلال ما اكتسبته من معرفة ومشاهدة لأعمال مصطفى الحلاج".
رابط دائم: