رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

باستخدام ورقة معاداة السامية والضغط المالى والتخويف..
حملة لتكميم الأفواه ضد دعم الفلسطينيين فى بريطانيا

رسالة لندن
> آلاف المتظاهرين البريطانيين يسيرون باتجاه السفارة الإسرائيلية فى لندن للتعبير عن تضامنهم مع الفلسط

هل تستطيع أن تتضامن مع الشعب الفلسطينى وتنتقد قتل إسرائيل مئات المدنيين فى حملة القصف العنيفة التى تشنها على قطاع غزة دون أن تُتهم بمعاداة السامية؟ هذا السؤال واجهه عشرات الآلاف فى بريطانيا ممن خرجوا فى تظاهرات دعم للفلسطينيين فى لندن ومانشستر وليفربول وجلاسجو وأكسفورد وبريستول ومدن أخرى، أو الذين استخدموا منصاتهم على وسائل التواصل الاجتماعى للتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطينى ولإدانة آلة القتل الإسرائيلية.

أشكال التضامن مع الفلسطينيين التى تجاوزت بريطانيا إلى ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وأيرلندا وبلجيكا والعديد من الدول الأوروبية الآخرى، والتى شهدت كلها تظاهرات تضامن كبيرة برغم استمرار قيود كوفيد 19 أزعجت المنظمات الإسرائيلية الموجودة فى أوروبا.

 

كثير من تلك المنظمات حاولت وصم كل تظاهرة مؤيدة للفلسطينيين أو انتقاد ضد إسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعى بأنه «شكل واضح من أشكال معاداة السامية لأنه ينتقد حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها».

لكن هذا المنطق كان له معارضون أكثر مما كان له مؤيدون فى بريطانيا وأثار حالة من الغضب العارم فى أوساط اليسار البريطانى بالذات بسبب استخدام ورقة «معاداة السامية» كوسيلة لتكميم الأفواه ومنع أظهار الدعم والتعاطف مع الفلسطينيين وإدانة الجرائم الإسرائيلية ضد المدنيين والمنشآت المدنية.

الصور التى تأتى من غزة والضفة الغربية زادت حالة الاحتقان السياسى فى بريطانيا. فعدد من المتظاهرين الرافضين للعنف الدموى ضد الفلسطينيين توجهوا إلى «حى فنشيلي» شمال لندن، وهو حى يقطنه الكثير من اليهود، للتعبير عن الإستياء من جرائم إسرائيل. ومن عرباتهم لوح المتظاهرون بالاعلام الفلسطينية ورددوا عبارات مناوئة لليهود وإسرائيل.

أدان رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون الأمر بوصفه عملا شائنا فليس كل يهودى فى بريطانيا مؤيدا لسياسات رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو.

وكتب جونسون على تويتر: «لا مكان لمعاداة السامية فى مجتمعنا». كما أدانت باقى الأطياف السياسية فى بريطانيا الحادثة على اعتبار ان إلقاء كل يهود بريطانيا فى سلة واحدة واعتبارهم مؤيدين لما يحدث فى الأراضى الفلسطينية هو نوع من العنصرية غير المقبولة. فهناك منظمات مثل «يهود من أجل العدالة للفلسطينيين» تأسست فى بريطانيا منذ 2002 تدافع عن الحقوق السياسية والمدنية للشعب الفلسطينى وتعارض السياسة الإسرائيلية الحالية تجاه الأراضى الفلسطينية المحتلة وتتكون عضويتها فى المقام الأول من يهود بريطانيين .

لكن فى المقابل هاجم مايكل فابريكانت، النائب عن حزب المحافظين فى البرلمان المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين ووصفهم بأنهم «بدائيون». وكتب على «توتير» معلقاً على الاشتباكات خارج السفارة الإسرائيلية وسط لندن: «هؤلاء الأعداء يحاولون أن يجلبوا إلى لندن ما يفعلونه فى الشرق الأوسط».

وفوراً أثارت تغريدته انتقادات لاذعة بتهمة «العنصرية». فمنظمة «الأمل لا الكراهية» البريطانية المناهضة للعنصرية شجبت تعليق فابريكانت قائلة «كيف تتم محاربة العنصرية بالعنصرية»، متهمة إياه بـ «العنصرية التى تثير الانقسام». وقالت المنظمة: «الوضع المتوتر يتطلب قيادة متوازنة ممن يريدون الجمع بين المجتمعات، وليس العنصرية البغيضة التى تثير الانقسام. يجب على حزب المحافظين تعليق عضوية مايكل فابريكانت بسبب هذا التعليق المخزي»، موضحة أنه إذا كان من العنصرية تحميل اليهود البريطانيين المسئولية عن السياسة الإسرائيلية، فإنه من العنصرية أيضاً وصم المتظاهرين المؤيدين للفلسطييين بـ «البدائية»، فالإشارة العنصرية فى الوصف لا تخفى على أحد.

سعى فابريكانت إلى تبرير تغريدته، قائلاً إن «الهجمات على الشرطة البريطانية كما يظهر فى الفيديو مشينة...إنه سلوك بدائى من قبل أناس يبشرون بمعاداة السامية أو العنصرية من أى نوع ، سواء كانوا يهودًا أو مسيحيين أو مسلمين. ويجب عدم تكرار أشكال معاداة السامية هنا فى المملكة المتحدة». لكن الانتقادات اللاذعة تواصلت ضده ما أجبره على إزالة تغريدته.

التظاهرات وحدها لا تكفى

هناك كثير من المشاعر المحمومة فى بريطانيا، ودعوات للحكومة البريطانية وغيرها من الحكومات الأوروبية للعب دور أكبر فى وقف العنف وسط حالة استياء من تراجع الدور الأوروبى منذ سنوات فى عملية سلام الشرق الأوسط.

منظمو تظاهرات بريطانيا المؤيدة للفلسطينيين ومن بينهم «حملة التضامن مع فلسطين»، و«أصدقاء الأقصى»، و«المنتدى الفلسطينى فى بريطانيا»، و«ائتلاف أوقفوا الحرب» و«حملة نزع السلاح النووي» و«رابطة مسلمى بريطانيا» اعتبروا أن التظاهرات وحدها لا تكفى ولابد من تحركات رسمية بريطانية وأوروبية لدفع إسرائيل لوقف العنف.

وقال متحدث باسم المنظمين: «من الضرورى أن تتخذ حكومة المملكة المتحدة إجراءات فورية. يجب أن تتوقف عن السماح لعنف إسرائيل الوحشى وقمع الشعب الفلسطينى بأن يمر دون عقاب». وأضاف ان قصف غزة «الذى يقتل مدنيين بينهم أطفال جريمة حرب... حكومة المملكة المتحدة متواطئة فى هذه الأعمال طالما استمرت فى تقديم الدعم العسكرى والدبلوماسى والمالى لإسرائيل».

ودعا منظمو الاحتجاجات الحكومة البريطانية إلى إدانة صريحة لا لبس فيها لقتل المدنيين. وتوجهوا من «هايد بارك» باتجاه السفارة الإسرائيلية فى كنسينجتون وهم يهتفون «فلسطين حرة» و«حياة الفلسطينيين تهم».

وخلال التظاهرات التى شارك فيها مثقفون وفنانون وسياسيون بريطانيون، تحدث زعيم حزب العمال السابق جيريمى كوربن، ووزيرة الداخلية السابقة فى حكومة الظل العمالية ديان أبوت إلى المتظاهرين الذين تجمعوا خارج السفارة الإسرائيلية.وقال كوربن: «فكر فى كونك أماً أو أباً ورؤية مبنى يُفجر أمامك، مع العلم بأن عائلتك موجودة هناك، ولا يمكنك فعل أى شيء..انهوا الاحتلال الآن. انهوا كل المستوطنات الآن وانسحبوا. أوقفوا حصار غزة الآن».

بينما قالت أبوت: «يجب أن نتذكر أننا جزء من حركة دولية. هذه حركة عالمية من أجل العدالة. الشعب الفلسطينى يصادر أراضيه.. ويقتلون الآن فى منازلهم. كل هذا غير قانوني».

وحتى الآن كان أقوى موقف بريطانى هو قول الناطق باسم وزارة الخارجية إن العنف المستمر «مقلق للغاية ويجب أن ينتهي». لا يوجد أى مبرر على الإطلاق لاستهداف المدنيين الأبرياء. كلا الجانبين بحاجة إلى وقف التصعيد وإعطاء الأمل لشعبيهما، والذى لا يمكن أن يأتى إلا من خلال الحوار السياسي.

لكن اليسار البريطانى تواجه ضغطا شديدا من اللوبى اليهودى فى بريطانيا. فبعد الاتهامات التى سادت خلال زعامة كوربن لحزب العمال بانتشار معاداة السامية داخل الحزب، بات من الصعب بشكل متزايد على الزعيم الجديد للحزب كير ستارمر التعبير عن وجهة نظر قوية حيال ما يحدث فى الأراضى الفلسطينية المحتلة.

ففى أبريل الماضي، اضطر ستارمر إلى الانسحاب من إفطار رمضانى لأن أحد منظمى الافطار مؤيد لمقاطعة التمور الإسرائيلية التى تزرع فى أراض فلسطينية محتلة فى الضفة الغربية.

انسحاب ستارمر من الافطار الجماعى كان أقوى مؤشر على الرعب الذى بات يمسك بعصب حزب العمال من تهمة «معاداة السامية» علماً بأن قوانين الاتحاد الأوروبى تمنع استيراد أى منتجات زراعية إسرائيلية تزرع فى أراض فلسطينية محتلة. ويظهر خضوع ستارمر مدى الصعوبة التى يواجهها اليسار البريطانى تحت قيادته فى اتخاذ مواقف أكثر حزماً حيال الانتهاكات الإسرائيلية.

وما يزيد الغضب فى بريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية، هو الشعور أن العواصم الأوروبية لا تستطيع تصعيد لهجتها ضد ما يحدث فى غزة بسبب ضعف موقف البيت الأبيض. فالرئيس الأمريكى جو بايدن يجد نفسه عاجزا عن الضغط على نيتانياهو لوقف حملة القصف ضد الفلسطينيين. وبالتالى بينما تملأ التظاهرات شوارع أوروبية، إلا أن تأثيرها السياسى شبه معدوم، وإن كان لها تأثير اخلاقى فيما يتعلق بصورة ووضع إسرائيل على المسرح الدولي.

ملاحقة الرياضيين

بخلاف الأصوات المنتقدة لإسرائيل فى الصحافة اليسارية البريطانية مثل «الجارديان» و«الديلى ميرور» فإن أكبر تأثير على الرأى العام يأتى من الرياضيين والفنانين والمشاهير الذى أعرب العشرات منهم عن دعمهم الفلسطينيين، لكن ليس دون أن يدفعوا ثمناً لذلك الدعم تمثل فى الهجوم عليهم.

ومن بين هؤلاء اللاعبان المصريان فى الدورى الإنجليزى محمد صلاح ومحمد الننى فكلاهما غرد دعماً للفلسطينيين، ودعا إلى تحركات لوقف العنف.

فقد كتب صلاح «إننى أدعو جميع قادة العالم، بما فى ذلك رئيس وزراء البلد الذى كان موطناً لى طيلة السنوات الأربع الماضية، إلى بذل كل ما فى وسعهم للتأكد من توقف العنف وقتل الأبرياء على الفور. لقد طفح الكيل».

بينما كتب زميله فى ليفربول ساديو ماني: «فلسطين حرة». وكتب محمد الننى «قلبى وروحى ودعمى لكم يا فلسطين» مصحوبة بصور للمسجد الأقصى بالقدس وأعلام فلسطين.

وبعد نشر تغريدة النني، قالت «مجموعة لافاتزا» التى تنتج القهوة، وهى إحدى الرعاة الرسميين لنادى أرسنال الذى يلعب له النني، إنها ستجرى محادثات عاجلة مع النادى حول التغريدة بعدما تلقت شكوى من تال عوفر، العضو فى «مجلس نواب يهود بريطانيا» ضد التغريدة.

وقالت «لافاتزا» فى بيان عن تغريدة النني: «محتوى هذا المنشور لا يتماشى تماماً مع قيم شركتنا. مجموعة لافاتزا ملتزمة تمامًا بموقفها ضد العنصرية ومعاداة السامية».

كما تواصل العضو عوفر وصحيفة «جويش كورونيكل» اليهودية البريطانية مع شركة «أديداس» للملابس والأدوات الرياضية الراعية أيضا لأرسنال للشكوى من تغريدة النني، لكن «أديداس» لم تستجب للضغوط ورفضت مخاطبة أرسنال للاحتجاج على موقف النني.

ومع أن أرسنال دافع عن حق الننى فى التعبير عن رأيه، إلا أن النادى قال إنه سيتحدث معه حول «الجوانب الأوسع» للتغريدة وذلك فى إشارة إلى احتمالات خسارة ارسنال موارد مالية إذا قررت «لافاتزا» سحب رعايتها للنادي.

وقال ارسنال فى بيانه: «كما هو الحال مع أى عضو فى أرسنال، يحق للاعبينا التعبير عن آرائهم على منصاتهم الخاصة. ومع ذلك، فإننا نتحدث إلى الننى حول هذا الأمر كى يتفهم الآثار الأوسع لموقفه.. نحن ملتزمون بمواجهة والقضاء على جميع أشكال التمييز ومواصلة الدفاع عن الحاجة إلى المساواة والتنوع فى جميع مجالات الحياة».

لكن مشجعى كرة القدم فى بريطانيا من كل الأطياف احتشدوا للدفاع عن النني. وعلى مواقع التواصل الاجتماعى كتب كثيرون أن تغريدة الننى ليس بها أى شكل من اشكال معاداة السامية، بل فقط إدانة لمقتل المدنيين.

وعلق أحدهم على مواقع التواصل الاجتماعى «كيف تكون تغريدة الننى لا تتماشى مع قيم شركة لافاتزا؟ فما دعا له هو وقف قتل المدنيين. هل لافاتزا ضد وقف قتل المدنيين؟!».

بينما كتب آخر أنه سيمتنع عن شراء قهوة لافاتزا. وشارك العديد من المستخدمين الهاشتاج «مقاطعة لافاتزا» وسط موجة غضب إزاء ماركة القهوة بسبب الضغط على أرسنال. وترعى «لافاتزا» أيضا فريق ليفربول. وكتب ثالث «الرياضيون أشخاص عاديون ومن حقهم التعبير عن آرائهم وأفكارهم دون قيود، فحق التعبير والتفكير هو أول مبادئ الديمقراطية».

واستخدم الهاشتاج «نحن ندعم النني» باللغتين الإنجليزية والعربية، حيث جاء مشجعو كرة القدم للدفاع عن لاعب خط الوسط المصري.

طبعا لدى أرسنال مشجعون يهود كتب أحدهم دفاعا عن حق الننى فى التعبير عن رأيه قائلاً: «بصفتى يهودياً، وكابن أحد الناجين من الهولوكوست فقدت 39 من عائلتى، سأكتب إلى أرسنال لأقول إن وجهة نظر تال عوفر لا تمثل وجهة نظري.. أنا احترم الننى للتحدث علناً وأحترم النادى للسماح له بذلك».

وعلى غرار الننى لم يسلم لاعبا فريق «ليستر سيتي» ويسلى فوفونا وحمزة تشودرى من انتقادات اليمين البريطاني. فعقب فوز ليستر ببطولة كأس انجلترا، رفع اللاعبان علم فلسطين تضامناً مع الفلسطينيين ووضعا العلم فوق كتفيهما لالتقاط الصور. هذا الدعم العلنى دفع معلقين فى صحف مثل «ديلى تلجراف» للمطالبة بمعاقبة فوفونا وتشودرى من منطق «عدم الخلط بين السياسة والرياضة»، واستشهد أحد المعلقين بالغرامة المالية التى فرضت على مدرب نادى «مانشستر سيتي» بيب جوارديولا عندما أعرب عن دعمه لحركة كاتالونيا الانفصالية فى إسبانيا، لكن معلقين آخرين ردوا مشيرين إلى أن الفرق شاسع بين دعم حركة انفصالية فى دولة عضو بالاتحاد الأوروبي، وبين التعبير عن الدعم لشعب تحت الاحتلال يتعرض لحملة قصف بلا هوادة، وموت لمئات المدنيين ثلثهم من الأطفال. كما استشهد معلقون آخرون بما فعله الرياضيون فى وقت سابق من مقاطعة وإدانة لنظام الفصل العنصرى فى جنوب افريقيا لإنهاء نظام الابارتيد.

فى ظل حالة الدعم العام للفلسطينيين فى بريطانيا من غير المتصور تعرض الننى أو فوفونا او تشودرى أو غيرهم للعقاب، لكن التضييق مستمر ويتزايد وهذه هى المعضلة الأكبر فى حركة الدعم للفلسطينيين فى أوروبا. فمساحات التضامن مع الفلسطينيين تتضاءل باستمرار، وقدرة اللوبى اليهودى على إسكات الأصوات أو تخويفها تتزايد.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق