رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الترجمة والأدب الروسى فى عيون العاربة
تساؤلات حول موضوعية ودقة تراجم الأدب العالمى

موسكو ــ د. سامى عمارة
د.سامي الدروبي.. وفيودور دوستوفيسكي

تظل الترجمة من الروسية إلى العربية تفتقر إلى الكثير من الدعم والرعاية، والاهتمام الذى يليق باللغتين. حتى عندما تحول أبرز رموز الأدب والشعر فى روسيا ثم فى الاتحاد السوفييتى إلى عالم الترجمة ومنهم على سبيل المثال ألكسندر بوشكين من الرعيل القديم، وبوريس باسترناك من الرعيل الأكثر حداثة، كان اهتمامهم أكثر بالترجمة من وإلى اللغات الأوروبية.

كما أن الأديب الروسى ماكسيم جوركى حين قام بتأسيس دار نشر «الأدب العالمي» فى عام 1918 لم تجد العربية لها مكانا بين اللغات التى حظيت باهتمام هذه الدار. وظل الاهتمام بالعربية مقصورا على بعض مدارس الاستشراق فى روسيا، فيما اقتصر الجانب العربى على ترجمة عيون الأدب الروسى عبر لغة وسيطة كانت فى غالبيتها عن الفرنسية أو الإنجليزية مثلما فعل المترجم الأشهر سامى الدروبى فى مشروعه الذى يظل الأهم فى تاريخ ترجمة الأدب الروسى إلى العربية.


وحين بدأت الترجمة الروسية من وإلى العربية، تحظى بقدر من الاهتمام على ضوء انفتاح الاتحاد السوفييتى على الشرق، ظل القائمون عليها ولفترة طويلة بعيدين عن تلك الأطر التى تحددها نظرية الترجمة، لأسباب ليس آخرها عدم المعرفة الأكاديمية باللغة الروسية عند المترجمين الأوائل، فضلا عن جهل الكثيرين من مترجمى اليوم بأصول نظرية الترجمة، أو بقول أدق عدم اعترافهم بها. وعلى الرغم من أن نظرية الترجمة تستمد نشأتها وتدين بتطورها إلى جهود العلماء والباحثين منذ أزمان بعيدة، فإن الواقع يقول إن ما كان يندرج تحت اسم "النظرية" لم يكن يتعدى أساليب نقل النصوص وتباين هذه الأساليب بقدر اختلاف أنواع الترجمة من شفهية وكتابية من جانب، إلى الترجمة "التتابعية" و"الفورية" من جانب آخر وتنوعاتها من أدبية إلى علمية إلى تخصصية من جانب ثالث. ولم يحدث ذلك انطلاقا من المنظور العلمى لهذه التصنيفات، إلا فى وقت متأخر من القرنين التاسع عشر والعشرين. وعلى سبيل المثال لم يعرف العالم ما يسمى اليوم بـ "الترجمة الفورية" كعلم يجرى تدريسه وتدارسه إلا مع بدء محاكمات نورنبرج فى عقب نهاية الحرب العالمية الثانية التى وجدت تأصيلا لها مع قيام الأمم المتحدة فى عام 1945 ومنظمة اليونسكو فى عام 1946، وما تلا ذلك من ظهور المنظمات الدولية المتخصصة فى مختلف مناحى المعرفة.

ولعل المتابع لحركة الترجمة يمكن أن يتوقف عند ظاهرة انخراط كبار الأدباء والشعراء فى ترجمة أعمالهم، إلى جانب روائع نظرائهم فى البلدان الأجنبية، من الفرنسية والإنجليزية والألمانية التى كانت تجيدها الغالبية الساحقة من ممثلى ذلك الرعيل، وهو ما أسهم فى ظهور الكثير من الروائع الأدبية التى كانت رغم روعتها، تفتقد إلى الدقة بحكم معايير الزمان والمكان. وتقول المصادر الروسية إن بوشكين ومعاصريه كانوا فى طليعة هؤلاء، وكانت تراجمهم "أقرب الى إعادة إنشاء الأصول الأجنبية فيها من خلال اللغة الروسية". وتشير المصادر إلى أن تراجم ما قبل بوشكين كانت تفتقر إلى وجود معيار أدبى للغة، فى نفس الوقت الذى "كان بوشكين ينتقد فيه مبدأ الترجمة "الزخرفية"، من ناحية، ونفى الترجمة الحرفية باعتبارها تؤدى إلى العنف ضد اللغة الأم" من ناحية أخري. وذلك ما ينطبق عليه القول إنه كان محاولة "لترويس" النص المراد ترجمته، مثلما حدث مع العاربة ممن فهموا الترجمة فى بداياتها "بوصفها محاولة "لتعريب" ما يريدونه من نصوص أعجمية، دون اعتبار لما يتضمنه النص من روح وواقع يعيشه المؤلف، دون الالتزام بالأمانة فى النقل".

على أن ما يهمنا هنا يظل فى إطار ترجمة عيون الأدب الروسى إلى العربية وما شابها من قصور كان يعود بالدرجة الأولى إلى عدم معرفة المترجم بالروسية، واعتماده على التراجم الصادرة باللغات الأوروبية. ومن هنا تحديدا ظهرت أخطاء نقل ما تسميه نظرية الترجمة " الصبغة الوطنية للنص الأدبي" التى كان لنا شرف دراستها وتتبع أصولها فى أطروحتنا العلمية التى ناقشناها فى مطلع سبعينات القرن الماضى، فى توقيت خلا من مئات المراجع التى تزخر بها اليوم المكتبات العربية والأجنبية فى مجال "نظرية الترجمة". ورغما عما اتسمت به بعض تراجم ذلك الحين "المنخفضة الجودة"، فإنها يمكن أن تكون هاديا ومرشدا لما يجب أن تكون عليه التراجم "عالية الجودة". ونستشهد فى ذلك على سبيل المثال لا الحصر، ببعض مما حفلت به من أخطاء "كارثية"، ومنها نقل أسماء مشاهير أدباء روسيا ومنهم ليف تولستوى الذى ورد فى الترجمات إلى الإنجليزية "ليون"، وفى الفرنسية "ليو". أما عن السبب فى مثل هذه الأخطاء الفادحة فهو وقوع المترجم فى خطأ ترجمة اسم "ليف" التى تعنى بالروسية "الأسد"، إلى مرادفها بالإنجليزية "ليون"ـ وبالفرنسية "ليو"!!. حتى أسماء أبرز الزعماء تجرى ترجمتها نقلا عن اللغات الأوروبية، وليس الأصلية، ومنها على سبيل المثال "يوسف ستالين" الذى نجده فى كثير من التراجم العربية "جوزيف ستالين" نقلا عن اللغات الأوروبية، على الرغم من أنه بالروسية "يوسف" مثلما هو فى العربية "يوسف"، ومع ذلك نجد من يسقط طوعا فى شرك هذا الخطأ.

ولا يفوتنا بهذا الصدد اسم الاتحاد السوفييتى السابق الذى عرٌبه البعض "الاتحاد السوفياتي" رغم أنه لدى أصحاب الشأن "السوفييتي"- SOVIET بالياء وليس بالألف التى لا وجود لها فى هذه الكلمة، لا نطقا ولا كتابةً!!.

وبهذه المناسبة تقول نظرية الترجمة وتطبيقاتها إن أسماء الأعلام «تُنقل ولا تترجم ويجرى نقلها كما تُنْطَق، أو كما تُكْتَب، أو خليطا بين الأمرين" حسب قواعد دلالات الأصوات. وتلك كلها بديهيات تداركها كبار المترجمين العرب ممن ولجوا مع منتصف القرن العشرين عالم الترجمة من خلال دراسة اللغة الروسية كتخصص، وليس من باب المعرفة بحكم الإقامة أو الحاجة، شأن أقرانهم ممن سبقوهم إلى الاتحاد السوفييتي. وعلى الرغم من عدم اعتراف بعضهم بنظرية الترجمة كعلم قائم بذاته، فإن ما تزخر به المكتبة العربية من تراجم الأدب الروسى من لغته الأصلية، يظل فى صدارة ما يتداوله الملايين فى مختلف البلدان من ترجمات للروائع الروسية، وإن تظل بعض الترجمات المنقولة عن لغات وسيطة فى صدارة أجمل تراجم الأدب الروسى حتى اليوم. ومن هذه الروائع ما قدمه الأديب والوزير والسفير ذائع الصيت سامى الدروبى من ترجمات نقلا عن الفرنسية لدوستويفسكى وتولستوى وبوشكين وغيرهم، تظل الأفضل حتى اليوم، وهو الذى أعرب عميد الأدب العربى طه حسين عن شديد إعجابه بما يقدمه من ترجمات للأدب الروسى بقوله "إنه يعتبره مؤسسة بكاملها بل أحسن".

ويبقى تفسير ما أودعناه عنوانا فرعيا لهذا المقال، نقلا عن الأقوال المأثورة لفلاسفة اليونان بما يقول منها: "أيها المترجم، أيها الخائن"، إلى جانب الجناية على المرأة بما قالوه حول "إن الترجمة كما المرأة، إذا كانت أمينة فهى غير جميلة، وإذا كانت جميلة، فهى غير أمينة". وفى الأمرين تجن واضح على كليهما: المرأة والترجمة!  

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق