قد تبدو مشكلتى تافهة، ولكنها كادت أن تهدم حياتى ثلاث مرات، وهى تتعلق بأبى وزوجى معا، فأنا سيدة عمرى سبعة وثلاثون عاما، ولدىّ ثلاثة أطفال من زيجتين.. الأولى عن طريق أبى، حيث زوّجنى زميلا له فى العمل، وأقمنا بين أهلى وأهله، وذقت الأمرين في إرضاء الجميع، ولم أفلح بالطبع، حيث إن كل طرف مقتنع بوجهة نظره حتى فيما يتصل بحياتى مع زوجى وأبنائى، ولم يتحقق لى الاستقرار الذى ظللت أنشده، وفشلت حياتى الزوجية، وانتهت بالطلاق.
ومرت الأيام، وتزوجت مرة أخرى، واستمرت هذه الزيجة ثمانى سنوات، وتكررت المشكلة نفسها بسيطرة أبى على حياتى، واستغلال حبى له، إذ كنت حريصة على إرضائه حتى لو على حساب نفسى، وكان أخوتى أيضا يصنعون هذا الصنيع من منطلق أن أبانا من حقه أن يفعل ما يشاء، ولم تدم زيجتى طويلا، إذ انفصلت للمرة الثانية لأن طليقى لم يتحمل تدخل أبى فى كل شىء، وبعد فترة قابلت شابا وجدت فيه الحب والأمان، واعتبرته تعويضا لى عما واجهته من صعاب، ولكن سعادتنا لم تدم طويلا، بعد أن سكن أبى فى العقار المواجه لنا، حيث ركّز على تصرفات زوجى، وظللت حائرة بينهما، فكل منهما يحاول أن يجذبنى إلى صفه، ويبعدنى عن الآخر حتى تعبت من كل شىء، وأصابنى اكتئاب شديد، مازلت أعانيه.
إننى أحب زوجى جدا، وفى الوقت نفسه أحب أهلى، ولا أعرف كيف أتصرف، فهل أرضى زوجى على حساب أهلى، أم أفتعل مشكلات معه من أجل خاطر أهلى الذين يريدون فرض إملاءات على حياتى الشخصية، ويتدخلون فى كل كبيرة وصغيرة؟، كما يريد أبى أن يكون هو «الآمر الناهى» فى حياتى.
إن أخوتى يمتثلون لكل ما يفرضه عليهم لحاجتهم إلى المساعدات المادية التى يقدمها لهم، أما أنا فأعمل، ومستقلة بحياتى مع زوجى، ولا نحتاج إلي مساعدة أحد، ولا يوجد سبب يجعلنى أقبل تدخله فيما يخصنى من أمور سوى أننى مرتبطة به، وأسعى دائما إلى إرضائه لكيلا يغضب منى.. إن زوجى يطالبنى بأن ننقل سكننا بعيدا عن أهلى، وأخشى إن رفضت طلبه أن تفشل زيجتى الثالثة، وأصبح فى مهب الريح، فبماذا تنصحنى؟.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
الأصل فى العلاقات الزوجية أن تقوم على المودة والرحمة والمعاشرة بالمعروف، والاحترام المتبادل بين الزوجين؛ لقوله تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (الروم/21)، وطاعة الزوجة لزوجها واجبة - فى حدود طاعة الله - فيما فيه حفظ للأسرة والعلاقة بينهما من الفساد والإفساد، ويمكنها التوفيق بين طاعة زوجها وطاعة والديها، والحرص على المواءمة بين الطاعتين، إن لم يكن هناك تعارض بينهما، فإذا حدث التعارض يجب النظر فى الأمر حينها، فلو تعلق بأمر مباح من جانب الزوج، وفيما يخص حياتهما الأسرية، وكانت المصلحة ظاهرة فيه، فعلى الزوجة تقديم طاعته على طاعة والديها، وأما إن كان أمر الوالدين فيما لا علاقة له بحياتها الزوجية، وكان فيه مصلحة ظاهرة تتعلق بحقوق الوالدين، فتقدم طاعتهما على طاعة الزوج.
والواضح أن مشكلتك تتعلق بأمر حياتك الزوجية، ولا يحق لأبيك التدخل فيها، ومن حق زوجك عليك أن تطيعيه بالانتقال إلى مسكن آخر، وليكف أبوك عن التدخل فى حياتك الزوجية، وحياة أخوتك، فهم أيضا سيأتى اليوم الذى يضيقون فيه من تصرفاته، فتحدث القطيعة، وتطفو إلى السطح مشكلات عديدة تتعلق بقطع صلة الرحم، ومن ثم تدورون جميعا فى حلقة مفرغة!
إن طاعة كل من الوالدين والزوج واجب شرعى، فإذا استطاعت المرأة أن تُطيع الجميع وتُرضى الكل فذلك أفضل، وإذا لم تستطع بأن تعارضت طاعة الزوج وأحد الوالدين، أو هما معا، فالواجب عليها حينئذ تقديم طاعة الزوج فى المعروف على طاعتيهما، فنصوص طاعة الوالدين لا تتعارض مع نصوص طاعة الزوج، وإنما كل بحسب الحال، وهو ما يُسمى بـ «التخصيص»، فطاعة الوالدين ثابتة مادامت ولاية المرأة تحت ولاية والديها، فإذا انتقلت ولايتها إلى زوجها صارت الطاعة لازمة فى حقها لزوجها، ولعل والدك يعقل الأمور، فما يحدث بينه وبين زوجك هو من نزغات الشيطان ووساوسه، وعلى الجميع الانتباه لذلك، وليعلموا أن الله أمر بإصلاح ذات البين، فقال: «فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ» (الأنفال 1)، وأرجو أن يعى والدك ذلك، فيتراجع عن تدخله فى حياتك، فتستقيم الأمور، وتنعمون بالهدوء والطمأنينة وراحة البال.
رابط دائم: