«كل شيء مباح فى الحب والحرب»، مقولة تبدو صحيحة تماما، فالعشق حينما يعلن نفسه، لا تعنيه المعارك والحروب ولا تعيقه التحركات السياسية، لذلك لم يكن مستغربا أن يجد نابليون بونابرت وقتا لإثراء حياته بالعديد من العلاقات العاطفية التى سارت بالتوازى مع زخم تاريخه العسكرى.
استطاع الإمبراطور الفرنسى بونابرت، بحسه المرهف وذوقه الراقى، استمالة قلوب النساء من حوله، ونجح فى غزوهن كما كان يغزو بلاد العالم، فكانت لديه علاقات نسائية عديدة، لكن إحدى أعظم علاقات الحب فى التاريخ، كانت عندما سقط الإمبراطور فريسة لحب زوجته جوزفين دى لا باجيرى، التى أسرت قلبه وهو لا يزال ضابطا صغيرا.
بدأت القصة حينما التقى الاثنان فى إحدى الحفلات عام 1795، كان نابليون مفتونا بتلك المرأة البسيطة الذكية ابنة الأرستقراطى المقامر. وفى مارس عام 1796، قرر الزواج منها رغم أن ذلك لم يلق استحسانا من أسرته التى صُدمت لزواج ابنهم من أرملة تكبره فى السن بحوالى 6 سنوات ولديها طفلان، فكما بدا واضحا، لم تكن جوزفين تكن نفس المشاعر لنابليون، و كان زواجها منه بمثابة «فرصة» للحصول على ظروف معيشية جيدة لها ولأطفالها.
بعد أيام قليلة من زواجهما، اضطر نابليون بصفته إمبراطورا لمعظم أنحاء أوروبا وقتها، إلى ترك عروسه الجديدة فى باريس لينضم إلى جيشه فى إيطاليا، لكنه حرص على إغداق زوجته الحبيبة بمئات الرسائل الغرامية. وجاء فى رسالته الأولى:«كلما وضعت يدى على قلبى، شعرت بوجودك فيه واغتبطت غبطة لا توصف، فأنا لا أرى فى هذه الحياة ألما سوى هذا الفراق».
لكن كما يقولون، كثيرا ما يُقهر العظماء فى الحب وليس فى ساحات المعارك، فنابليون الذى كان بارعا فى احتلال المدن والاستيلاء على الامبراطوريات، فشل فى أن يستولى على قلب حبيبته الوحيدة. وبينما كان القائد العسكرى يقود المعارك ضد الأعداء، كانت هى مشغولة بحياة الترف فى باريس، حيث كان الجميع ينظر إليها بإعجاب ويجلسون عند قدميها للاستمتاع بمحادثتها. ليس هذا وحسب، بل استسلمت لمغازلة رجال المجتمع الذين انتهزوا فرصتهم للتقرب منها بينما انشغل زوجها بعيدا عن باريس.
استمر نابليون فى إرسال رسائله الغرامية المكثفة من مختلف الساحات العسكرية فى جميع أنحاء العالم, لكنه أمضى الكثير من الوقت فى تأنيب حبيبته لعدم الرد عليه كما شاء. وكانت نتيجة ذلك أن انقلب السحر على الساحر، وبدأ الجنرال العسكرى ينصرف عن الاهتمام بزوجته وانهمك فى الحروب والمعارك، وانغمس أيضا فى العديد من المغامرات العاطفية التى أسفرت عن إنجاب أطفال غير شرعيين وصلت صداها لجوزفين، فأصبحت تغار على زوجها بشدة وباتت هى التى تطارده، لكن بعد فوات الأوان.
خلال هذا الوقت، تمكن الإمبراطور الصغير من استعادة السيطرة الفرنسية على إيطاليا بعد هزيمة النمساويين، وأنشأ بنك فرنسا وأصلح نظام التعليم لكن ما رغب فيه نابليون أكثر من أى مجد آخر كان وريثا شرعيا. وفشلت جوزفين فى منحه ابنا أو ابنة، وقتها أخبرها أنه، من أجل مصلحة فرنسا، يجب أن يجد زوجة يمكنها أن تنجب وريثا، ورغم غضبها وافقت على الطلاق فى يناير عام 1810. وقيل إن الاثنين بقيا على علاقة جيدة وسمح نابليون لجوزفين بالاحتفاظ بلقب الإمبراطورة.
لم تكن هناك امرأة مناسبة للزواج من نابليون أكثر من مارى لويز البالغة من العمر 19 عاما، فهى حفيدة الإمبراطورة ماريا تيريزا وابنة الإمبراطور فرانسيس الثانى من النمسا، وقد تم تربيتها منذ ولادتها لتكون العروس الأكثر تأهيلا فى أوروبا، حيث تلقت تعليما شاملا بجانب إجادة العزف على البيانو والجيتار والقيثارة. وأدركت أهمية إدارة العلاقات الدبلوماسية. كانت مارى ذكية ومرحة، وفى مارس عام 1810، تزوجت نابليون بونابرت الذى كان يكبرها ببضع سنوات، فى حفل كبير، لكنها لم تكن سعيدة أبدا بهذا الزواج. بعدها بعام واحد، أنجبت مارى لويز ملك روما، نابليون فرانسوا جوزيف تشارلز، الوريث الذكر الذى توقعته جميع الأطراف منها، لاحظ نابليون بعد فترة أنه على الرغم من افتتانه السريع بمارى لويز، إلا أنه قد تزوج من «رحم» فرغم طلاقه من زوجته الأولى، إلا أنها ظلت فى قلبه لبقية حياته، ولم تنقطع الكتابة والتراسل بينهما. والرسالة الأخيرة التى كتبها لجوزفين تحمل تاريخ 16 أبريل 1814 أى عشية رحيله منفيا إلى جزيرة «إلبا» قبالة السواحل الإيطالية قائلا: «وداعا أيتها العزيزة جوزفين، أذعنى أرجوك كما أفعل أنا، ولا تنسى أبدا ذاك الذى لم ينسك ولن ينساك ما عاش».
يقال إنه عندما سمع نابليون نبأ وفاة جوزفين وهو فى منفاه، حبس نفسه فى غرفته ولم يخرج منها لمدة يومين، بينما كانت كلماته الأخيرة على فراش الموت فى عام 1821 فى منفاه الأخير فى جزيرة سانت هيلانة هى..فرنسا، الجيش، جوزفين.
رابط دائم: