وضعت المناقشات البرلمانية لمشروع القانون المتعلق بتنظيم ترخيص زراعة واستعمال نبات القنب الهندى للأغراض الطبية بالمملكة المغربية، أو «تقنين الكيف» كما تطلق عليه وسائل الإعلام، حزب العدالة والتنمية فى مأزق كبير ومواجهات ساخنة على جميع الجبهات، وعمقت من عزلته قبل أشهر قليلة من الانتخابات المحلية والتشريعية المغربية، المقرر إجراؤها خلال العام الحالي.
فبعد مرور أقل من شهرين على إقرار الحكومة المغربية، التى يقود الحزب ذو التوجه الإسلامى ائتلافها، لمشروع القانون وإحالته إلى البرلمان، اتخذ نواب العدالة والتنمية موقفا رافضا لإقراره، وشنوا هجوما واسعا على وزارة الداخلية التى أعدت القانون، خلال مناقشته فى لجنة الداخلية بمجلس النواب المغربي، معتبرين أن هناك خلفيات سياسية وراء إخراج القانون قبل الانتخابات المقبلة، وذهب بعض نواب الحزب إلى أن الدولة «عاجزة عن محاربة أباطرة المخدرات الذين يستعبدون المزارعين البسطاء»، على حد وصفهم، كما تحدثوا عن وجود «دراسة سرية» حول الجدوى من تقنين زراعة القنب الهندى لأغراض طبية وصناعية بالمملكة المغربية.
الداخلية ترد
وخلال النقاشات، فند عبد الوافى لفتيت، وزير الداخلية المغربي، الاتهامات التى أطلقها نواب حزب العدالة والتنمية «البيجيدي» خلال النقاشات، معتبرا أن نواب الحزب يعارضون من أجل المعارضة، مطالبا إياهم بتقديم «مقترحات لتعديل القانون وإغنائه، لأنه ليس قرآنا منزلا».
وأكد لفتيت أنه لا توجد أى علاقة بين مشروع قانون القنب الهندى والانتخابات المغربية المقبلة، مستغربا هذا الربط، حيث إن منطقة الشمال المعنية بهذا القانون لا تضم أكثر من 400 ألف صوت انتخابي، موضحا أن تداعيات جائحة كوفيد 19 دفعت الحكومة إلى تسريع محاولة إقرار هذا المشروع، وأيضا لأن المغرب تأخر فيه.
ورفض وزير الداخلية المغربى بشدة اتهامات نواب «البيجيدي» بأن الدولة عاجزة عن محاربة أباطرة تجارة المخدرات، وردا على وجود دراسة جدوى سرية حول تقنين زراعة القنب الهندي، أكد لفتيت أن مشروع القانون «لم يسقط من السماء»، مشيرا إلى أنه تم تكليف فريق يضم خبراء من الوزارة بدراسة مشروع القانون منذ ثلاث سنوات، وتم إجراء مشاورات مع مختلف المؤسسات، فضلا عن زيارات ميدانية إلى الأقاليم المعنية بزراعة القنب الهندي، معبرا عن استعداده لتقديم نتائج الدراسة للبرلمانيين من أجل الاطلاع عليها تزامنا مع دراسة القانون، ونفى وجود دراسة سرية أو أن الوزارة تتستر عليها.
جدوى القانون
نواب حزب العدالة والتنمية عبروا، خلال الجلسة ذاتها، عن رفضهم المصادقة على مشروع القانون دون توسيع دائرة النقاشات فى البرلمان، وطلب رأى المجلس الاقتصادى والاجتماعى والبيئى المغربي، والمجلس الوطنى لحقوق الإنسان، ومجلس المنافسة، فيما يمكن اعتباره عرقلة لمشروع القانون، الذى سبق أن أقرته حكومة سعد الدين العثمانى أمين عام الحزب، خصوصا بعد طلب نواب «البيجيدي» أن يصدر المجلس العلمى الأعلى فتوى فى الموضوع، وهو ما قوبل برفض عدد كبير من نواب الأحزاب الأخرى، الذين طالبوا بإبعاد الأمور الدينية عن آليات التشريع.
وبعد أقل من أسبوع على هذه الجلسة البرلمانية الساخنة، كشفت وزارة الداخلية المغربية عن تفاصيل دراسات الجدوى، التى أعدتها حول «تطوير نبتة القنب الهندى وطنيا لأغراض طبية وتجميلية وصناعية»، وتم عقد لقاء بلجنة الداخلية فى مجلس النواب لاستعراض هذه الدراسات، حيث أكدت الوزارة أن المغرب «يمكنه أن يستثمر الفرص التى تتيحها السوق العالمية للقنب الهندى المشروع بالنظر إلى مؤهلاته البشرية والبيئية، علاوة على الإمكانيات اللوجستية والموقع الاستراتيجى للمملكة القريب من أوروبا، التى تعد الأكثر إقبالا على منتجات القنب الهندي. وأضافت الداخلية أن هذه الدراسات أظهرت كذلك أن «تطوير الزراعات المشروعة للقنب الهندى كفيل بتحسين دخل المزارعين وحمايتهم من شبكات التهريب الدولى للمخدرات، وسيحد من الانعكاسات السلبية التى يفرزها انتشار الزراعات غير المشروعة على الصحة والبيئة».
الحل الأمثل
نقاشات مشروع قانون الكيف فى البرلمان المغربى لم تجعل حزب العدالة والتنمية فى مواجهة مع وزارة الداخلية فقط، بل جعلته فى مواجهة أيضا مع باقى الأحزاب الممثلة فى مجلس النواب المغربي، والتى ترى فى القانون حلا لعدد كبير من المشاكل، ودعما للاقتصاد المغربي، الذى تأثر بشدة جراء الانعكاسات السلبية لجائحة كوفيد 19 على العديد من القطاعات فى البلاد.
وقد عمقت هذه الخلافات، حول مشروع القانون، العزلة التى بات يعانيها الحزب ذو التوجه الإسلامي، بعد الخلافات مع باقى الأحزاب حول عدد من مشاريع القوانين والقرارات المتعلقة بتنظيم الانتخابات المحلية والتشريعية المقبلة، التى لم يتحدد موعدها بشكل نهائى حتى الآن، وإن كانت كل المؤشرات ترجح أن تجرى خلال شهر سبتمبر 2021، وترى الأحزاب أن العدالة والتنمية يحاول بكل الطرق تحقيق أغلبية فى تلك الانتخابات تضمن له قيادة الائتلاف الحكومى لولاية ثالثة.
ويرى سياسيون أن الحزب يحاول من خلال عرقلته لمشروع القانون كسب الأصوات المعارضة له، والتى يروج بعضها إلى أن القانون يبيح تداول المخدرات فى المغرب، على الرغم من تكرار وزارة الداخلية التأكيد على أن القانون لا يتضمن مثل هذه الأمور، وأنه يندرج فى إطار مسايرة التدرج الذى حدث فى القانون الدولى من منع استعمال نبتة القنب الهندى إلى الترخيص باستعمالها لأغراض طبية وصناعية، فى ظل مواد الاتفاقية الوحيدة للمخدرات بصيغتها المعدلة ببروتوكول 1972، وتفعيلا للتوصيات الجديدة التى قدمتها منظمة الصحة العالمية بشأن إعادة تصنيف هذه النبتة بالشكل الذى يتناسب مع المستجدات العلمية التى أظهرت أن لها مزايا طبية وعلاجية، بالإضافة إلى استخدامها فى صناعة مستحضرات التجميل، وغيرها من المجالات.
وسيظل حزب العدالة والتنمية يحاول التشبث بأى فرصة يمكن أن تزيد فرص حصده للمقاعد البرلمانية فى الانتخابات المقبلة، خصوصا مع تراجع شعبيته واتساع دائرة الرفض للإجراءات التى تتخذها حكومة العثمانى لمواجهة آثار جائحة كوفيد 19، خصوصا على الصعيد الاقتصادي، حيث تعانى فئات كثيرة جراء هذه الإجراءات.
رابط دائم: