أكتب إليكم عن الشيخ محمد رفعت المُلقّب بـ «قيثارة السماء» فالاستماع إلى قرآن المغرب والأذان بصوته من الطقوس الرمضانية، وتبدأ حكايته عندما بلغ الخامسة من عمره، حيث وهبه والده لخدمةِ القرآن الكريم وحفظه وتلاوته، فحصل على شهادة إجادة حفظ القرآن وتجويده قبل بلوغه سن السادسة عشرة، وتمَّ تعيينه قارئًا لسورة «الكهف» يوم الجمعة بمسجد فاضل باشا - وهو مسجد أثرى يقع فى منطقة السيدة زينب - ولم يكن قد تجاوز الخامسة عشرة من عمره، وكانت ساحة المسجد تضيق بالمصلين الذين أتوا لسماع هذا الصوت الملائكى، وظلَّ يقرأ القرآنَ ويرتله فى هذا المسجد قرابة ثلاثين عامًا، والشيخ رفعت هو أول من افتتح الإذاعة المصرية فى الخميس 31 مايو 1934، وقدَّمه للقراءة عبر الميكروفون محمد سعيد لطفى باشا مدير الإذاعة وأحمد سالم مدير استوديو مصر، وقرأ يومها «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا» (سورة الفتح)، واستمرت تلاواته الحية على الهواء بعد ذلك لاسيما فى رمضان،
أما تسجيلاته فكانت جميعها تقريباً من تسجيل أحد أكبر محبيه وهو زكريا باشا مهران من أعيان مركز القوصية فى أسيوط وكان عضوا بمجلس الشيوخ المصرى ، ويعود إليه الفضل فى حفظ تراث الشيخ رفعت الذى نسمعه حاليا فقد كان حريصا على تسجيل حفلاته التى كانت تذيعها الإذاعة المصرية على الهواء واشترى لذلك خصيصا اثنين من أجهزة الجرامافون من ألمانيا . واستطاع مسئولو الإذاعة أن يحصلوا على تلك التسجيلات ، وتمَّ إعادة طبعها بعد الاستعانة بالقارئ الشيخ أبو العينين شعيشع لاستكمال بعض الآيات وربطها فى الأسطوانات المسجَّلة لوجودِ عيوبٍ فنيةٍ بها، وهذه التسجيلات المنقحة هى التى تذاع حتى الآن.
كان الشيخ رفعت طيبًا متواضعًا، وعُرف عنه العطف والرحمة والشفقة بالفقراء والبسطاء وكان عفيفَ النفس زاهدًا فى الحياة ، فلم يكن طامعًا يوما فى مال أو جاه ، وإنما كـان ذا مبـدأ ونفـس كريمة، وفى عام 1943 م أُصيب بمرض «الزغطة» نتيجة ورمٌ فى حنجرته، فتوقف عن التلاوة نهائيًّا وظل قعيدًا بمنزله يطوف على الأطباء ولكن دون جدوى، ثم اشتدَّ عليه المرض فصار يهاجمه أغلب ساعات يومه دون انقطاع حتى فارق الشيخ الحياة فى 9 مايو عام 1950م، ودفن بجوار مسجد السيدة نفيسة فى مقبرة أعدها مسبقا، وكان من عادته أن يقرأ أمامها ما تيسر من آيات الذكر الحكيم يوم الأثنين أسبوعيا، رحم الله صاحب الصوت الحنون الذى مازال يجلجل على أمواج الأثير، ليصل إلى أعماق القلوب مردِّدًا آيات الله فى الآفاق.
د. أنس عبدالرحمن الذهبى
رابط دائم: