رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بوار الرمان

كرم الصباغ;

عادة ما تحط الطيور على شجرة الرمان الشائخة التى تواجه شباك الدار، لكنها سرعان ما تطير نافرة، ثمة يمامة وادعة لم تغادر أبدا تلك الشجرة صيفا شتاء، غير مكترثة بالأشواك التى احتلت منابت الثمر، لم يلحظ أحد قط ذلك الحبل السرى الرابط بين اليمامة القعيدة والشجرة البائرة سوى هذا الفراش الضائق بغطاء الصوف الخشن المبسوط على أريكته الفقيرة، شعر بالحر الغليظ يحاصر روحه رغم زمهرير البرد وانهمار المطر، حط عصفور منكمش على حافة الشباك طالبا الدفء والاصطلاء، ود لو أعار ريشه المبتل جمر قلبه المحترق، أبصر أحطاب القصعة الملتهبة، وأنصت إلى قعقعة الخشب المشتعل، فعقد المقارنة، وقبض على أوجه الشبه، ابتسم بمرارة، وأسلم قلبه إلى زوايا الحنين، ها هو يرى صباح قابعة فى ركن دافئ تهب الدار بهجة، وتستعير من لمبة الكيروسين الضوء الشحيح، منكفئة على الكتب، تحملق فى السطور، تلتهم الأحبار التهاما، على الأريكة المقابلة ينحت الفراش ابنته بعينين حانيتين، فينتشى، ويسحب البراد من ركية الجمر مسرعا إليها بكوب الشاى الساخن، فتبادله ابتسامة هادئة كانت كافية لتلوين جدران قلبه المثقل بالهموم، لكم انحنى؛ كى يجمع أوراق القمامة من أروقة مدرسة النجع!

كم بث إلى مكنسته أنات الوجع! صباح فراشة فى الفناء تلهو وسط زميلاتها، تراه مكتسيا بذرات الغبار، تهرول نحوه، تقبل يديه أمام الجميع، فيشعر أن آلام الانحناء تزول، تنفرج الدوائر المغلقة، تدخل صباح من باب الدار مشرقة كشمس صافية، تنطلق الزغاريد، ينبت بقل الربيع فى مرعى قلبه جملة واحدة، يعاود التحديق فى شجرة الرمان، يبصر اليمامة الحائرة، تنعى عشها المحترق بصاعقة البرق، يدير بصره نحو الباب، فيرى صباح تخطر فى معطفها الأبيض، يرافقها إلى موقف السيارات، يسير بجوار طالبة الطب متباهيا، يشعر بأن رقبته تجاوز السحاب، يعانقها كما يعانق النسيم اليمام، يعود محلقا، فجأة تنتزعه أيد خشنة من سديم الزرقة الناعم، تلقيه على أريكته الفقيرة، تعود صباح غارقة فى السكون، قد امتزج فى وجهها المرمرى خيط من دم وابتسام، تتيبس أجنحة اليمامة، تستطيل أسنة الشوك، تخترق قلب الفراش، تذبح الثمار، تكتسى شجرة الرمان بأردية البوار والحداد



 

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق