مدكور:انتقد الفلسفة ورأى ابن سينا وأرسطو أنصاف فلاسفة
سيدبى: اعتمد منهج الذوق الحدسى فى دراسة التصوف
عزب: جسد الواقع المعرفى
حول مكانة شيخ الأزهر الأسبق الدكتور عبد الحليم محمود فى التفكير الإسلامى وتطوره، وأصالة النظرة العقلية عنده، أجمع عدد من العلماء على تفرده بملكات مكنته من انتقاد الفلسفة وتجسيد المعرفة، وذوق التصوف.
فى البداية قال د. جمال رجب سيدبى، نائب رئيس جامعة السويس سابقا إنه يُعد من كبار المفكرين المعاصرين، ومن دعاة إعمال العقل والأخذ بالسببية فى مضمار التحضر، وحرى بنا أن نستفيد من أفكاره فى حياتنا المعاصرة. فله دور كبير فى إثراء وتطور الفكر الفلسفى الإسلامى، تشهد بذلك كتاباته عن التفكير الفلسفى فى الإسلام، وفلسفة ابن طفيل، والفلسفة والحقيقة، والمشكلة الأخلاقية والفلسفة (مترجم)، والأخلاق فى الفلسفة الحديثة (مترجم). وتوضح دراسة أكاديمية بعنوان «الموقف الفلسفى بين بديع الزمان النورسى وعبد الحليم محمود» مكانته، كما تثبت أصالة النظرة العقلية التى لا تصطدم مع لغة الذوق، أوالنزعة الروحية (الصوفية) عنده. وأضاف : إن عبد الحليم محمود اهتم بالتصوف على المستوى الأكاديمى، وكان متصوفًا متحققًا متذوقًا، له كتابات متنوعة عن قضايا التصوف وأعلامه، معتمدًا منهج الذوق والحدس، وخاصة فى عالم ما وراء الطبيعة، وهذا ما جعل دراساته علامة فارقة، فلم يساير غيره من الكتاب فى الشرق والغرب، ورد على المستشرقين الذين ردوا التصوف إلى مصدر أجنبي، يونانى أو فارسى أو هندى أو غيره. ويمكن القول إنه بآرائه وأفكاره يمثل الوسطية الإسلامية.
فى سياق متصل، يقول د. عبد الحميد مدكور أستاذ الفلسفة الإسلامية وأمين عام مجمع اللغة العربية: لم تصرفه عنايته بالتصوف عن التأليف فى الفلسفة بمعناها الاصطلاحى، وفى موقف الإسلام من الفن والعلم والفلسفة، والإسلام والعقل، الذى يعدّه أهم كتاب يلخص تجربته الفكرية، كما نقَد الاتجاه المادى الذى اتسمت به المدرسة الفرنسية فى علم الاجتماع على يد أوجست كونت ودور كاييم وليفى بريل، وكان لاتصاله بالفلسفة عمومًا أثر واضح فى ظهور اتجاه نقديّ صارم فى تناوله لكثير من مسائل الفلسفة وأعلامها الكبار.
ويضيف مدكور: لا ينكر الشيخ عبدالحليم أن ما قدمه الفلاسفة يكشف عن عبقرية أصحابها فى بناء المذاهب الفكرية، وفى إحكام الآراء، وجمع الأدلة والبراهين التى تدخل صياغتهم لها، لكن دراسته للفلسفة جعلته ينتقدها، ويقدم لها تصورًا يختلف عن تصور غيره من القدامى والمحدثين، حيث ينتقدها من حيث علاقتها باليقين، فالآراء الفلسفية ليس فيها مسلَّمات، وهى عند التحليل والمقارنة مختلفة دائمًا، والخلاف فيها مستمر، وكل مدرسة فلسفية تخطِّئ المدارس التى تخالفها، ويبين الخطأ من الصواب، والكمال من النقص من بين كل هذه الآراء المتناقضة، ومن ثم فإن قارئ الفلسفة لا يكاد يصل إلى يقين، بسبب ما فيها من التضارب والتعارض والرؤى المختلفة. وهى كما يقول: “ظنية، لا تريم عن ظنيتها على مدى العصور، وعلى مختلف البيئات، وهو نقد جدير بالنظر والاعتبار، ولكن الفلاسفة يدفعونه ويردون عليه بحجج كثيرة نجدها فى دفاع الفلاسفة عنها. ويوضح أن المسألة الثانية هى أن الفلسفة لديه ليست نشاطًا فكريًا خالصًا، بل تتكون من قسمين، أحدهما: المعرفة بالله، وثانيهما: معرفة الخير والعمل بها، وليست الفلسفة بحثًا بالعقل فحسب، بل تتضمن الرياضة الروحية التى يجب أن يتحلى بها الفيلسوف، على النحو الذى يظهر فى كلام الفارابى وابن سينا وابن طفيل، وغيرهم من الفلاسفة القدامى، وبخاصة أفلوطين الذى جمع بين الاستدلال العقلى والرياضة الروحية. وقد رتب على هذا الفهم للفلسفة عددًا من النتائج، من بينها: أن الغزالى الذى استكمل هذين الجانبين يُعد أكثر أصالة فى الميدان الفلسفى من ابن سينا وأرسطو اللذين لم يقطعا إلا نصف الطريق، النصف المتعلق بالجهد العقلي، وهؤلاء عنده أنصاف فلاسفة، أما الذين جمعوا الاستدلال العقلى والتجربة الروحية، فإنهم فلاسفة كاملون، ومنهم أفلوطين والفارابى وابن طفيل، ويتابع: كان من نتائج هذا التصور الخاص للفلسفة أنه لم يتقبل هذه التوسعة لفروعها التى ظهرت لدى بعض مؤرخى الفلسفة المحدثين، ومن أهمهم: الشيخ مصطفى عبد الرازق شيخ الأزهر، ثم الدكتور إبرهيم مدكور عالم الفلسفة ، وقد ذهبا إلى توسيع نطاق الفلسفة بحيث لا تقتصر على الجانب المشَّائى، ثم تضيف إليه علم الكلام والتصوف، وأضاف الشيخ عبد الرازق علم أصول الفقه، لكن الشيخ عبد الحليم يرى أن أصول الفقه ليس فلسفة، لأنه لم يتحقق فيه الكشف الروحى، ويبدو من تأمل هذا الرأى أنه يشترط لقبول الفلسفة أن تكون ذات طابع إشراقى صوفي. وأنه اشتبك مع قضايا عصره، ولم يكن تصوره للفلسفة صارفًا له عن التماس معها، فمصر فى رأيه ليست بلدًا زراعيًا فقط كما روج المستعمر، بل تجمع بين الصناعة والزراعة لتكتمل لها أدوات القوة والنهضة.

من جانبه يقول د.عبد الله عزب الأستاذ بكلية أصول الدين: إن الفيلسوف عبد الحليم محمود انعكاس حقيقى للشخصية الفلسفية الإسلامية، التى جسدت الواقع «المعرفى»، حيث جمع بين المقاييس العقلية والمعايير الروحية، من خلال مدراسته للتصوف الإسلامى. ورأى أن التفكير الفلسفى فى أى أمة لا يخلو من ثلاثة اتجاهات: الاتجاه الحسى الذى يرد جميع المعارف إلى الحس والتجربة، والاتجاه العقلانى الذى يرى أن العقل قادر على إيجاد حلول مناسبة لجميع الإشكاليات التى تطرح نفسها على الواقع الأمبريقى «التجريبى»، وأنه قادر على إيجاد أجوبة مناسبة للأسئلة المتعلقة بالحياة الآخرة، والاتجاه الروحى الذى يرجع المعارف إلى الوحى المباشر، وهو منهج علماء الكلام فى الإسلام، ويجمع بين الآراء العقلية والحسية، ويدل على أصالة الفكر الإسلامي.
ويضيف: من القضايا التى أدلى فيها بدلوه أيضا رفضه ما ذهب إليه البعض من أن التفكير الإسلامى منتخب من عقائد وفلسفة اليونان، فقد رد على هذه النظرة الظالمة فى مقدمة كتابه “التفكير الفلسفى فى الإسلام”، بأن النزعة الغربية حاولت منذ زمن بعيد اتهام الشرقيين بأنهم أقل من الغربيين فى جميع ميادين الحضارة، وتأثر بهذه الفكرة بعض مؤرخى الفلسفة الإسلامية. وتعد خصيصة التواصل من أهم خصائص التفكير الفلسفى المعاصر، ويمثل السؤال الأهم فى هذا الشأن ما توصل إليه د.عبدالحليم فى تفكيره الفلسفى عن الإسلام والغرب، والذى دعاه إلى هذا هو كتاب اللورد هيدلى “إيقاظ الغرب للإسلام” فقدم كتابه “أوروبا والإسلام” الذى وضع ميزاناً عقلانياً للتعامل الغربى مع الإسلام، والمنهجية المثلى للحكم على منهج الغرب فى تعامله مع هذا الدين.
رابط دائم: