رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الوجه الآخر

أنا سيدة متزوجة منذ ثلاثة عشر عاما، وعندما تقدّم زوجى لخطبتى عرفت أنه كان يريد الارتباط بزوجة عاملة من منطلق أن تساعده براتبها فى أعباء الحياة، ورحب أهلى به، وسعدوا بصراحة أبيه الذى أوضح لهم ظروفه، كما أن بيتنا قائم على التعاون بين أبى وأمى، وهما متفاهمان إلى أبعد الحدود، وقد تزوجنا بعد شهرين فقط من الخطبة، ولم أكن قد درست طباعه جيدا، فإذا به يتعمّد إهانتى أمام أهله، وبالذات أختيه، وإحداهما مطلقة، والأخرى فى مثل سنى، وكم بكيت لصنيعه المؤلم معى، لكنه رد علىّ بأننى «مش فهماه».

ومرت الأيام، ورزقنا الله ببنت، وفى يوم «السبوع» كرر طريقته المستفزة فى التعامل، وتركنى وخرج من المنزل، وأحسست بالانكسار لما فعله بى، ولم أشعر بفرحة أن أكون أما، وقال لى أهلى «تحملى من أجل ابنتك»، وبعد ثلاثة أشهر طلب منى ذهبى وهو ليس شبكته، لأنه أهدانى شبكة رمزية، فلم أتأخر عنه، فباعه ووضع ثمنه كمقدم شقة فى «إسكان الشباب»، ثم اكتشفت أنه يملك مبلغا كبيرا من المال، ولم أفاتحه فى «ذهبى» الذى أخذه منى، وبعد فترة حدث خلاف بيننا، فقال لى «اتصلى بأهلك ييجوا يخدوكي»، وبالفعل غضبت عندهم بضعة أسابيع، ثم تصالحنا، وأنجبت بنتا ثانية، ومنع أهلى من دخول البيت، مع العلم أننا نزور أهله كل أسبوع، ودائما يلقى اللوم على أهلى فى أى موقف، وعلاقته بهم مليئة بالفجوات.

وبعد تسع سنوات أنجبت ولدا، ولثالث مرة لم أشعر بفرحة «الولادة»، وتنقلنا من شقة لأخرى، وكلما طلبت منه أن أزور أهلى يختلق مشكلة، ويقول لى: «أهم حاجة بيتك وولادك»، ومرتبى كله معاه سوى مبلغ بسيط لالتزاماتى الشخصية، وفى آخر مشكلة تطور الحوار، ووصلنا إلى «الانفصال»، وقال لى أبوه إنه لن يطلقنى «غيابى»، وأننى لابد أن أبريه من كل شىء، وبصراحة «قلبى اتقفل»، ولا أدرى ماذا أفعل؟، وكيف أتخلص من المشكلة التى أعانيها؟.

 

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

لاشك أن التساهل الشديد من جانب أهل الفتاة عند الزواج، أمر غير مقبول، إذ تترتب عليه مشكلات كثيرة فيما بعد، فالشاب الذى تساهلوا معه بشكل مبالغ فيه يطمع فيهم، ويحاول دائما أن تكون كلمته هى النافذة، وما يأتى سهلا، يضيع عند أول عقبة، وقد تعود زوجك أن يأخذ، ولا يعطى، فماذا تنتظرين منه؟.

لقد كان الواجب أن يعى منذ البداية أن للمرأة ذمة مالية مستقلة عن الزوج؛ فراتبها لها وراتبه له، وليس لأحد حقٌّ فيما تملكه الزوجة - حتى لو كان زوجها- إلا برضاها ورغبتها، ونفقة الزوجة واجبة على الزوج ولو كانت موظفة عاملة، وهى مقدمة على نفقة أبويه حتى لو كانا فقيرين، قال تعالى: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ» (النساء 34)، فلا يجوز للزوج التصرف فى مال زوجته إلا بطيب نفس منها، ولا أن ينفق شيئا منه على البيت إلا برضاها؛ لأن نفقة البيت واجبة على الزوج، وليست على الزوجة، والعلاقة بين الزوجين قائمة على المودة والاحترام، والتفاهم مطلب أساسى فى هذه الأمور.

وعلى جانب آخر يقول تعالى: «وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً، فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا»، ويقول سبحانه أيضا: «وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا، أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا، وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا»، ويقول أيضا فى كتابه الحكيم: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا، وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ، وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا».

والحكمة فى ذلك تقرير مبدأ الحرية للمرأة فى التملك والتصرف فيما تملك، وكذلك رفع قيمة الرجل وتكريم رجولته وتحقيق قوامته عليها، فمهما اشتدت حاجته ينبغى ألا يطمع فى مال زوجته الغنية، حتى لا يكون عبدا لإحسانها، وقد قال عز وجل: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ»..

وكذلك يجوز للزوجة أن تتاجر فى مالها الخاص وأن تتصرف فيه بدون إذن زوجها ما دام ذلك فى حدود المشروع، وإذا كان لها أن تتصدق وتتبرع فيكون الأولى مصلحة الأسرة بمعونة زوجها إن أحست الحاجة إلى المساعدة، فهو نوع من الوفاء والتعاون على الخير.

إن الإسلام نفّر من الإقدام على زواج المرأة الغنية من أجل غناها فقط والطمع فى مالها، دون اهتمام بالمقياس الخلقى والدينى للزوجة، فللزوجة ذمة مالية مستقلة عن مال زوجها، والاندماج المالى ليس من أساس عقد الزواج، إلا إن اشترط عليها زوجها قبل الزواج أخذ جزء من مالها نظير الإذن لها بالعمل. ومن المقرر شرعا أن الزوجة لا يجوز لها العمل إلا بإذن زوجها، فإن خرجت وعملت بدون إذنه الصريح أو الضمنى كانت عاصية، لأن الحقوق الزوجية متقابلة، إذ عليه الإنفاق وعليها تدبير شئون المنزل ورعاية الأولاد.

لكن لو كان هناك اتفاق سابق قبل الزواج أن يتعاونا معا فى شئون الأسرة، أو أذن لها الزوج أن تعمل مقابل اشتراكها فى ذلك كان لابد من تنفيذ الاتفاق، فالمؤمنون عند شروطهم، وكان لابد من النزول على حكم العرف إن كان العرف يقضى بذلك، وبدون هذا لا يحق للزوج أن يأخذ شيئا من مالها الخاص، حتى لا يتحول الأمر إلى نزاع قد يؤدى إلى هدم الأسرة فيما بعد.

وبالطبع فإن مساعدة الزوجة زوجها مستحبة للوصول إلى بر الأمان، سواء كانت لأمر دنيوى أو أخروى. وكل ما تقدمه لزوجها وبيتها لها عنه أجر الصدقة، فيُستحب لها تقديم المعونة لنفقات المنزل، ولو كان راتب الزوج كافيا، فمساعدتها له يكون لها أثر طيب فى تحقيق الرضا والسعادة الأسرية، على أن يتم ذلك كله بالتوافق بينهما، فإن تعسر التفاهم، فلابد من توسيط أهل الخير من أقاربهم «الصلحاء».

والحقيقة أنك لم توضحى سبب المشكلات المتتالية بينكما، ولا لماذا يمنعك من زيارة أهلك؟، ولماذا لا يريد استقبالهم فى بيتكم؟، وهناك جوانب غامضة كثيرة، فأرجو أن تعيدى النظر فى مسألة استمرار زواجكما أو الانفصال فى ضوء ماذكرته، ولكن إياكما وسياسة «إمساك العصا من المنتصف»، ولتضعا النقاط على الحروف، وأسأل الله لك التوفيق والسداد.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
 
الاسم
 
عنوان التعليق
 
التعليق