شاب طويل، ممشوق القوام، يحمل هذه الوسامة ذات السمرة المحببة و المعتادة في أهل الشرق الأوسط. يبدو شديد التهذيب بنظارته الطبية و ابتسامته الوادعة أثناء عمله في العاصمة السويدية استوكهولم. تنجذب إليه العديد من المراهقات في المدرسة التي يعمل بها »مستشارا تربويا« ضمن برنامج الحكومة لإدماج جميع طوائف المجتمع وأقلياته في هوية واحدة. تتقرب إليه أكثر من فتاة وحين يجد الجد يتفق معهن علي تسفيرهن للخارج، ولكن الغريب أنه بدلا من أن تكون وجهتهن جزر المالديف أو بالي يعرفن أنهن بصدد السفر إلي مدينة «الرقة» السورية حين كانت عاصمة تنظيم داعش الإرهابي. الأكثر غرابة أنهن ينتشين بالفكرة وينمن الليل يحلمن بها وهنا يشعرن بنفس الإثارة التي يشعر بها من يخطط لقضاء مغامرة سفاري والمبيت في عمق الصحراء للمرة الأولي بحياته !
يحدث هذا في مسلسل » الخلافة « الذي أنتجه التليفزيون السويدي ويعرض حاليا علي شبكة نتفلكس، تأليف فيلهلم بيرمان ونيكولاس روكستروم اللذين شاهدا العشرات من الأفلام الوثاقية حول » دولة الخلافة « المزعومة كما التقيا العديد من الخبراء و المختصين واستفادا من خلفيتهما الصحفية المتخصصة بالشأن السياسي. الفيلم تم تصويره ما بين الأردن والسويد بمشاركة طاقم تمثيلي من السويد وتركيا والأردن. تسير الأحداث وفق ثلاثة خيوط درامية رئيسية منها مواطنة سويدية مسلمة «بريفين» تورطت مع زوجها «حسام» المقاتل في صفوف التنظيم وسافرا إلي سوريا، لكنها تفاجئ بوحشية الدواعش لاسيما حين يقومون بذبح من يسمونهم المرتدين فتسعي جاهدة للهرب والعودة إلي السويد. الخيط الثاني يتعلق بـ «فاطيما» ضابطة الاستخبارات السويدية ذات الأصول البوسنية و التي تسعي لتحرير «بيرفين» من سجون التطرف الدموي لكنها لا تتواني في الوقت نفسه عن ابتزازها لتجندها وتأتيها بأخبار التنظيم فيما يتعلق بعمليته المزمعة بقلب السويد في مقابل تحريرها. الخيط الثالث و الأخير يتعلق بـ« المسافر » وهي كنية للقائد داعشي الذي يعمل متخفيا كمستشار تربوي و ينجح في تجنيد عدد من الفتيات أبرزهن » سوليكا « أو » سولي «و أختها» ليشا « وصديقتهما « كريمة».
يحاول المسلسل عبر ثمانى حلقات فقط دون وجود مواسم أخري معلنة حتي الآن، تقديم إجابة عن السؤال المركزي الحائر: ما الذي يجعل فتاة تعيش في أحد أكثر بلدان العالم رفاهية تترك الحياة المخملية والارتماء في أحضان وحوش بشرية يسيل الدم من علي لحاها الهائشة ؟ الإجابات تأتي مستترة ضمن سياق درامي بوليسي اجتماعي مشوق، سريع الإيقاع، فـ «كريمة» علي سبيل المثال تعاني من حياتها التي تحولت إلي جحيم بسبب أب منحدر من أصول تنتمي إلي إحدي جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق. يضربها الأب ولا يكف عن إهانتها طوال الوقت بينما يغرق في موجات من الاكتئاب والوحدة يعززها إدمانه للكحوليات وسقوطه أرضا كل ليلة وشخيره يتصاعد. تهرب «كريمة» من البيت وتبحث عن مكان تقيم به، فيلتقطها المستشار التربوي بمدرستها ويعرض عليها الإقامة بشقته فتصبح فريسة سهلة. هناك أيضا «سولى» التي تبدو ممتلئة بأسئلة حائرة حول وضع المسلمين في السويد، تتعاطف مع القضية الفلسطينية وتكفر بجدوي الأحزاب السياسية وتصف كل الساسة بأنهم محترفو أكاذيب. يبعث إليها نفس المستشار التربوي بـ «لينكات» تتضمن تعريفا بالإسلام حيث إنها نشأت في بيت مسلم، لكن والديها شديدا العلمانية ولا يحافظان علي أي طقوس دينية. ترتدي سولي الحجاب، فيعنفها أبوها ويمزق الحجاب بيديه فتصبح ابنته أشد عندا و إصرارا علي الارتماء في أحضان الدواعش علي أمل أنهم يمثلون مساحة تفتقدها من الحرية والتعبير عن نفسها كمسلمة تبحث عن هوية خاصة. أما أختها «ليشا» فتتبع خطاها فقط من باب التقليد.
هناك أيضا تلك الفتاة من أصل عراقي والتي تعمل في موقع حساس يلفت نظر التنظيم وهو متاجر المنطقة الحرة المعفاة من الضرائب بمطار استوكهولم فتصبح ذات أهمية استراتيجية للتنظيم فيجندها «المسافر» مستغلا حاجتها للحب ولكن فى إطار محافظ و ليس علي الطريقة الأوروبية. يتقدم لها » المسافر « ويطلب يدها من أبيها و حين يسهل تجنيدها لتسهم بفعالية في التخطيط للعملية الإرهابية التي تستهدف بالتزامن المطار و محطات كبري للقطار والباص. الطريف أن » المسافر « يخترق المجتمع السويدي باعتباره مصريا قبطيا يدعي «بركات» وتناديه الفتيات باسم التدليل « إيبى»!
هذا عن تجنيد الفتيات السويديات من أصل عربي أو مسلم، ولكن ماذا عن تجنيد شباب السويد «الأصليين» من أصل أوروبي ؟ يتعرض المسلسل لهذه الجزئية من خلال نموذج لشابين أحدهما قضي فترة في السجن وله سجل إجرامي، اختلط بسجناء مسلمين متطرفين وتم غسل دماغه فخرج لينضم للتجنيد مصطحبا أخاه الأصغر و الذي يعاني اضطرابات عقلية ليصبح الاثنان ببشرتهما الشقراء وعيونهم الملونة بمثابة خط الدفاع الأول عن القتلة في الجبهة الأوروبية.
المسلسل في مجمله جيد، حاول عمل نوع من التوازن في تقديمه لصورة المسلمين في الغرب فهناك المتطرفون وهناك المندمجون بنجاح في المجتمع دون الاقتصار علي صورة واحدة نمطية.
رابط دائم: