رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حتى لا نحول الإسلام إلى عبادة شكلية

جزء رئيسي من أزمة الإسلام أو أي دين عامة هو تحوله في ممارسات وحياة المؤمنين به إلى طقوس شكلية مظهرية تفرغه عن مضمونه وقيمه الحقيقية. وهذا ما يحذر منه عبد الله الحامد في كتابه «لكى لا نحول الإسلام إلى طقوس»، الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون، مبرزا تأكيد الإسلام الالتزامات الاجتماعية للمسلم تجاه مجتمعه وعدم الاكتفاء بأداء العبادات مما يؤكد أنه دين حياة كاملة.

يؤكد الحامد أن خطاب الدين قد حُرف عبر القرون بعد أن كان يولد الحيوية المدنية والنهوض، في الرعيل الأول من الصحابة، واستقر بالوجدان الجمعى مقصورا على الشعائر الروحية والطقوس دون تحقيق وظيفتها أو الهدف منها في شحن الفكر والوجدان لإنتاج السلوك المدنى الفعال القويم. منتقدا الحث على الزهد السلبي في الدنيا، واعتبار ذلك سفينة النجاة بالآخرة. لتتم النظرة للدين بأنه لا دور له في التنمية المدنية للمجتمع . يبرز المؤلف أمثلة على التفريغ الروحى للعبادات والتعامل معها بطقسية شكلانية تفرغها من مضمونها، مثل ما يحدث من البعض خلال شهر رمضان الذى تحفز روحانياته على العطاء للمحتاجين وإعلاء قيم الإيثار والتكافل، لكن البعض يؤجلون إخراج الصدقات والزكاة حتى رمضان فيردون أي سائل أو محتاج ويطلبون منه أن يعود ليمر عليهم فى رمضان رغم حاجته الشديدة للصدقة، وكأن الصدقة وإخراج الزكاة مقصورة على هذا الشهر فقط ، وفى ذلك فهم خاطئ لفقه الصدقة والزكاة وتطبيق خاطئ أيضا لتعاليم الحث على الصدقة والزكاة في رمضان لتضاعف أجرها، بالإضافة إلى إسقاط شق مهم من فقه الأولويات الذى يحث على مراعاة حوائج الفقراء طول العام وليس في شهر وحيد منه. وكذلك في فضيلة وثواب الحث على إفطار الصائم، حيث يتم إعداد موائد الرحمن بالمساجد والشوارع ويتفنن البعض في التنافس حول إبراز مظاهر البذخ بشأنها بدعوى أنها منافسة وتجارة مع الله، وكأن الأجر محصور بتقديم وجبة طعام، ولكن ماذا عن تقديم وجبة السحور؟ أو حتى عن إعطاء المحتاج الصائم المال ليفطر في بيته بكرامة مع أسرته؟. الأمر نفسه يتكرر في فهم معنى البر. فالقرآن عندما أمر بالبر لم يعن أن البر يقتصر فقط على توجيه الوجه إلى القبلة في صلاة طقوسية شكلية، بل إقامة الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتأمر بالأخلاق الصالحة في شقيها الروحى والمدنى معا. فالحركات الشكلية الطقوسية ليست من الإيمان الذى هو نسيج روحى ومدنى متشابك.

يحذر الكاتب من ظاهرة ضرب النصوص الكلية بالجزئية وكأنها أولى من غيرها على الإطلاق، وبذلك يتم إهمال الفرائض الاجتماعية والعمرانية وتفريغ العبادات الروحية من مضمونها، لأن أي مجتمع لن يبنى مجده وحريته وتقدمه إلا بالتركيز على الإبداع التقنى والاقتصادي والعلمى، خاصة أن النصوص المجملة توجب مراعاة المصالح الكلية، معتبرا أن التركيز على الشق الروحى الطقسي فقط بمثابة «ركض عاطفى غير متوازن».

كما يحذر من انتشار ثقافة اللامبالاة والتساهل والاستهتار بالقيم المدنية، مادام الإنسان قد أمسك ببعض القيم الروحية، والاستشهاد بالنصوص الصريحة لتبرير ذلك مثل قوله تعالى «إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء»، وقوله صلى الله عليه وسلم «من صام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه»، وهذا خطأ شائع في فهم النصوص الدينية يستنتجه من يخلون بالقيم المدنية للدين، فنجد البعض يرتكب المعاصى، ويكذب، ويشهد زورا، ويقبل الرشوة، ويظلم الآخرين ، ويغش بالبيع، ثم إذا أتى رمضان ينطلق فيه صائما ومعتمرا ليغفر الله له تلك المعاصى أو حتى يذهب ليؤدى فريضة الحج كل عام ليغفر الله له ما أذنبه قبلها، ثم يعاود ارتكاب نفس المعاصى مرة آخرى بعدها. وهذا تدين شعبي شكلى وظاهرى، ومنطق انتهازى في فهم الدين يخالف مقاصد الدين العظمى وشريعته.

ويدين ما يصفه بـ»خطر التبرير الدينى للإغراق الروحى» أي اعتبار البعض بأن انشغاله وإغراقه في العبادات الروحية لن يمنعه من أداء واجباته المدنية وهذا أمر خاطئ لأن طاقة الإنسان الذهنية والجسدية محدودة فإن ركزها كلها في مجال واحد لن يستطيع توفير بعضها لتوزيعها على باقى مجالات الحياة، وهذا يخالف تعاليم الإسلام وقيمه التي حثت على التوازن بين العبادة الروحية والمدنية.

تلك الحالات يقدمها المؤلف كأمثلة على التمسك بالشكليات والطقوس وتجاهل المقصد والجوهر، حيث تكون العبادة في ظاهرها صحيحة، ولكن في صحتها شكلية، لأنها وقفت عند مستوى الطقوس بسبب تركيزنا على تطبيق الشطر الروحى منها- سواء كان تطبيقا صحيحا او شكليا - وإسقاط وتجاهل الشطر المدنى. فنكون بذلك قد عملنا ببعض الدين وتركنا بعضه، غير مدركين أن الدين منظومة كاملة لا يمكن تقسيمها لأنه مشروع شامل لسعادة الدنيا والآخرة وبرنامج متكامل للتقدم الروحى والمدنى.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق