يهل علينا الشهر الكريم كل عام عامرا بنفحات ونسائم الخير والبركة , وعامرا أيضا بالفن والجمال. كان رمضان دائما مصدر إلهام واستلهام بالنسبة للعديد من أعمال الفن التشكيلى لكبار فنانيه المصريين، وذلك على مدار مختلف الحقب التاريخية. جسد كل فنان رمضان وأيامه ولياليه بلمسته الخاصة. ورغم «الحالة الخاصة» التى تعكسها تلك الأعمال، إلا أنها جاءت أيضا خير معبر عن سمات التراث الرمضانى فى المجتمع المصرى.
يعد فانوس رمضان ومظاهر الاحتفال الشعبية بالشهر الكريم من التيمات الحاضرة بقوة فى الأعمال التشكيلية المتناولة للتراثيات الرمضانية. وتلك السمات ترتبط تاريخيا بخروج الخليفة الفاطمى إلى الشوارع ليلة الرؤية لاستطلاع هلال شهر رمضان، وكان الأطفال يحيطونه، يحمل كل طفل فانوسه المضاء ومتغنين بعذب الأغانى، تعبيرا عن الفرحة بقدوم الشهر المنتظر.
برع الفنان الدكتور طاهر عبد العظيم، فى تجسيد ولعه الشديد بالحياة الشعبية، وذلك فى لوحات استمدها من تجربته الحياتية وذكريات الطفولة. فمازالت تسيطر عليه ذكرى «منظر ليلى» بديع للحارة المصرية أثناء تعليق زينة رمضان يتوسطها الفانوس، وذلك بمشاركة صغار الحارة وكبارها. وتتلألأ أيضا لوحة أخرى للفنان طاهر عبد العظيم من حيث عناصر الإضاءة واللون والحركة لراقصى «التنورة» والمنشدين حاملى الدفوف بملابسهم البيضاء. وذلك كصورة رمضانية من النقاء الصوفى للمنشد وهو يهتف باسم الله ويسبح بحمده.
بينما نجد صانع الكنوز من الخردة ، الفنان عمار شيحة، الذى أعاد استخدام المهملات المعدنية بـ «وكالة البلح»، و«سوق الجمعة»، و«السبتية»، ليعيد صياغتها فى كيان جديد يحمل معانى مستحدثة. وذلك كما اتضح فى أعماله التى يتقدمها «بائع الفول»، مجسدا المصدر الأهم للوجبة الثابتة فى كل منزل خلال شهر رمضان ما بين الإفطار والسحور. وكذلك الحال مع «بائع اللبن والزبادي»، و«راقص التنورة»، أبطال رمضان كما جسدهم الفنان الكبير فى تماثيل بديعة من حديد الخردة.
وعن رؤية الفنان والناقد صلاح بيصار لتطور تناول الفنانين شهر رمضان تشكيليًا، يقول: «يتميز رمضان عن غيره من شهور العام بأنه الأغنى روحيا وفنيا»، مستعرضا تجارب تشكيلية بعينها مع رمضان، مثل ما كان من إبداع الفنان على دسوقى الذى قدم لوحتى «موكب رؤية هلال رمضان» و«الأطفال والفوانيس» بالحارة القاهرية ذات الروح الفاطمية. وكذلك ما كان من إبداع الفنان جورج البهجورى الذى جسد فى أعماله مائدة الرحمن والمقهى الشعبى فى رمضان. فقد كان البهجورى يحضر خصيصاً من باريس إلى مصر لقضاء شهر رمضان مع أصدقائه المبدعين مثل بهاء طاهر وآخرين.
أما الفنان محسن أبو العزم، فقد عبر عن المهنة الرمضانية الخالصة، التى تشتهر بها الأحياء الشعبية فى مصر «المسحراتي» بكلماته المشهورة وهو يطوف ليلا يضرب طبلته صادحا: «أصحى يانايم وحد الدايم». كما رسم بنات بحرى وبائع العرقسوس من وحى لوحة «المدينة» للرائد محمود سعيد. وتبدو لوحة أبو العزم بروح كاريكاتيرية باسمة لثلاث فتيات مع بائع العرقسوس الذى يقوم بتقديم المشروب الشعبى الشهير لهن مع ابتسامة على وجهه .
ويضيف بيصار أن الفنانة نادية سرى صورت أيضا فى احدى لوحاتها جوامع ومساجد يزين مآذنها ستة أطفال بشرائط الزينة الملونة التى تتدلى منها الأعلام والفوانيس وكل منهم يمسك بطرف يثبته مع بهجة الألوان من الاحمر والبرتقالى والأصفر و يبدو الهلال فى الأفق البنفسجى ساطعا بالأبيض .
وبينما اتجه بعض الفنانين إلى رسم المسحراتى التقليدى بزيه المُتعارف عليه، خرج الفنان بيصار بوجهة نظر أخرى مُغايرة، فعبر عن المسحراتى فى ملابس «ألف ليلة وليلة» واتضح فيها تأثر الفنان فى البيئة الريفية التى نشأ فيها وسكنت مخيلته منذ الطفولة.
ولا ينسى الناقد بيصار لوحة «كنافة وقطايف» للفنان الراحل تاد الذى حملت أعماله الطابع التعبيرى فى تصوير البسطاء فى الأحياء الشعبية بشكل يمس الوجدان.
رابط دائم: