ليس فقط مهمتها رصد وتتبع بؤر تجارة المخدرات، ولا يقتصر عملها على مطاردة تتبع تجار المخدرات كبارا أو صغارا ومراقبة اتصالاتهم وتحركاتهم ومصادر تجارتهم، كما أن الأمر لا ينتهى عندها بالقبض على أعضاء هذه التجارة وضبط بضاعتهم المحرمة وإرسالها معهم إلى النيابة، كل ذلك من صميم عمل الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بوزارة الداخلية ولكن لو كان هذا وحده، لما اكتملت مهمتها ولا أدت رسالتها الموكلة إليها بصفتها رسالة اجتماعية قبل أن تكون أمنية.
فلن تجدى كل هذه الجهود ما لم يتم كشف عمليات غسل ثروات تجار المخدرات وفضح حيلهم وتمزيق الستار الذى يخرجون من خلفه ليقدموا أنفسهم للمجتمع كرجال أعمال شرفاء يقدمون خدمات جليلة للناس بينما يمارسون من وراء هذا الستار أكثر الأنشطة إجراما وإفسادا منظما للمجتمع بتجارتهم المحرمة.
تطوير الأداء
كان لابد أن يتم التطوير فى إستراتيجية عمل الإدارة العامة لمباحث المخدرات، كرد فعل طبيعى لتطور أداء تجارة المخدرات نفسها والتى باتت تستعين بطرق مذهلة للتخفي، ولما كان غرض هذه التجارة هو الكسب السريع والوفير من المال، اتخذت تجارة المخدرات أساليب مختلفة عما كانت تبدو عليه، فاختلفت الصورة التقليدية لتاجر المخدرات ليظهر فى ثوب جديد وأسلوب مبتكر يخفى وراءه نشاطه الإجرامي، لذلك فقد كان لابد من تطوير عمل فرق مكافحة المخدرات، وكان ضروريا تدريب ضباط الإدارة على سبل كشف جرائم غسل الأموال وهو ما شكل ضربة قوية لهذه التجارة، بتتبع حركة المال الناتجة عن تهريب وبيع المواد المخدرة، فتجارة المخدرات تصعد إلى الصف الأول فى عمليات غسل الأموال محليا وعالميا وصار تاجر المخدرات يعيش فى المجتمع على أنه عنصر اقتصادى مهم يسهم فى بناء المجتمع فيقوم بالاستثمار فى المجالات الشرعية بطريقة شرعية، وكانت مهمة مباحث المخدرات هى إثبات وهمية هاتين الشرعيتين الكاذبتين والكشف عن أن مصدر هذه الأموال غير شرعى وبذلك تقطع السبيل على محاولات تجار المخدرات غسل أموالهم عبر عدة أساليب فضحتها جميعها وتوالت عليها ضرباتها لتحرم تجار المخدرات وذويهم من الانتفاع بتلك الأموال بعد تدويرها فى عمليات تطهير وهمي، بإدخالها فى مشروعات استثمارية تحقق الكسب السريع والوفير لتصلح أن تكون ستارا على ما تم جنيه من تجارة المخدرات. ولكن فرق البحث التى أمر بها اللواء محمود توفيق وزير الداخلية تمكنت من ضبط من يقومون بعمليات غسل ثروات تجار المخدرات.
مطاردة على مستوى الجمهورية
تلاحقت الضربات بعد تتبع العديد من التجار الذين تم القبض عليهم وإيداعهم السجن، لكن أموالهم كانت لاتزال حرة يتم التعامل معها فى السوق على أنها أموال مشروعة وفى الفترة الأخيرة فقط، جاوز ما تم تتبعه وحصره من ثروات، مليارا وربع المليار جنيه، تم اتخاذ الإجراءات القانونية حيالها والتى انتهت بالمصادرة لمصلحة الدولة واكتسابها شرعية حقيقية لأول مرة حين تم مصادرتها لتصبح ملكا للدولة وتصرف على مصالح الشعب والمرافق العامة.
كانت إحدى هذه الضربات فى محافظة الجيزة حينما تمكنت الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بقطاع مكافحة المخدرات والجريمة المنظمة، من اتخاذ الإجراءات القانونية حيال أحد كبار تجار المخدرات تم التوصل إلى أمواله بعد القبض عليه بتتبع حركة حصيلة تجارته وكان قد اتبع الطريق المعتاد لغسل أمواله عن طريق سحب وإيداع المبالغ تباعا فى عدد من البنوك واستثمارها فى قطاع العقارات وتجارة السيارات - وهما من المجالات المفضلة لدى تجار المخدرات لشهرتهما بتحقيق مكاسب سريعة ووفيرة، يمكن من خلالها إثبات مشروعية النشاط وبالتالى شرعية الأموال المتحصلة منه.
ومع تقلب هذه الأموال بين البنوك بالسحب والإيداع مع مستندات البيع والشراء والاستثمار، يتم عملية غسل الأموال التى تم اكتسابها من المخدرات، فقد بلغت ثروة هذا التاجر 250 مليون جنيه تم توزيعها على مجالى العقارات والسيارات، وقد نجحت المباحث فى إثبات ذلك كله بتتبع حركة هذه الأموال والحصول على المستندات الدالة والأدلة الدامغة على عدم شرعية منبع هذه الأموال وقد تم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال هذا التاجر وأمواله
وفى محافظة جنوب سيناء، تم الأمر نفسه ولكن عبر تشكيل عصابى واسع النشاط، تمكن أعضاؤه التسعة من تحقيق مكاسب بلغت 115 مليون جنيه من تجارة المخدرات بأنواعها المتعددة، وسلكوا السبيل نفسه فى غسل تلك الأمول والظهور للمجتمع على أنهم رجال أعمال ومستثمرون، على الرغم من أن بينهم خمسة مشبوهين جنائيا، حيث اتجهوا لتأسيس عدة أنشطة تجارية اتخذوا لها الإجراءات الإدارية اللازمة ليبدو الأمر كنشاط مشروع فى التجارة التى تم ضخ تلك الملايين فيها، لكن تم تتبع أصول هذه الأموال حتى ثبت أنها من جراء الأنشطة المحرمة فى مجال المخدرات، و55 مليون جنيه كذلك من النشاط المحرم قام تاجرا مخدرات بغسلها فى مجال التجارة فى أكثر من مكان حتى يصعبا عملية تتبعها ولكن نجحت المباحث فى التوصل إليهما، و95 مليون جنيه لثلاثة أشخاص سلكوا طريق العقارات ولكن زادوا عليه بالاستثمار فى المجال الزراعى فى عدة مناطق لتشتيت جهود البحث، و50 مليونا لمجموعة مشكلة من 10 تجار مخدرات وعناصر إجرامية فى مجالات أخرى بمحافظة مطروح سلكت الطرق التقليدية فى غسل أموالهم، و60 مليونا لـ9 تجار مخدرات كونوا شركة متعددة النشاطات فى الإسكندرية، و40 مليونا لعصابة من 4 أشخاص منهم 3 تجار مخدرات كونوا شركة ووزعوا أنشطتهم فى مشروعات على عدة محافظات، و25 مليونا فى شركة كونها 4 تجار مخدرات مع شريك خامس يعمل خارج نطاق تجارتهم لإبعاد الشبهة من خلاله وتوزعت أنشطتهم على عدة مناطق مختلفة فى محافظة الجيزة.
وعلى هذا المنوال، توالت العمليات التى اكتمل بها مليار وربع المليار على نطاق محافظات الجمهورية، حيث تم رصد أنشطة مشبوهة لأفراد وشركات انتهت جميعها بثبوت قيامها بعمليات غسل أموال بالملايين وتم اتخاذ الإجراءات اللازمة حيال المتهمين وممتلكاتهم الثابتة والمنقولة وما تم ضبطه من أموال سواء فى حوزتهم أو فى البنوك التى اتخذتها تلك العصابات وسيلة من وسائل إتمام جريمة غسل الأموال من خلال عمليات السحب والإيداع.
رابط دائم: