أنا سيدة تعديت سن الستين بشهور، ومتزوجة من رجل يعمل فى التجارة، وكنت أشغل وظيفة مدير عام بإحدى الجهات، ورزقنا الله بثلاثة أبناء، ومنذ ارتباطى بزوجى، وهو بعيد عنى، وشغلتنى الحياة والأبناء حتى تزوجوا جميعا واستقروا فى وظائف ممتازة، ومرت سنوات العمر سريعا حتى خرجت إلى المعاش، فأصبحت أعيش حياة مختلفة كلها ملل ورتابة، وتنتابنى حالات ضيق شديدة، ولا أدرى ماذا حدث لى، وكلما تحدثت مع زوجى فى أى أمر أجده مشغولا بنفسه، لدرجة أنه لا يلقى علىّ السلام، ولا يتحدث معى، ونعانى الآن حالة «خرس منزلى» بمعنى الكلمة، وأخرج فى أوقات كثيرة لشراء مستلزمات المنزل، وأحيانا أخرج لمجرد تغيير «الجو» الكئيب الذى يحيط بى.. إننى أكرر على زوجى «طلب الحوار»، لكن يبدو أننى أحرث فى البحر، فماذا أفعل؟.
> ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
ما أصعب أن تصل العلاقة بين الزوجين إلى «حالة الخرس»، خصوصا عندما يكون الأمر من جانب الزوج، إذ تحترق خلايا مخ الزوجة مفكرة فى حلول لكسر حاجز الصمت، أو باحثة عن أسباب خفية لهذا الخرس، مما ينعكس عليها بنتائج سلبية؛ ونفسية وجسدية، وتتساءل: ماذا تفعل لتذيب الجليد بينهما، وما أهمية الحياة بلا ونيس؟.
والحقيقة أن هناك أسبابا لهذه الحالة، منها الطبيعة الشخصية بأن يكون الصمت هو إحدى الصفات الشخصية للزوج أو الزوجة؛ لكنه لا يظهر إلا بعد تقاعد أحد الزوجين عن العمل وزواج الأبناء وخلو الحياة من المشاغل المعتادة، وهنا يكون على الزوج أن يقترب من زوجته، وأن يعطى مساحة مناسبة للتواصل معها.
ويحتاج علاج هذه المشكلة إلى تعاون الزوجين، فعندما يكونان حريصين على حفظ المودة بينهما ولم شمل بيت الزوجية، فإنهما يتعاونان فى علاج «الصمت» الذى أضعف أواصر المودة بينهما بالاعتماد على محورين.. الأول: أن يدرك الزوج أن صمته يزيد الفجوة مع زوجته، وأن الهدوء الذى يتصور أنه يسود بينهما هو هدوء كاذب، فالنار مشتعلة تحت الرماد، وينبغى عليهما مواجهة كل موقف يختلفان فيه بعقلانية، ويناقشانه من جميع الأوجه ليصلا إلى أرضية مشتركة يقفان عليها بثبات ليحلا المشكلة معا.. والثانى: إذا كان العمل هو ما يشغل ذهن أحدهما، فيجب تنظيم الوقت، والرد على رسائل الطرف الآخر ردا مختصرا، ثم التعويض في المنزل بالاهتمام والحديث، مع الأخذ فى الاعتبار أن هناك من يجدون راحة نفسية في الصمت لبعض الوقت خلال اليوم، ثم يتحدثون بحرية في أوقات أخرى.
ويجب الأخذ فى الاعتبار أن الخلافات تحدث فى كل منزل وبين أى اثنين فى أى علاقة، ولكن علينا أن نحل الخلافات ولا نستخدم الابتزاز العاطفى من أجل حلها، بل نبحث في أصل الخلاف بالعقل والموضوعية ونحله من جذوره، وهذا يجعلنا أكثر تواصلا وأقل انعزالا.
كما أن الاهتمام أحد أهم مضادات الخرس الزوجى الذى يتسبب فيه بشكل مباشر الإهمال وعدم العناية، بل إن الابتسامة لها مفعول مؤكد فى التواصل بين شريكى الحياة، والروشتة الفعّالة تقول: «استقبلى زوجك عند عودته من العمل بابتسامة، واستقبل زوجتك فى الصباح عند الاستيقاظ بابتسامة، وتناولا الطعام وأنتما مبتسمان، فالابتسامة «مفتاح القلوب».
وكسر الروتين من أهم العوامل التى تطرد الخرس الزوجى من المنزل، وكذلك الاعتراف بالخطأ والاعتذار، ولا يوجد أسوأ من المكابرة فى الخطأ.
وربما يكون الخرس الزوجى ناتجا من عدة أخطاء وقعت، ولم تتم معالجتها في وقتها بل أخذت تتراكم حتى تحولت إلى تلك الحالة المزرية، ولذلك لابد من أجل إيجاد حل وعلاج أن يعتذر المخطئ ويعترف بخطئه، وهذا ليس عيبا على الإطلاق بل هو قوة وثقة بالنفس.
أيضا يجب إحياء «لذة البدايات»، فلعلكما تذكران حينما تعرفتما على بعضكما في البداية، واللذة والشوق والمتعة التي كنتما تشعران بها عند اللقاء.. فلماذا لا تحييا هذه المشاعر العظيمة؟.. وما أكثر الأساليب التى تطردون بها «الخرس الزوجى»، فتمضى بكما سفينة الحياة فى هدوء وأمان، ولعل زوجك يعيد حساباته على هذا الأساس الذى أراك متحمسة له، وأسأل الله أن يوفقكما إلى طريق السعادة والاطمئنان.
رابط دائم: