«الأهرام» فى جولة بإسطبل عنتر والكيلو 4٫5 وأهالينا
أهالى«الضغط العالى»: كنا نخشى أمطار الشتاء .. وأطفالنا مرضى بالتشنجات
عاطف محمد: لم يزرنا رئيس من قبل .. وكانت النظرة أننا مخالفون ونستحق ما نحن فيه
فؤاد: كنا نخجل من العيش بـ«الهجانة»..والعريس كان يأتى لابنتى ولا يعود
أصحاب المحال: لأول مرة نعمل بشكل قانونى
المهندس صديق: «الهجانة» استقطبت قديما عمال البناء والغجر.. والنتيجة مليون مواطن فى بيئة خطيرة .. والإصلاح على خطوات
د.هدى الملاح: جميع الأنماط السلبية تظهر بالمناطق العشوائية
نزحوا من قراهم بحثا عن فرصة عمل أو لقمة عيش أوسكن، فإذا بهم يُرهقون أنفسهم بحياة تفتقد الكثير من مقومات الآدمية، ويرهقون دولتهم التى أصبحت مجبرة على إيجاد حلول لمناطق لم تكن أبدا على الخريطة العمرانية . . الانشغال بتحديد من هو المخطئ أو الفاعل الحقيقى، فى جريمة غرس بذور العشوائيات ـ ليس فى العاصمة وحدها ـ بل فى كل المحافظات، لن يفيد بشىء، فسواء كان «خطأ» أولئك الطامعين فى أراض استولوا عليها قديما بوضع اليد، أوالقانون الذى سمحت ثغراته لهم بالتوغل والانتشار، فإن الأمر الواقع يؤكد أن الدولة قررت التعامل، لتغيير حياة سكان العشوائيات، ونحن بدورنا قررنا النزول لهم لنرى كيف يتقبلون التغيير.
عند الكيلو 4٫5 على طريق القاهرة السويس، كنا على مدخل المنطقة التى حملت لعقود وسنوات اسم «الهجانة»، ورغم أن الاسم ليس فيه ما يعيب، إلا أن ارتباط المنطقة بوجود طوائف من الغجر، وخارجين على القانون، وتداول المخدرات، جعله يبدو فى الأذهان وكأنه تهمة لساكنيه، الذين طلبوا من رئيس الدولة مباشرة فى زيارة تكررت نحو أربع مرات خلال فترة قصيرة، بتغيير إسم منطقتهم، وبالفعل اختير بدلا منه الاسم الجديد معبرا عن «الأمل» فى مرحلة جديدة بدأ أهالى المنطقة يعيشونها لأول مرة، بعد أن أصبحت يد التطوير ممدودة بقوة إليهم، ورغم أن «مدينة الأمل» والمصنفة ضمن أسوأ المناطق العشوائية بمحافظة القاهرة، لا تبعد كثيرا عن أحياء ومجتمعات راقية سواء من الناحية الشمالية عند مدخل الكيلو « 4٫5» على طريق القاهرة السويس، حيث يشار إليها بين سائقى الميكروباصات بأنها 4٫5 وسبب هذه التسمية يعود إلى أنها كانت المسافة التى تفصل بين العزبة وبين مدينة هليوبوليس، آخر حدود مدينة القاهرة فى فترة الستينيات، وهى كذلك قريبة من الأحياء العمرانية الجديدة كالرحاب، إلا أنها تبدو وكأنها تنتمى إلى مجتمعات بدائية تعانى مشكلات وأزمات فى كل شىء بدءا من المدارس، ومرورا بمياه الشرب والصرف الصحى، والكهرباء، حيث سُميت منطقة سكنية بداخل العزبة باسم منطقة «الضغط العالى»، والتى تم إعطاؤها أولوية خاصة باعتبارها مشكلة خطيرة لا تحتمل الانتظار، وبناء عليه تم نقل آلاف المواطنين من الأسر المقيمة أسفل خطوط الضغط العالى إلى مدينة أهالينا، وتسكينهم فى وحدات كاملة التشطيبات، داخل تجمع سكنى حضارى تتوافر به كل المرافق والخدمات. وهو ماعبرت عنه هبة حسين «35 سنة» والتى التقيناها فى جولتنا قائلة: «الوضع الآن أفضل بكثير، ويكفى أننا ارتحنا من أبراج الضغط العالى، وتأثيرها السلبى على صحتنا وصحة أطفالنا»، مضيفة أن حالات كثيرة كانت مصابة بصداع مزمن، وأطفالنا كانوا يعانون التشنجات وزيادة كهرباء المخ، وكنا نخاف جدا قدوم الشتاء وهطول الأمطارعلى أسلاك الضغط العالى، حيث كان يصدر عنها أصوات «فرقعة» فوق رءوسنا.

اسطبل عنتر العشوائيات
ومن المشكلات كذلك التى طالما عانى منها أهل المنطقة، خاصة فى أوقات الأزمات، الحرائق أو الاحتياج إلى نقل مريض، إذ كانت الأزقة والممرات الضيقة بها تحول دون دخول عربات الإسعاف أو سيارات الإطفاء، ولذا كانت أيضا من أولويات التطوير، توسعة محور رئيسى بالمنطقة الممتدة من شرق حى مدينة نصر حتى طريق القاهرة السويس، مما يحل تلك المشكلة ويربط كذلك المنطقة بالمحاور الرئيسية الأخرى، من خلال المحور المرورى «الوفاء والأمل» الجارى تنفيذه لربط منطقة مدينة نصر والطريق الدائرى بطريق السويس والذى يمر بداخل الهجانة.
رسالة شكر للرئيس
والتقط عاطف محمد «45 عاما» من سكان العزبة أطراف الحديث بادئا كلامه برسالة شكر للرئيس السيسى، قائلا: «شكرا يا ريس على اهتمامك بنا، لقد شعرنا أننا اتولدنا من جديد، فلم يزرنا رئيس من قبل، ولم ينظر إلينا أحد بعين الإعتبار، بل كانت النظرة دوما أننا مخالفون ونستحق مانحن فيه، مضيفا: لولا زيارات الرئيس المتكررة للعزبة وتوجيهاته ومتابعته لكل خطوة بتتعمل، لما كان اهتمام التنفيذيين بأدق مشكلاتنا والعمل بدأب على حلها».
أما الحاج أحمد فؤاد «60 عامًا» فلم يخف فرحته بالتطوير الذى شجعهم بكل ثقة على طلب تغيير الاسم قائلا: «بصراحة كلنا بنتكسف نقول عنوان سكننا فى أى مكان بسبب الاسم، وكنا نرى نظرات معينة نفهمها جيدا، بمجرد أن نقول: «عايشين فى الهجانة، وكان مشكلة أن يتقدم لبنتى خاطب ممكن يروح مايرجعش».
الرغبة فى حياة أفضل كانت حلما لكن ماباليد حيلة، هكذا قال لنا محمود محمد 42 عاما: نعلم أننا نعيش فى منطقة عشوائية، وأن حياتنا صعبة جدا، يكفى أن تجاورنا أوكار المخدرات ومقار للبلطجية»، مشيرا إلى أن الوضع تغير كثيرا واختفت هذه المشاهد بعد أعمال التوسعة والإزالات، حيث عاد لنا الشعور بالأمان، خاصة مع وجود رجال الشرطة والدوريات المتنقلة، مما أدى إلى اختفاء مروجى المخدرات وأعمال البلطجة، وأصبح من حقنا أن نحلم بمستقبل أفضل لأولادنا.
حظ أم صابر
عشش وأكشاك، رغم مظهرها البدائى فإنها كانت تمثل مصدرا للدخل يسد أفواه عدة أفراد على الأقل، لذا كانت الإزالة والهدم بيد، والتعويض بعقود محال جديدة فى اليد الأخرى
وعلى الجانب الآخر عند مدخل مدينة الأمل تجد مجموعة من المحال التجارية، التى تعمل على خدمة سكان المنطقة والقادمين إليها، كما تشكل مظهرًا حضاريًا.
ويروى محمد السمان «28 عامًا» كيف حصل على محله، قائلًا: بعد إزالة محلى بالعزبة، تقدمت بطلب للحصول على آخر بدلًا منه، وبالفعل اتصل بى المسئولين وأعطونى أخر جديدا، مشيرا إلى أن المنطقة تغيرت 180 درجة، حيث كنا نعيش فى منطقه عشوائية كلها تسول ومخدرات، أما الآن عرفنا معنى الأمن والأمان، ويكفى أن الدولة أعطتنى محلًا لكسب الرزق، وأصبح لدى سجل تجارى، وأعمل بشكل قانونى منظم عكس ما كان سابقًا فى داخل العزبة.
الحاجة فادية أو أم صابر كما يطلقون عليها فى المنطقة.. تلك المرأة السبعينية التى قطنت العزبة منذ عمر طويل، واتخذت من كشك متهالك مقرا لتجارتها التى لاتزيد على عدة أقفاص من الطماطم والبطاطس، وأحزمة من الجرجير والبقدونس، فجأة وجدت نفسها محط الأنظار لمجرد أن جمعها القدر بلقاء مع الرئيس السيسى أثناء إحدى جولاته بالمنطقة لمتابعة الموقف بعد التطوير، وعندما وجدت الرئيس يسألها عن أحوالها وطلباتها وجدتها فرصة، لأن تبثه أوجاعا متعددة بجسدها، وإحتياجها لمنفذ جديد لبيع خضرواتها، بدلا مما تم إزالته فى التوسعة، لتمارس من خلاله مهنتها التى لا تريد أن تفقدها لآخر يوم فى حياتها، وكانت الإستجابة الفورية من الرئيس بجملة: «هاعوضك بعينيا»، تحدثنا إلى أم صابر داخل محلها الجديد، وبعد أن أجرت كل الفحوصات اللازمة لاستعادة صحتها قالت لنا: «تانى يوم جات العربية خدتنى المستشفى وعملت عملية فى قدمى واتعالجت الحمد لله ولما خرجت وجدت المحل بانتظارى، وعدت لبيع الخضار»
هجرة داخلية
قصة هذا المكان مكررة فى أغلب عشوائيات العاصمة، وكما يقول المهندس خالد صديق المدير التنفيذى لصندوق تطوير العشوائيات التابع لمجلس الوزراء، إنها تبدأ بهجرة داخلية تتم بشكل فردى أولا، يعقبها استقطاب الوافدين الجدد لأهلهم وأقاربهم، للعمل بفرص لا تخرج عن عمالة البناء « الفاعل» والعمالة المنزلية، ويوجد هناك منطقه «الغجر» وهى من المناطق الخطيرة وتقع فى الشمال الغربى من العزبة ويشتغل أغلب قاطنيها بجمع القمامة.
ويضيف: « مع الهجرة العشوائية، وبساطة أوضاع القادمين ثقافيا واجتماعيا ظهرت كذلك أعمال البناء العشوائية، واستشرت فى غيبة من القانون والرقابة، وأصبح هناك حوالى مليون مواطن بالهجانة يعيشون على مساحة 750 فدانا، يعانون كل مشاكل العشوائيات، ومنها وجود بيوت كثيرة أسفل كابلات الضغط العالى، وتصنف من مناطق الخطورة العالية لتأثيرها الكبير على صحة الإنسان، فضلا عن تسببها فى حوادث حرائق أو صعق بالكهرباء فى أيام المطر.
ويوضح أن هذه المناطق مسجلة لدينا كمنطقة غير مخططة وغير آمنة، وأن زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى وعدد من الوزراء الأخيرة، بعثت رسائل اهتمام لكل من المواطنين والوزراء والمسئولين، ويؤكد أن هناك توجيهات مستمرة لنا لحل مشكلة العشوائيات فى مصر، بل إيقاف نموها، من خلال ثلاث مراحل ضمن خطة صندوق تطوير العشوائيات، تعنى بالانتهاء من المناطق العشوائية غير الآمنة على مستوى الجمهورية.
ويشير إلى أن الرئيس وجه فى زيارته بحصول السكان المتضررين ــ رغم أنهم اصحاب سكن مخالف ــ على وحدات بايجار يتناسب مع امكاناتهم المادية، أو أن يتملكوا بأقساط معقولة، حيث بدأت الدولة بالفعل فى نقل السكان إلى»أهالينا» والاسمرات وتسليمهم وحدات مشطبة بالكامل ومجهزة بجميع الأجهزة والفرش
ويلفت إلى أن هناك مشروعات حالية فى إطار المبادرة التى اطلقها الرئيس، خاصة بالتطوير العمرانى لعواصم المحافظات والمدن الكبرى، وهذه من ضمن المرحلة العاجلة التى تضم 14 محافظة من ضمنهم القاهرة، وسوف تجهز فى حوالى عام، وهو ما يؤدى إلى توافر رصيد سكنى فى المحافظة يمكن من خلاله حل أى مشكلات سكنية، للمناطق التى يتم إخلاؤها، مضيفا: لدينا كذلك مشروع «معا» وهوعلى وشك الافتتاح من الممكن أن يستفيد منه بعض المتضررين ومشروع (اهالينا 3) والأسمرات.
نماذج سلبية
ترى د. هدى الملاح مديرة المركز الدولى للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى والتدريب والخبيرة الاقتصادية بوزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية، أن العشوائيات قامت بشكل بيوت غير منظمة فى مناطق متطرفة جغرافيا، سواء فى المدينة أو القرى، وأن هذه الاماكن يفتقد سكانها الحياة الكريمة على جميع الجوانب، محذرة من كون سكان المناطق العشوائية قنبلة موقوتة لأنها تجمع كافة الأنماط السلبية فى المجتمع، حيث يجتمع لدى أفرادها الفقر والشعور بالحرمان المادى والتعليم ومن السكن الذى تتوفر به مقومات الآدمية، بالإضافة للنبذ المجتمعى خاصة إذا كانت المنطقة قد اشتهرت بسمعة سيئة ووجود تجار المخدرات أو خارجين عن القانون بين سكانها، وبالتالى يكونون أداة سهلة لبعض الجماعات المتطرفة، التى تستغلهم بشكل سيء ضد الدولة.
وتوضح د.هدى، أن معالجة الأمر تتحقق بطريقين، أولهما توفير فرص للتنمية الاقتصادية بالقرى والمناطق الريفية عن طريق المشروعات الصغيرة للحد من الهجرة إلى المدينة، وثانيهما: دراسة مؤهلات وقدرات سكان المناطق العشوائية، لمعرفة فرص العمل والتدريب المناسبة، مع الاهتمام برفع مستوى الوعى والتثقيف على الأصعدة كافة، الصحية والدينية والإنجابية.
تاريخ الهجانة
كيف كانت هذه المنطقة قبل أن تتوطن بهاالعشوائيات النازحة، ولماذا سميت بهذا باسم «الهجانة»؟ سؤال دفعنا الفضول الصحفى للبحث عن إجابته لدى الدكتور جمال شقرة أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة عين شمس ومقرر لجنه التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، والذى أوضح أن ( الهجانة ) سلاح قديم فى مصر والسودان، والمقصود به من يركبون الجمال أو الخيول، وهو ما تحول بعد ذلك إلى ( سلاح الحدود ) مضيفا أن الهجانة ظهرت فى أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ويعد أقدم أفرع القوات المسلحة المصرية بإجماع المؤرخين، إذ قام الخديو عباس حلمى الثانى بتأسيسه سنة 1896 من ضباط وجنود مصريين، ثم اكتشف انه فى حاجة إلى ضباط وجنود سودانيين تم ضمهم إليهم.
لماذا سكنت فرق الهجانة هذه المنطقة من شرق العاصمة ؟ يجيب د. شقرة قائلا: هذا المكان البعيد فى شرق القاهرة كان مشهورا بوجود مهربى السلاح والمخدرات وعند نشأة فرق الهجانة أمرت بمطاردتهم، وفى ذلك الوقت لم تكن الطرق فى شرق العاصمة ممهدة فكان من مهامهم كذلك تمهيد الطرق وتعديلها وأيضا إرشاد الضالين، خاصة من الرحالة والمستكشفين الإنجليز والحفاظ على استقرار المكان ومنع محاولات التسلل.
وبعد زيادة عدد السكان وثورة 1952 وتأسيس حى مدينة نصر وظهور حى مصر الجديدة على أطراف المنطقة ظهرت العشوائيات فى هذه المنطقة.
«إسطبل عنتر» ..خطورة من الدرجتين الأولى والثانية
فى جنوب القاهرة قريبا من حى مصر القديمة، شددنا الرحال إلى منطقة أخرى مصنفة ضمن العشوائيات الخطرة، ولفت نظرنا وجود تشابه من حيث الاسم مع عزبة الهجانة، وهى المنطقة المعروفة أيضا باسم «اسطبل عنتر»، نسبة إلى إسطبل عسكرى قديم.
وترجع خطورتها لكونها صخرة على حافة جبل المقطم، تم بناء البيوت بها بشكل مدرج من أسفل الى أعلى الجبل غير المستقر جيولوجيا، وترجع نشأتها إلى منتصف السبعينيات من القرن الماضى، عندما وضع البعض أيديهم على المنطقة التى تضم اسطبلا وأقاموا أكواخاً وبيوتا بسيطة، ونظرا لخطورة المنطقة، فإن هناك خطة لازالتها ونقل المستحقين إلى مساكن حضارية بمشروعى الأسمرات وأهالينا، تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى لتوفير حياة كريمة لهم فى إطار خطة الدولة لتطوير العشوائيات .
وفى جولة « الأهرام» هناك وجدنا كل دلائل العشوائية والحياة غير الآمنة.. الشوارع ضيقة وترابية وغير مرصوفة وعلى جانبيها أكوام جبال من القمامة، توحى بأن أحدا لم يقترب منها منذ سنوات وعند النظر لأعلى ترى صخور المنطقة مشقوقة طوليا وعرضيا ومتصدعة.
واللافت للانتباه أن الجبل يحوى جيوبا كثيرة نتيجة تسرب مياه الصرف الصحى للمنازل المقامة على حافته، وبالتالى تتحرك صخور الجبل، لتزيد من عوامل الخطورة على حياة السكان هناك.
أحد سكان المنطقة شكا لنا الروائح الكريهة فى الشوارع بسبب تراكم أكوام القمامة، وطفح مياه الصرف الصحى، بالإضافة إلى عدم توفر الأمان له ولأسرته.
وجاءت إحدى السيدات لتكمل الحوار قائلة : « مافيش هنا مستشفى ولا حتى فرن، والمدارس بعيدة عنا، صحيح أننا فرحانين أن حد أخيرا افتكرنا، وأن الدولة اهتمت بنا وبدأت تطور، لكننا نحتاج إلى مزيد من التطوير، وعندنا حاجات كتير ناقصة».
وعلى الجانب الآخر، يقول أحد سكان إسطبل عنتر: « صحيح أن الفارق كبير جدا بين عيشتنا فى الاسطبل وبين شقق «أهالينا» التى انتقل إليها البعض، إلا أنه يرى مبلغ 400 جنيه قيمة الإيجار الشهرى، فوق قدراته، خاصة مع وجود فواتير الغاز والكهرباء، قائلا: « نحن (أرزقية) على باب الله يوم نشتغل ويوم مانلاقيش، طالبا بالنظر لمن دخولهم ضعيفة مثله بعين العطف، وتخفيض قيمة الإيجار أو إعفائهم منه.
ويقول المهندس خالد صديق المدير التنفيذى لصندوق تطوير العشوائيات، إن منطقة إسطبل «عنتر 1» تنطبق عليها معايير الخطورة من الدرجة الأولى وهى من المناطق المهددة للحياة، مثل مناطق مخرات السيول أو الكائنة بالمنحدرات الجبلية، وتبلغ مساحتها 11 فدانا تضم حوالى700 وحدة سكنية، فيما ينطبق على منطقة «اسطبل عنتر 2» معايير الخطورة من الدرجة الثانية وتضم عششا خشبية أو مبانى اقيمت من مخلفات البناء وتبلغ مساحتها 64 فدانا، مقاما عليها أكثر 4000 وحدة سكنية
ويوضح أن الدولة نقلت بالفعل سكان 730 وحدة إلى مشروع «الأسمرات 2 و3»، وتسلموا الوحدات مفروشة بالكامل من أثاث وأجهزة كهربائية، حيث يوجد فى الاسمرات خدمات متكاملة من مسجد وكنيسة ومدرسة ومدينة رياضية ومخابز ومستشفى ومصانع.
ويستطرد: إننا ننسق مع المحافظة من خلال رؤية معينة تبدأ بالمناطق الأكثر خطورة ثم الأقل ولا تزال أعمال التطوير مستمرة.
كما وضعت المحافظة تصورا لتطوير «إسطبل عنتر»، يتضمن توفير وحدة صحية وموقف للسيارات ومبنى إسعاف وقسم شرطة ونقطة مطافئ ومكتب بريد ومسجد ومعهداً دينياً، ومسرح مكشوف، علاوة على أسواق تجارية لخدمة أهالى المنطقة.
(أهالينا) ..سكن حضارى
لم يكن من الممكن أن ننهى رحلتنا دون أن نذهب لنلقى نظرة على نموذج للحياة الجديدة التى انتقل إليها جزء من سكان عشوائيات القاهرة، ويعُد(اهالينا1) على مساحة 11 فدانا، و(اهالينا 2) على 15 فدانا بمدينة السلام من أهم المشروعات التى أقامتها الدولة لسكان العشوائيات، والتى نفذت بالتعاون بين المنطقة المركزية العسكرية ومحافظة القاهرة ونقل سكان مناطق عزبة الهجانة وإسطبل عنتر ـ الأكثر خطورة ـ إليها.
وهناك للأسف اكتشفنا أن التصوير الصحفى يحتاج إذن مسبقا، لكننا اكتفينا بالاطمئنان على أحوال السكان الجدد وبإلقاء نظرة سريعة على الشوارع الواسعة والعمارات السكنية المتراصة بشكل معمارى واحد، فى مكان لا يخلو من اللون الأخضر والأرصفة والملاعب والأسواق التجارية والمدارس والأهم المظهر الحضارى الهادئ الذى جعلنا نشعر بأننا داخل كمبوند سكنى، وعندما علم بعض المارة بهويتنا الصحفية، طلبوا أن ننقل سعادتهم وفرحتهم بمكانهم الجديد، الذى اختفت منه على حد تعبيرهم ـ كل أنواع المعاناة القديمة.
«جبخانة» البارود .. أثر مهمل
تسمرت أقدامنا أمام تلك المنطقة الشاسعة، التى يلفها أربعة أسوار عالية، وقبل أن نقترب، تبرع البعض بسكب عدد من الروايات فى آذاننا، فهى مخازن الأسلحة ـ وفقا لرواية عجوز تسكن بالعزبة منذ زمن بعيد ــ التى بناها الفارس والشاعر العربى عنترة بن شداد، والذى تعود إليه ـ حسب روايتها أيضا ـ تسمية المنطقة بكاملها باسم « اسطبل عنتر» وفى رواية أخرى لأحد الشباب، أن صلاح الدين الأيوبى، هو الذى قام ببنائها، لتكون مخزنا للأسلحة والذخيرة، بينما تكشف الرواية الحقيقية التى توصلنا إليها عن كون الجبخانة منطقة ذات طراز معمارى وتاريخى وأثرى فريد، ليس على مستوى مصر بل ربما العالم، ولكن امتداد العشوائيات حولها جعل لها نصيبا كبيرا من التجاهل والإهمال، الذى جعلها ملعبا لكرة القدم نهارا، ومستقرا آمنا للكلاب الضالة ليلا، ولا مانع من أن تكون وكرا لأعمال منافية للآداب، أو لتعاطى المخدرات، كما اكتشفنا أن الدخول إليها سهل للغاية فالباب الخشبى الرئيسى العتيق الذى تربط ألواحه الخشبية قطع حديدية متفرقة، غير مغلق بأى أقفال، أما المكان من الداخل فهو عبارة عن باكيات أو مخازن تتوسط المساحة الفارغة بينها وبين السور الكبير، ويحوى كذلك عددا كبيرا من القباب البارزة والحفر عبارة عن صهاريج للمياه تضمن الحفاظ على درجة حرارة معينة لحماية البارود، مزيد من التفاصيل حصلنا عليها من الدكتور جمال عبدالرحيم أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة وعضو اللجنة الدائمة للآثار الذى أوضح، أن الجبخانة الواقعة فى منطقة إسطبل عنتر بالقرب من عزبة خير الله تم بناؤها بالفعل فى عهد محمد على مؤسس مصر الحديثة من عام 1805 حتى 1848 ميلادية، حيث كان الاهتمام بتطوير الجيش وبناء المؤسسات العسكرية وبناء المنشات لصنع الأسلحة على رأسها (الجبخانات) لصناعة البارود والذخيرة، ضمن خطته فى بناء الدولة، مشيرا إلى أن جبخانة محمد على، كانت تعد أشهر أماكن صناعة الاسلحة والذخيرة فى مصر، حيث إختير موقعها بدقة كمنطقة صحراوية وقتئذ بعيدة عن أى مناطق مأهولة بالسكان، موضحا أن وزارة الآثار تضع الجبخانة فى خطة تطوير المناطق الأثرية فى مصر، وفقا لتطوير المناطق العشوائية حولها.
رابط دائم: