«إنه مكان العمل الأكثر خطورة فى البلاد»،اختصرت هذه العبارة التى جاءت على لسان جوليا بانكس نائبة فى البرلمان الأسترالى، مدى فداحة الأوضاع القائمة بداخله، والتى تفاقمت يوما تلو الآخر نتيجة الفضائح الجنسية المتكررة داخل أروقته .
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، فإن برلمان أستراليا يسيطر عليه الرجال بشكل كبير، حيث تراجعت أستراليا فى السنوات العشرين الماضية من المرتبة 15 إلى المرتبة 50 عالميا، من حيث التنوع بين الجنسين فى البرلمان. ويشكل الذكور 80% من نسبة أعضاء البرلمان من الأحزاب الليبرالية والمحافظة. كما أنه طبقا لمسح أجرته لجنة حقوق الإنسان الأسترالية، صرحت 39% من النساء، بأنهن تعرضن للتحرش الجنسى فى مكان العمل خلال السنوات الخمس الماضية. كما أعدت مؤسسة «التنظيم الدولى الاسترالى» للمساواة بين الجنسين، دراسة استقصائية كشفت أن 73 % من النساء يعتقدن، أن العاملات فى مجال السياسة لا يعاملن على قدم المساواة مع الرجال .
وعلى مدى العقود الأخيرة ترسخت ثقافة التمييز الجنسى فى صفوف الطبقة السياسية الأسترالية، إلا أنه على ما يبدو أن الأوضاع فى طريقها للتغيير الآن، فقد أدت الاعتداءات الجنسية المتكررة ومزاعم الاغتصاب التى تورط فيها سياسيون، إلى تأجيج الأوضاع داخل المجتمع الأسترالى، حيث تجمع مئات الآلاف من النساء فى جميع أنحاء البلاد مؤخرا، احتجاجا على الفضائح الجنسية داخل البرلمان، للمطالبة بالمساواة بين الجنسين والقيام بإصلاحات قانونية لحماية النساء، وإجراء تحقيق حكومى فى مزاعم الاغتصاب ضد أعضاء الحزب الليبرالى الحاكم .
لم يقف الأمر عند هذا الحد، حيث تسبب الاتهام الذى وجهته بريتانى هيجينز، مستشارة وسائل الإعلام الحكومية السابقة، لزميل لها باغتصابها فى مكتب وزير الدفاع عام 2019، فى اشتعال الرأى العام داخل البلاد، خاصة بعد تصريحها بأنها كانت تخشى فقدان وظيفتها بعد الحادث، فى حين أنها لم تتلق سوى القليل من دعم رؤسائها. وأدى هذا الادعاء إلى فتح الباب على مصراعيه أمام آلاف النساء اللاتى يعملن فى مجال السياسة، لمشاركة قصصهن من خلال حركة #MeToo» «أو «أنا أيضا» عبر وسائل التواصل الاجتماعى، لتأكيد أن النساء اللاتى يعملن فى مجال السياسة تعرضن للإهانة والتحرش خلال السنوات الماضية، وكلما اعترضن على هذا السلوك، واجهن وابلا من الانتقادات.
ونقلت الصحيفة آراء العديد من الحقوقيات والسياسيات بخصوص التمييز الجنسى داخل المؤسسات الحكومية فى استراليا، فتقول تانيا بليبيرسك، زعيمة حزب العمل ووزيرة شئون المرأة فى المعارضة: «هناك كثير من الغضب والألم.. فعلى الرغم من تحول الشركات والمؤسسات فى البلاد تدريجيا نحو المساواة بين الجنسين، فإن الامتيازات التى يحصل عليها الرجال لاتزال مستمرة بل وتتزايد «مضيفة» أن الثقافة الأسترالية متحيزة ضد المرأة» .وقالت جانين هندرى منظّمة حركة من أجل المساواة :«من الواضح أن هناك مشكلة لدى الرجال فى البرلمان»، «لكن الشيء المخيف هو أن هؤلاء هم قدوة يتأثر بهم أطفالنا، شبابنا وشاباتنا». بينما تصف إيما هوسار، وهى نائبة سابقة البرلمان الاسترالى قائلة: «إنه نظام بيئى يتصرف فيه الرجال بشكل سىء، ويشاهدهم موظفوهم الشباب وهم يفلتون من العقاب». مضيفة «فى حين أن تناول الكحول فى البرلمان ليس السبب الرئيسى، إلا أنه عامل مساعد. حيث إنه بدءا من الساعة الخامسة مساء، توجد كميات كبيرة من المشروبات الكحولية».
وتزامنا مع هذه الاحتجاجات، انخفضت شعبية الائتلاف المحافظ بزعامة رئيس الوزراء سكوت موريسون فى استطلاعات الرأى الأخيرة، مما أدى إلى زعزعة استقرار الحكومة، حيث يتعرض موريسون لضغوط متزايدة للتعامل مع الفضائح المتتالية، وسط مزاعم من قبل أحزاب المعارضة بأن حكومته حاولت التستر عليها، الأمر الذى أدى إلى قيام رئيس الوزراء بتوجيه نداء من أجل تغيير المواقف العامة تجاه النساء. وقال موريسون «تصرفات هؤلاء الأفراد تظهر عدم احترام مذهل للأشخاص الذين يعملون فى البرلمان، وللمثل العليا التى من المفترض أن يمثلها البرلمان»، مضيفا «لا تزال قضية العنف ضد المرأة تمثل أولوية قصوى لحكومتى». لكن فى الوقت نفسه، فشل موريسون فى اقتراح تدابير عملية من شأنها معالجة الأزمة. لذلك انتشرت مشكلات التمييز ضد النساء على نطاق واسع وأصبحت نقطة محورية للسياسة الداخلية فى البلاد .
الجدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التى تواجه فيها الحكومة الأسترالية انتقادات بشأن قضايا الاعتداء الجنسى، فقد تعرضت الحكومة لانتقادات شديدة لرفضها إجراء تحقيق بخصوص اتهام المدعى العام كريستيان بورتر، باغتصاب زميلته عام 1988، حيث قام الأخير بنفيها، فى حين انتحرت المجنى عليها خلال إجراء التحقيق .
رابط دائم: