-
د. جودة سمير: «الإستروكس» مخدر مميت تأثيره فورى وانتشاره سريع بسبب رخص ثمنه
-
د. إيناس الجعفراوى: تركيبه الكيميائى بمعدلات سمية عالية مخاطرها الصحية غير متوقعة
-
د.عمرو عثمان: نعمل على 3 محاور الوقاية وكشف التعاطى والعلاج
رغم جهود الدولة فى مكافحة تجارة المخدرات والتعاطى، إلا أن نتائج الدراسات التى خرجت من مركز البحوث الاجتماعية والجنائية ـ بشأن المخدرات والإدمان ـ تنذر بكارثة. فالمخدرات لم تعد تقتصر على فئة بعينها ولكن طالت كل فئات المجتمع. فعلى سبيل المثال، هناك دراسة عن المخدرات والساحل الشمالي، يعتبرها البعض اسلوب حياة.. ودراسة أخرى عن تعاطى المخدرات وادمانها فى الريف المصرى، وهى دراسة ميدانية طبقت فى عدد من قرى الوجهين القبلى والبحرى. ودراسة أخرى تكشف المزيد عن ثقافة المخدرات لدى الشباب المصرى وأجريت على عينة من شباب الأندية الرياضية ومراكز الشباب..
«الأهرام» تفتح ملف المخدرات خاصة «الإستروكس» الأكثر انتشاراً لرخص ثمنه وتداعياته الخطيرة التى تؤدى الى الموت، ونحن نعلم أن الواقع مؤسف ومؤلم، فعشرات الأمثلة من المدمنين ـ يعرفها كل منا فى دوائر محيطيه ـ كانوا ضحايا الذمم الخربة.. ضاعوا وضاعت رعيتهم ومن يعولون، وخلفوا وراءهم الدمار والخراب.
فى البداية يقول ر.ع 55 سنة ـ مدمن سابق ـ ويعمل الآن إخصائى صحة نفسية فى مستشفى الخانكة للصحة النفسية: «بدأت رحلة الادمان بسيجارة حشيش من أحد أصدقاء السوء مرورا بحبوب الترامادول وانتهاء بالبودرة والهيروين.. لم أترك شيئا لم أتعاطه.. وكانت البداية بنصيحة غير صادقة من أحد الأصدقاء «إن المخدرات تمد بقوة وتحفز على أداء العمل»، ومن هنا انزلقت قدمى إلى عالم المخدرات والحق أننى شعرت فى البداية بقوة ورغبة فى انجاز العمل، لكن مع الوقت تبدل الحال وتحولت القوة إلى ضعف عام، وبدأت أعانى من الاكتئاب وعدم الاهتمام بمظهرى العام وأسىء معاملة أهلى وأصبحت عبئا ثقيلا عليهم، خاصة أمى وزوجتى وأولادي.. فطلبت منهم المساعدة والعلاج ولم يترددوا.. وكان العلاج فى مستشفى الخانكة للصحة النفسية وكانت التحاليل الشاملة ثم الدخول فى الديتوكس، وتلقى علاج الانسحاب لمدة 15يوما، ثم بدأت مرحلة التعافى التى استمرت 45 يوما، وهذا يعنى أن المريض يحتاج إلى نحو 60 يوما للتعافى.
ويضيف: وبعد التعافى واستعادة الوعى والسيطرة على نفسي، قررت الانضمام إلى مجموعات الاخصائيين النفسيين لمساعدة مرضى الادمان واتقاضى مقابل عملى ألفى جنيه مقابل 22 يوم عمل كل شهر، ومنظومة علاج الادمان ناجحة جدا فاذا دخل المستشفى مثلاً 55 مريضا فى الشهر وتعافى منهم أربعة أو خمسة فهذا نجاح كبير..وللأسف هناك من لايستمر فى تلقى العلاج ويهرب إلى حياته السابقة.
أهوال الإدمان
ويشرح: عن أهوال الإدمان حدث ولا حرج، فهذا باع ولديه التوءم لتاجر أعضاء بشرية كى يحصل على المال من أجل المزاج.. وأب سلم ابنته لتاجر مقابل 10 جرامات من الكيف.. وآخر سلم أمه للتاجر من أجل المخدرات.. وأخ شهد مقتل شقيقه أمام عينيه من قبل تاجر المخدرات الذى ألقى بالجثة فى المصرف ولم يحرك ساكنا واكتفى بأخذ حصته من المخدرات وانصرف.
«الفودو» أو «الإستروكس»
تقول د. ايناس الجعفراوى بمركز البحوث الجنائية والاجتماعية، أن ثقافة تعاطى المخدرات ترتبط بسلوكيات معينة تؤهل أو تدفع الشاب فى ظل سياق اجتماعى ثقافى معين للانخراط فى التعاطى لأنواع المخدرات، ومنها التدخين بأشكاله المختلفة، والتمرد ورفض القيم والمعتقدات السائدة فى المجتمع، واثبات الذات وتشويش الفكر فى ظل مجتمع ملىء بالتناقضات.
وحسب الدكتورة إيناس الجعفراوى، يعد الإدمان مشكلة كبيرة والاستروكس بشكل خاص، حيث انتشرت فى مصر تركيبات كيميائية مختلفة من القنب (الحشيش الصناعى)، والتى تباع تحت مسمى «الفودو» أو «الاستروكس».
وتستطرد أن هذه المواد ذات معدلات سمية عالية، والمخاطر الصحية الناجمة عنها غير متوقعة، وقد تؤدى إلى الموت، وتصدت الدولة لها ضمن الأساليب المتاحة داخل الاطار التشريعي، حيث وضع الكنابينويدات التى تم التعرف عليها فى الجداول الملحقة بقانون المخدرات، وغالبا ما تنال قضايا «الاستروكس» البراءة لعدم وجود مواد مخدرة بالمضبوطات، حيث تتم اضافة مواد سامة غير مدرجة بجداول المخدرات مما يؤدى إلى الافلات من العقاب، وأصبحت هذه المشكلة تمثل عبئا على سلطات إنفاذ القانون.
أسلوب حياة
وتضيف أن «الاستروكس» ظهر عام 2014 كبخور عشبى من أمريكا، حيث اكتشفه العالم جون هوفمان وقام بتحضيره معمليا للأغراض الطبية، ثم اكتشفوا أن المادة المخدرة لها أضرار كبيرة ومنها الفشل الكلوي. وهناك عصابات اجرامية وضعوه على نباتات من فصيلة النعناع واستيون -- وحشيش صناعى وكلها مواد تأثيرها مدمر وبدأوا يطرحونه باسم «الفودو» ثم تم وضعها على الجدول.
وأردفت: «للأسف الشديد التجار عرفوا الخلطات المميتة ووضعوها مع البردقوش والميرامية والتبغ وخرج الموضوع عن السيطرة وأضافوا إلى هذه المواد مبيدات حشرية، ويقبل على هذه الخلطة الكثير من المدمنين نظرا لرخص سعرها، مشيرة إلى أن آثارها خطيرة ومدمرة، خاصة أن فى كثير من الأحيان تؤدى إلى غيبوبة سكر.
ولفتت إلى البحث الذى أجرته فى 2019 عن ثقافة المخدرات بالساحل الشمالى اهم نقطة فيه أن نحو 8٫6% يعتقدون أن المخدرات حلال، وكثيرون من تلك النسبة يعتبرونها أسلوب حياة.
وتشرح: «مع الضغوط المادية والركود الاقتصادى وعدم توافر فرص عمل وكورونا، هناك فئة تفضل الهروب إلى المخدرات والكحوليات والأدوية المخدرة وكل هذا يتطلب وجود دعم نفسى وزيادة جرعة الوقاية، وهناك أسباب أخرى للتعاطى منها مايتعلق بالبيئة المحيطة، فاذا كانت بها ناس تتعاطى المخدرات، تكون فرص الإدمان عالية، هناك أيضاً عوامل نفسية للشخص مثل التفكك الأسرى وغياب الوعى وتأثر الأطفال بثقافات خارجية، الموضوع جد خطير ويحتاج إلى اهتمام من الأسرة والمدرسة وتطوير الخطاب الديني».
وتختتم كلامها: «الغريب حقاً أن هناك من يحمل الدولة المسئولية ولا يأخذون فى الاعتبار أن هناك فئة مستهدفة وهم ضحايا لمروجى المخدرات وكلها أمور تجعلنا نطرح السؤال: ماذا حدث لقطاع عريض من المصريين وما أسباب تبدل قيمهم النبيلة بالفهلوة واللامبالاة والنصب والغش والخداع والمتاجرة بآلام الناس؟ . يجب ألا نحمل الدولة أكثر مما يجب.
مخدر مميت
يقول: د. جودة سمير إخصائى الصحة النفسية، إن المخدرات أصبحت آفة الشباب.. الاحصائيات عالية جداً، ونسبة التعاطى ارتفعت إلى 40% وهى كارثة بكل المقاييس، وبشكل عام انخفض سن التعاطى إلى 9 سنوات، مشيرا إلى أن «الاستروكس» من المخدرات المتوافرة، علاوة على أنه رخيص ومتاح ويسهل الحصول عليه.
ويوضح أن «الاستروكس» يتكون من أعشاب البردقوش وسم فئران ومادة تستخدم لتهدئة الثيران والخيول عند الترويض.
وهو من المواد المخدرة ذات التأثير السلبى، يجعل الانسان مثل الحيوان ويقوم بحركات غريبة وغير عقلانية.. ويعد من المخدرات التى تنهى حياة الكثير ممن يتعاطونه.
لهذا ينبغى الحذر، وهو أيضاً مخدر مميت، وادمانه سريع، ويصعب على من يتعاطاه ايقافه. ويشير إلى أن سيجارة «استروكس» بأربعة جنيهات فقط، لذلك فهو فى المتناول نظرا لرخص سعره، وهو الأكثر انتشاراً فى المناطق الشعبية.
يقول إن العلاج من «الاستروكس» له خطوات مع مراعاة الفروق الفردية، لافتا إلى أن نسبة تعاطى البنات عالية، لذلك فان الوضع كارثى، خاصة أن هناك من يتعاطى أكثر من مخدر. يضيف أن «الاستروكس» من المخدرات التى تنتشر فى الأحياء الشعبية
والعلاج منه يجب أن يكون على أيدى متخصص، ولذلك يجب أن ينقل المدمن إلى المستشفى، ويجب أن تتوافر لدى المريض الرغبة فى العلاج، وعلى كل المحيطين والمقربين له أن يشاركوا إقناعه بأن حياته تتدهور وأنه عاجز عن إدارتها، وأصبح غير قادر على الوفاء باحتياجات الأسرة .
وطالب الأسرة بمراقبة أولادها فالإدمان يبدأ مع أصدقاء السوء. وقال إن كل دول العالم تعانى تجارة المخدرات، وطبيعة الشباب الرغبة والميل إلى التجربة، وهناك عوامل أخرى كالبطالة، الإدمان مشكلة سلوكية تؤثر على المجتمع والفرد والأسرة.
أنت أقوى من المخدرات
يقول د. عمرو عثمان مساعد وزيرة التضامن ومدير مكتب مكافحة الإدمان: «نحن نعمل على 3 محاور هى الوقاية وكشف التعاطى والعلاج واعادة التأهيل. بالنسبة لبرنامج الوقاية يعتمد على توعية الشباب من خلال رابطة من المتطوعين وهناك 30 ألف شاب فى المحافظات المختلفة فى كل التجمعات والمدارس والجامعات، وهناك بيوت للتطوع داخل 5 جامعات هى القاهرة، حلوان، الزقازيق، سوهاج، والوادى، وهناك أيضاً حملات إعلامية ننفذها مع محمد صلاح كحملة «أنت أقوى من المخدارات»، و«لاللمخدرات»، وبالطبع لدينا بعض المعايير فى الشباب المتطوعين، وهى أن يكونوا حديثى التخرج ويتم اعدادهم من خلال فرق متخصصة فى مجال الوقاية، وبتكليف من الرئيس بدأنا فى الأماكن السكنية المطورة، بديلة العشوائيات، مثل «الأسمرات» مبادرة قوية استهدفنا 10 آلاف أسرة.. وهذه المبادرة يشارك فيها شباب من الحى من خلال «حملات طرق أبواب»، وهناك أيضاً التوعية داخل المدارس، كما أنشئت عيادة فى حى الأسمرات وبلغ عدد مرضى الإدمان بها 341.
ويضيف: هناك أيضاً حملات الكشف عن التعاطى داخل الجهاز الإدارى للدولة والتى طبقت على 292 ألف موظف وكانت نتيجتها أن 8% منهم يتعاطون المخدرات، تراجعت إلى 2%، ونركز بشكل قوى على المرافق الحيوية التى تمس حياة المواطن كالمترو والكهرباء ونعمل على مستوى 30 وزارة، وركزنا فى الفترة الماضية على سائقى المدارس وخلال الترم الأول بدأنا الحملات وكشفنا على 8 آلاف منهم، كانت نسبة التعاطى 12% تراجعت إلى 8.1.
ويوضح الدكتور عثمان أن حصيلة مريضى الإدمان فى 2020 بلغت 132 ألفا، ويجرى العمل على مدى 24 ساعة خلال الاسبوع وهناك 26 مستشفى شريكة وتابعة للصندوق تقدم فيها الخدمة، كنا 12 مركزا فى 2014 نقدم خدماتنا للموظفين فى سرية تامة.. وهناك 3 مراكز جديدة فى مطروح والبحر الأحمر وبورفؤاد، ونعمل على دمج مريض الإدمان فى البرامج المجتمعية.. ولدينا قروض لدعم المشروعات الصغيرة مع بنك ناصر، كما نوفر تدريباً مهنياً لهم ..وهناك 3 آلاف مريض إدمان وعلى سوق العمل تقديم أنشطة اجتماعية، رياضية وارشادية تساعد على برامج الدمج.
وينصح د. عمرو عثمان المريض الذى يبحث عن العلاج عليه الاتصال بالخط الساخن لصندوق مكافحة الإدمان ويحمل رقم 16023
وعن أسباب الإدمان توضح د. تهانى عبد الهادى، أستاذ الصحة النفسية، أن هناك علاقة قوية بين الإدمان وبعض الاضطرابات النفسية مثل الشخصية المعادية للمجتمع (السيكوباتية)، واضطراب المزاج والقلق والاكتئاب، وهناك عوامل اجتماعية كالتفكك الأسري، التدليل وغياب القدوة والعنف المنزلى الجسدى أو النفسي، حيث لايوجد قانون يمنع الأبوين من ممارسة الضرب أو أى من أشكال العنف الجسدي.. وأيضاً من أشكال العنف المنزلى تحديد مستقبل الأطفال باختيار الدراسة أو العمل الذى قد لايتناسب مع ميولهم وقدراتهم، وكذلك اجبارهم على العمل وترك الدراسة، مما يدفع الأطفال إلى الهروب من منازلهم للشوارع وتعاطيهم المخدرات والاتجار.
وتوضح أن القدوة السيئة من قبل الوالدين كإدمان أحدهما أو الانشغال وغياب الرقابة على الأبناء، يلعبان دوراً أساسيا فى الادمان.
رأى الدين
يقول صبحى الجلب من علماء الأزهر: «إن الإسلام نهى عن تناول المخدرات للمحافظة على العقل والالتزام الأخلاقى وحث على السمو الروحى، وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر.. وقد قال الله جل جلاله فى كتابه العزيز الآية 29 من سورة النساء «ولا تقتلوا أنفسكم».. وقال أيضاً فى الآية 195 «وأنفقوا فى سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا» وفى سورة المائدة الآية 33 «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض».
والأحاديث النبوية الشريفة فى هذه الأمور متعددة ومحذرة من تعاطى المخدرات: «الآدمى بنيان الرب ملعون من هدمه»
وعندما سئل ـ صلى الله على وسلم ـ عن التداوى بالخمر وبالمسكر، قال: «ما جعل الله شفاء أمتى فيما حرم عليهم».
الحوار الأسرى.. الأقوى ضد المخدرات
إن أفضل برنامج للوقاية من المخدرات فى العالم هو جلوس الوالد المسئول مع أطفاله والتحدث معهم حول المخدرات..حيث أظهرت دراسة حديثة أن 76% ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و 17 سنة على استعداد للتحدث مع والديهم حول المخدرات، وأشارإلى أن 71% منهم باستطاعة أبنائهم التأثير عليهم حتى لا يتعاطوا المخدرات.. وهذا سبب وجيه للجلوس والتحدث وشرح عواقب تعاطى المخدرات ومدى أهمية تحملنا للمسئولية الشخصية عن أفعالنا.
دور الجمعيات الأهلية
أكد مكتب الأمم المتحدة المعنى بمكافحة المخدرات ومنع انتشار الجريمة، أن مساهمة المنظمات غير الحكومية فى مكافحة التعاطى والإدمان أساسية، و من الضرورى اقامة شراكة قوية بينها وبين المؤسسات الحكومية.. فرغم قلة عدد الجمعيات التى تقدم العلاج، هناك ازدياد فى عدد الجمعيات التى تحول المدمنين إلى المصحات سواء بشكل مباشر أو غير ذلك عبر صندوق مكافحة التعاطي، وللأسف إلى جانب التحديات التى تواجه نقص الموارد المالية، هناك تراجع للإقبال الجماهيرى وقلة الدورات التدريبية ونقص الكوادر البشرية المؤهلة لإدارة برامج التوعية وأنشطتها.
رابط دائم: