رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

من طيبة إلى الفسطاط
3 مواكب فى مسيرة مومياوات الملوك

سهير عبد الحميد;

ثلاثة مواكب تحيطها مشاعر متباينة ما بين مراسم جنائزية وأخرى احتفالية، تلخص رحلة مومياوات ملوك وملكات مصر القديمة من الجنوب إلى الشمال، من مرقدهم الأول فى وادى الملوك بمدينة طيبة، مرورا بمغادرتهم البر الغربى إلى ميناء بولاق بالقاهرة ومتحف بولاق ثم الجيزة فمتحف التحرير. وأخيرا وصولها إلى متحف الحضارة بالفسطاط،وذلك عبر مشاهد متتالية فى فترات زمنية متباعدة.

........................



المشهد الأول:

الزمان: 1493 ق.م «تقريبا»،

المكان: طيبة وادى الملوك،

الحدث: الكهنة يلتفون فى المكان المطهر «بر-عبد» أمام منضدة التحنيط الحجرية وفوقها يرقد جثمان الملك تحتمس الأول.

لم يتم استخراج المخ كما هو متبع عادة فى التحنيط. يشق المحنط الجانب الأيسر من أسفل البطن لينزع كل الأعضاء الداخلية ويغسلها ويغمرها بملح النطرون ويضعها فى الأوانى الكانوبية، ولا يترك فى الجسد سوى القلب والكليتين،ثم يغسله بمحلول مكون من 15 مادة منها نبيذ البلح ونبات المر والحناء وزيت خشب الأرز والبصل ويملأ تجاويف الصدر بكور من الكتان المشبع بالراتنج والعطور ومحلول النطرون لمنع التحلل البكتيرى. يد المحنط تطهر الجثمان بمياه النيل بعد أن تم غمره فى ملح النطرون 40 يوما حتى تجف الأنسجة من السوائل والدهون.. يدلك المحنط المومياء بالبخور والقرفة، ويغلق العينين والأذنين والأنف بالشمع ثم يلف المومياء بالكتان المشبع بالصمغ. الكهنة يتلوون الصلوات ويفتحون فم المومياء لتتمكن حواسها من العودة مرة أخرى فى العالم السفلى..الجثمان يستقر أخيرا فى التابوت.

خطوات ذات إيقاع منتظم فى موكب مهيب يسوده الصمت..إنه موكب دفن جثمان الملك تحتمس الأول ثالث فراعنة الأسرة الثامنة عشرة،الحاكم الذى امتدت حدود الدولة جنوبا فى عهده وأعقبته ابنته حتشبسوت فى الحكم.

كان تحتمس الأول أول من اختار موقع وادى الملوك مدفنا، تلك السنة التى سيتبعها أقرانه من الملوك للدفن فى ذلك الوادى المنعزل خلف صخور طيبة حتى لا تمتد يد اللصوص إلى جثامينهم الملكية، فتحرمهم من الحياة الأبدية وتترك أرواحهم هائمة فلا تعرف «الكا» أى الروح للجسد طريقا.

كل ما أراده تحتمس الأول مقبرة آمنة، فأسر بأمنيته تلك إلى المهندس «إنينى» الذى تفاخر بتلك المهمة الملكية، فكتب على مقبرته «أشرفت وحدى على اختيار المقبرة الصخرية لجلالة الملك تحتمس الأول دون أن يرانى أحد أو يسمعنى.. إنها كانت مهمة لم يقم بها الأسلاف. سوف امتدح لحكمتى فيما بعد من هؤلاء الذين سيقلدون ما فعلت».

وقد تحققت نبوءة «إنينى»، فنحتت مقابر للملوك التاليين فى وادى الملوك غاية فى الفخامة والضخامة.

فى بادئ الأمر كانت المقابر محفورة داخل الجبل، وفى الأسرة العشرين تخلى الفراعنة عن فكرة إخفاء مدخل المقبرة لأنهم اعتمدوا على التوابيت الضخمة فى حفظ المومياوات.

كسيت مقبرة تحتمس الأول بالجص ونقشت بنص عنوانه «رسائل الحجرة السرية «، وبعد دفنه ببضع سنين نقل جثمانه إلى قبر ابنته حتشبسوت الذى أعدته لها ولوالدها.




المشهد الثانى:

الزمان: «1070ــ945ق.م» المكان: الدير البحرى،

الحدث: «بانجم «كبير كهنة آمون وأولاده يضطلعون بعمل عظيم ومهمة سامية،إنهم يجمعون مومياوات الملوك والملكات ويخبئونها فى مقبرة بالقرب من معبدالملكة حتشبسوت ويحكمون غلقها، بعدما استشرت عمليات سرقة المقابر الملكية.

المشهد الثالث:

الزمان:1871 المكان: القرنة «غرب الأقصر»،

الحدث: حالة هستيريا تستولى على ثلاثة أفراد من عائلة عبدالرسول، المعروفة بنبشها القبور والبحث عن ذهب «الفراعين». لقد عثر الإخوة على عشرات وعشرات من التوابيت.إنها المقبرة الكنز التى سيطلق عليها العلماء فيما بعد «خبيئة الدير البحرى»..الإخوة الثلاثة من آلـ عبدالرسول يتباحثون كيف سيبيعون محتويات الكنز من التماثيل الذهبية والبرديات والقلائد.. لكن الخلاف حول القسمة سرعان ما كشفت المستور، فقرر أحدهم أن يشى بالقصة لرجال الآثار ولمدير قنا «داود باشا» انتقاما من شقيقيه.

المشهد الرابع:

الزمان: يونيو 1881 المكان: البر الغربى

الحدث: بعثة مصلحة الآثار تصل إلى الأقصر بقرار خديو، تحت إشراف «بركش» باشا، العالم الألمانى «إميل بروجش» الأمين المساعد بمصلحة الآثار المصرية آنذاك، وها نحن من جديد أمام مومياء تحتمس الأول، الذى بدأت من عنده الحكاية، الأثريون يعثرون على موميائه داخل زوج من التوابيت صنعهما له ابنه الملك تحتمس الثانى الذى تم العثور على موميائه أيضا فى الخبيئة المكونة من 50 مومياء، لتنقذ البعثة ما تسنى لها بعد أن نقلت بعض مقتنيات الخبيئة إلى عواصم أوروبا عبر عائلة عبدالرسول.

كانت الخبيئة تضم مومياوات: سقنن رع، وأحمس، وأمنحتب الأول، وتحتمس الأول، وتحتمس الثانى، وتحتمس الثالث، ورمسيس الأول، وسيتى الأول، ورمسيس الثانى، ورمسيس الثالث، ورمسيس التاسع.ومن الملكات أحمس –نفرتارى.

كان الحدث فريدا من نوعه، وصفه عالم الآثار ماسبيرو بقوله: «ما اكتشفه العربان كان قبوا كاملا للفراعنة وأى فراعنة! أعظم الفراعنة فى تاريخ مصر، تحتمس الثالث وسيتى الأول وأحمس المحرر ورمسيس الثانى الفاتح. أظن نفسى فى حلم وأنا أرى وألمس أجساد هذه الشخصيات الفريدة التى ما كنا نظن أننا سنعرف عنهم سوى أسمائهم».



المشهد الخامس:

الزمان: يوليو 1881 المكان: ميناء البر الغربى

الحدث: العمال ينقلون على مدى يومين محتويات الخبيئة الثمينة إلى متن الباخرة.

رجال القرنة يطلقون النار فى الهواء تقديرا وتحية للمومياوات، والنساء يصرخن ويلطمن الخدود..فها هى مومياوات الجدود تغادر موطنها، فى موكب جنائزى مهيب ومعلن ربما لم تنله عند دفنها ، مشهد صوره الفنان شادى عبدالسلام فى فيلمه «المومياء» الذى عرض لأول مرة 1969.

ولو أن هذا المشهد يثير العجب فهل هذا الصراخ والعويل حزنا على الفراق! أم هو الحزن على هذا المنجم من الذهب الذين اعتبروه إرث الأجداد وأن تلك المومياوات «التى أطلق عليها الأهالى اسم المساخيط» ملك لهم ينالون منها ذهبها ويبيعون أجسادها بأغراض التدفئة فى الأسواق، ويستغلون وهم وجود الزئبق الأحمر بين لفائفها للباحثين عن الفحولة الجنسية، ثم يتاجرون فى البرديات التى لا يفهمون كنهها ويدرك تجار الآثار المحنكون أهميتها وخطورتها.

المشهد السادس:

الزمان: يوليو 1881، المكان: ميناء بولاق بالقاهرة،

الحدث: المومياوات تصل إلى ميناء بولاق، ويتم نقلها إلى متحف بولاق وسط ذهول الحاضرين.

وصلنا إلى 1891، مياه الفيضان تهدد متحف بولاق ثانية والخديو إسماعيل يأمر بنقل المتحف إلى سراى الخديو بالجيزة.

فى 1902 تصل المومياوات إلى المتحف المصرى بالتحرير لتستقر به ما يزيد على المئة عام.



المشهد السابع:

الزمان:1898،

المكان: وادى الملوك،

الحدث: يكتشف عالم المصريات الفرنسى فيكتور لوريه خبيئة أخرى،هى خبيئة مقبرة الملك أمنحتب الثانى فى وادى الملوك وكانت تضم مومياوات أمنحتب الثانى وتحتمس الرابع، وأمنحتب الثالث، ومرنبتاح، وسا بتاح، ورمسيس الرابع، ورمسيس الخامس، ورمسيس السادس، وستى الثانى، والملكة تى.

يتجه إلى القاهرة حاملا المومياوات وعند مدينة قنا يأتيه الأمر بإعادتها، لتظل فى مكانها حتى يقوم كارتر بنقلها بعد ذلك ببضع سنوات إلى القاهرة.

المشهد الأخير: 3 من أبريل 2021.. المكان: ميدان التحرير – الفسطاط ، الحدث: سوف تفتح أبواب المتحف المصرى ببطء وكأنها تتمهل مودعة ساكنيها العظام الذين لبثوا بها أكثر من 100 عام كانوا خلالها قبلة العالمين..موكب الملوك يتقدم وسط الأضواء والهتافات.. العالم يترقب ذلك الحدث العالمى، الموكب الثالث فى تاريخ المومياوات الملكية هو الأهم والأكبر وهو الذى سيتم توثيقه بالصوت والصورة للأجيال القادمة. ميدان التحرير يتزين بأعلام مصر على طول طريق الموكب الممتد من المتحف المصرى حتى متحف الحضارة فى الفسطاط.

حفاوة بنقل 22 مومياء ملكية ترجع إلى عصر الأسر 17، و18، و19، و20، من بينها مومياوات أربع ملكات منهن: حتشبسوت، ومريت آمون زوجة الملك أمنحتب الأول، والملكة أحمس نفرتارى زوجة الملك أحمس، بالإضافة إلى مومياوات الملوك: رمسيس الثانى،سقنن رع، تحتمس الثالث، سيتى الأول، رمسيس التاسع.

عشر مومياوات من خبيئة الدير البحرى، وعشر مومياوات من خبيئة أمنحتب الثانى، بالإضافة إلى مومياء حتشبسوت التى اكتشفها كارتر وأرسلها إلى القاهرة تحت اسم «مومياء مجهولة»، ومومياء ميريت آمون التى تم اكتشافها داخل مقبرة تيتى.

تخرج المومياوات لتحمل على عربات تشبه العجلات الحربية المصرية القديمة، المسلة المنقولة حديثا إلى ميدان التحرير تتلألأ بالأضواء والكباش تبدو كحارس أمين للموكب المهيب.

عربات الموكب تتهادى وكل منها يحمل اسم مومياء الملك الذى تقله ولقبه بالهيروغليفية وباللغتين العربية والإنجليزية.

تصل المومياوات إلى مكان عرضها فى المتحف القومى للحضارة المصرية لتستقر داخل قاعة مخصصة «قاعة المومياوات» بعد رحلة شاقة بعمق التاريخ والجغرافيا.

الجنازة هذه المرة لم يصحبها عويل أو صراخ بل فرحة وفخر..لم يشهدها كهنة الملك وخاصته أو عدد من الأهالى بل العالم أجمع.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق