لم تحك لنا كتب التاريخ حياة الطالبات المصريات المبعوثات فى الغربة، وتجربتهن، فلم نعرف الكثير عنهن .. ولكن حسام علوان الكاتب والمنتج السينمائى عثر على مجموعة من الخطابات النادرة لدى أحد باعة الجرائد والأوراق القديمة مرسلة من انعام سعيد، الطالبة بمدرسة السنية والمبعوثة من ضمن المبعوثات من المدرسة للدراسة بانجلترا فى اول بعثة للبنات سنة ١٩٢٦، لتنقل لنا هذه الخطابات فى شكل أقرب لليوميات تجربتها وزميلاتها فى انجلترا، وكيف تعاملن مع هذه التجربة ..كما عكست هذه الرسائل كيف استقبلت فتاة فى مقتبل حياتها تجربة الانتقال من مصر لانجلترا منذ ٩٥ سنة.
إنعام سعيد صاحبة الخطابات النادرة كما يقول حسام علوان كانت مبعوثة لدراسة الفنون الجميلة وعادت إلى مصر لتمارس دورها كفنانة ومدرسة للفنون ومن اشهر من تتلمذوا على يديها الفنانة جاذبية سرى .. ومن أطرف ما وضحته الخطابات المكتوبة بلغة جميلة والفاظ رقيقة أن أخاها رشدى الذى كانت ترسل إليه بالسلامات هو من مواليد ١٩٢٠ أى أن عمره عند سفرها كان ٦ سنين، ولكنه فيما بعد درس فى جامعة هارفارد وأصبح من أهم علماء الجيولوجيا المصريين ومدير مؤسسة التعدين المصرية ما بين ١٩٦٨ و١٩٧٧.
وتقول انعام فى خطابها من لندن يوم ٢٣ مارس ١٩٣٠
والدى العزيز والعائلة
لكم قبلاتى وأشواقى . وصلنى خطابكم فى الميعاد وسررت منه جداً ولو أن خطابكم كان قصيراً وأخبارى قليلة ولكن أجلس وأفكر فى الكتابة لكم حتى أتم أربع صفحات.
ذهبنا اليوم إلى رحلة فى الخلاء فى جهة تدعى ماء فيرجينياو وتناولنا الغداء هناك ولكن لسوء الحظ الجو كان ممطرا ولذلك اضطررنا للعودة قبل الميعاد المحدد، وتلك الجهة خالية من كل زحام لندن ودوشتها وهى فى جهة تدعى (ايجهام) أى بالقرب من مدرسة فتحية حسن . والماء عبارة عن بحيرة هادئة تشبه بحيرات اسكتلندا وإنما المناظر لم تبلغ جمال اسكتلندا، وفى الصباح اضطررنا للقيام مبكرات أى الساعة السابعة ونصف . ولو أن هذا الوقت حقيقى ليس مبكراً بالنسبة لأيام الآحاد بالاضافة الى أننا لا نتناول الفطار فى أيام الآحاد إلا الساعة التاسعة ونصف .وفى هذا اليوم مشينا زيادة عن ثمانى أميال ولذلك فشاعرة بتعب عظيم وبودى أتناول العشاء وآخد حمام ثم على السرير بدون كلام ولا حديث .
أمس بعد الظهر ذهبت الى سكاتنج (تزحلق) والآن تمكنت منه تماماً وذهبت مع أودرى وهى للآن ليس فى إمكانها السير بمفردها وأمس أخذت درساً ودفعت 6 شلن ومع ذلك فليس فى استطاعتها القيام به وأما أنا فشعرت حقيقى أنه يمكن السير ولكن ليس فى استطاعتى عمل أى شيء آخر بجانب المشى العادى .
يوم الثلاثاء بعد الظهر إن شاء الله لأول مرة فى هذه السنة سنلعب التنس مع فتحية حسن لانها ابتدأت مسامحتها (المقصود بالمسامحة الأجازة) من أمس فكل سنة وأنتم طيبين ومنتظرة بفارغ الصبر يوم الثلاثاء.
نسيت أذكر لكم عنوان المسامحة وها هو:
Richmond Hotel
llandudno
North Wales
وسوف نسامح يوم الأربعاء الموافق ١٦ أبريل وسوف نرجع إلى المدرسة يوم الإثنين ٥ مايو ولكنى سأعود يوم السبت ٣ مايو والامتحان سيكون يوم ١٩ مايو ولذلك سأقضى معظم الوقت فى المذاكرة والله هو المساعد. وفى الحقيقة ليس عندى عشم عظيم لأنى لم أشتغل كثيراً لهذا الامتحان إلا من مدة قصيرة والتحضير لهذا الامتحان كثيراً جداً والذى منعنى عنه هو إنى بأحضر لامتحان التدريس وعلى كل حال أنا وبختى والله يعمل ما فيه الخير.
لقد انتهى المعرض الايطالى للصور الهائلة (فى الأغلب تقصد اللوحات) يوم الجمعة أول أمس ولقد كان له زيطة هائلة جداً وذهبت له ملايين الناس ولقد بلغ عدد من ذهبوا يوم الجمعة نصف مليون ولقد زار هذا المعرض أكبر عدد من الناس ولقد ذهبت له خمسة مرات فقط لأن الزحام كان شديداً فكان يصعب رؤية اى شيءٍ بدقة . ولكن على كل حال فضلت العرض الماضى للصور الهولندية أحسن من الايطالي.
سألنى نجيب عن حكاية السارق الذى اجتهد أن يدخل منزلنا ولكن لم يتمكن من ذلك والأمر هو أنه دخل من شباك المطبخ فى الدور الأرضى ( ومنزلنا أربعة أدوار) ولم يتمكن من الخروج من المطبخ لأن الباب كان مغلقاً وفى الصباح عندما ذهبت الخادمة كالعادة وجدت المطبخ فى هيئة غريبة فطلعت ونبهت الجميع . ثم كلمت التليفون وحضر البوليس وأخذ التحقيق اللازم ولكن للآن لم يمسك الحرامى ولم نر أى أثر عنه.
و لقد كانت لهذه الحادثة أشد الأثر علينا ولكنها قليلة جداً من نوعها ولا تظنوا أنه توجد حرامية مثل حرامية مصر هنا وإنما حرامية هنا متعلمين الحرفة ومتمعنين فى كل الأمر قبل عملها . فمثلاً الحرامى الذى دخل المنزل لم يأخذ أى شيء بالمرة سوى خاتم مس جرين الذى كانت قد تركته فى المطبخ وقت الغسيل مع العلم أنه كان فى استطاعته أخذ جملة أشياء أخرى مثل ملابس جورج الرسمية مثلا وبدلتين له أيضاً وكذلك كل الفضة التى نستعملها فى الأكل ولكن كل ما كان يريد ذلك السارق هى النقود لاغير أو ما شابهها .
سررت جداً لأنكم ا نبسطتم من المقالة الصغيرة التى كتبتها وكان فى عزمى كتابة غيرها عن نهر النيل وعروسة البحر ولكن لم أتمكن من ذلك وعن القريب إن شاء الله سأتمها بلا مقاطعة.
و على رأى نجيب بعض الإنجليز مازالوا متمسكين أن مصر بلاد همجية وصحراء لا غير وجمال سائرة فى كل جهه.
سررت من مقابلة الأمة المصرية لملك وملكة البلجيك ولقد نشرت بعض الجرائد هنا صورا للملكة مع عمر طوسون لكن ما كل هذه التكاليف الباهظة ؟!
سلام لجميعكم كلكم وإلى لولى ولعلها مبسوطة من المدرسة وأين خطاب انعام ؟ وسلام لنجيب مع شكرى لاخباره المسلية التى يكتبها لى اسبوعياً بلا ملل. ثم سلام لرشدى وكمال وسررت جدًا من خطهما الجميل ومن الإنشاء. وسلام لوداد، وإلى والدتى ووالدى المحترمين مع شكرى الجزيل . ختاماً لكم قبلاتى وأشواقى الكثيرة ودمتم .
ابنتكم المشتاقة
انعام
ثم كتبت انعام خطابا أخر لأخيها رشدى الصغير الذى أصبح بعد سنوات الدكتور رشدى سعيد العالم الجيولوجى المصرى الشهير، وبعتبر الجواب ده واحدا من أجمل الجوابات .
شقيقى رشدى أو «أوروزدي» بك
وصلنى جوابك اللطيف وصورتك الجميلة. أنت ولد شاطر جدا لأنك بقيت جدع خالص فى الرسم .
أنا فرحت خالص لما عرفت أنك رايح مدرسة شبرا فمبروك يا رشدى يا حبيبي.
كيف صحتك يا رشدي؟ أنا عاوزاك تكتب لى كل أسبوع جواب طويل خالص لأنى أحب جواباتك كتير خالص لأنها حلوة زيك تمام. وكمان عاوزاك ترسم كتير خالص علشان تيجى هنا وتتعلم الرسم مثلى وتبقى ولد حلو خالص ونقولك يا رشدى باشا. أنا كمان مبسوطة جدا ان انت نجحت فى الامتحان وترتيبك متقدم جدا.
نظيرة قاعدة جانبى
- نظيرة المذكورة فى الخطاب هى نظيرة نقولا الشهيرة بـ «ابلة نظيرة» ومؤلفة كتاب «أصول الطهى» وبتسلم عليك جدا يا رشدى وتقولك مبروك اللى نجحت يا حبيبى . وفيه ولد أمامى حلو زيك عمال يلعب فى الرمل وهو يشبه لك جدا.
أنا كتبت لك جواب طويل خالص تقراه لوحدك وإذا لم تعرف تقرره قل لنجيب يساعدك واكتب وقول لى علشان أبقه اكتب لك بخط أوضح من هذا.
ختاما أبوسك بوسة عظمى مرة تانى وأشكرك جدا على جوابك وسؤالك عنى وعلك تداوم على الكتابة لى ودمت .
شقيقتك المشتاقة انعام
رابط دائم: