جمعهن شغف البحوث فى مجال الفيزياء النووية وحصلن على الإلهام من مارى كورى وسميرة موسى وأحمد زويل، تبدو المعادلة الفيزيائية بالنسبة لهن ممتعة تماما بقدرسماع سيمفونية لبيتهوفن، فى بيت طفولة كل منهن كانت هناك مكتبة ضخمة وأسرة داعمة، ولدى كل منهن كان الطريق واضحا، وصنعن المستحيل من أجل السير فيه دون أى تردد، تجاوزن كل الأشواك التى أدمت أقدامهن، وقدمت كل منهن الشعلة للجيل الذى تلاها فى سباق مشاعل لا يليق سوى بسيدات مصر.
أم الفيزياء النووية
هكذا لقبها طلبتها بكلية العلوم ومعهد الليزر إنها العالمة الكبيرة د. لطفية النادى التى مازالت تستكمل مسيرتها العلمية والتى كرمها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وقال لها »أنا مش خايف على البلد طالما فيها ستات زيك كده.. طول ما انتم موجودين بالنسبة لى دا كفاية«، لقبها العالم الراحل احمد زويل بملهمته ومثله الأعلي. وقال انه تعلم منها الكثير، وكانت اول حاصلة على الدكتوراه فى مجال الفيزياء النووية فى مصر.
د.شيماء أبوزيد
ولدت عام 1934، وتخرجت فى كلية العلوم عام 1956 بتقدير امتياز ثم أكملت الماجستير والدكتوراه. رفضت العمل معيدة بالكلية وفضلت العمل فيما اصبح هيئة الطاقة الذرية المصرية وعملت سنوات فى مفاعل »انشاص« النووي، فى الفترة بين 1956 و1969.
عن تلك السنوات تقول الدكتورة لطفية: «أنشا الرئيس جمال عبد الناصر لجنة الطاقة الذرية وكان هدفه إنشاء مفاعل بحثى نتدرب عليه لتصميم مفاعلات كبيرة لإنتاج الطاقة، وبعد زواجى بثلاثة شهور تم اختيارى للسفر لمدة عام الى روسيا عام 1956 بين فريق مكون من 12 عالما للتدرب فى هيئة الطاقة النووية الروسية، فكنت أول مصرية تعمل فى التفاعلات النووية التجريبية. ثم سافرت مع زوجى إلى المملكة المتحدة وحصلت على الماجستير فى الطبيعة الإشعاعية من جامعة برمنجهام، وعدت إلى مصر عام 1960 فعملت مع أساتذة روس وحصلت على الدكتوراه فى التفاعلات النووية فكنت أول سيدة مصرية تحصل على الدكتوراه فى هذا التخصص».
عن كلمة عبد الناصر الشهيرة لها تقول:«كان عبد الناصر يزورنا كثيرا فى أنشاص فقد كان رئيس اللجنة وكان منبهرا بعملنا هناك، وقد التقيته اربع مرات، وكان يستمع إلى مشاكلنا ويطلع على تطور العمل. وكان لديه طموح كبير لإنشاء برنامج نووى مصرى للاستخدامات السلمية، وكان يحدثنا دوما عن رغبته فى أن تصبح مصر دولة مستقلة بعلمائها يكون تطورها دون الاعتماد على الغير، وقال لى كلماته التى أعتز بها وسط زملائى فى إحدى زياراته، فكانت طاقة إيجابية هائلة دفعتنا جميعا للعمل بحب وتفان فى المشروع، إلى أن توقف تدريجيا لضعف التمويل«.
تقول: » للأسف اضطررت إلى التخلى عن المكان الذى عشقته ومن أجله رفضت الإنجاب، حتى لا يتعرض جنينى لإشعاعات، وعدت بعد ذلك إلى التدريس فى الجامعة، وأنجبت ابنتى مي«.
أما عن إنشائها أول معهد لدراسة الليزر فى مصر فتقول:« بدا مشروع المعهد فى أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، بجهاز ضخم لليزر منحته لنا ألمانيا لدراسته وقد كان الأمر جديدا تماما علينا ودرست الجهاز وأحببته فقررت الاتجاه إلى دراسة علوم الليزر وأنشأت المعهد القومى لعلوم الليزر ليكون أول معهد من نوعه فى مصر ومنطقة الشرق الأوسط وافريقيا».
وبسبب الليزر توطدت علاقة الدكتورة لطفية بالدكتور الراحل أحمد زويل الذى تروى كيف دعم هذا المشروع ووقعت معه اتفاقيات واصبح رئيسا شرفيا لمؤتمر افتتاح المعهد، فدعا وهو العالم البارز كبار علماء الليزر فى العالم لدعمنا دون أن يكلفنا مليما واحدا»
وما زالت الدكتورة لطفية النادى بعد 65 عاما من العطاء العلمى والاكاديمي: الإشراف علي66 رسالة ماجستير ودكتوراه وكتابة 110 أبحاث علمية فى الدوريات الأكاديمية المصرية والعالمية،والحاصلة على العديد من الجوائز المحلية والعالمية، تواصل الحلم بالكثير من اجل مصر وتواصل عملها نائب مدير المركز الدولى للدراسات العلمية وتطبيقات الليزر بجامعة القاهرة، كما انها عضو مجلس أمناء مدينة زويل .
رائدة بحوث الأمان النووى
الدكتورة هدى أبو شادى هى عضو المجلس التخصصى للتعليم والبحث العلمى التابع لرئاسة الجمهورية، وأستاذ الفيزياء النووية بكلية العلوم جامعة القاهرة ووكيل كلية النانو تكنولوجي. حصلت على الدكتوراه فى الفيزياء النووية من جامعة القاهرة عام 1997 بعد تحكيمها فى كل من جامعتى هايدلبرج وتوبنجن بألمانيا.
عملت أبو شادى مع عدة جهات علمية مرموقة منها معمل الفيزياء النووية والجسيمات الأولية بكلية الهندسة بباريس- فرنسا، ومركز الفيزياء النظرية بإيطاليا والمركز القومى للتقنيات والعلوم النووية بهيئة الطاقة الذرية الفرنسية وشبكة الأمان النووى بالوكالة الدولية للطاقة الذرية بفيينا.
كما حصلت على التدريب العملى لدراسة الأمن والأمان النووى بالولايات المتحدة وهيئة المحطات النووية بكندا، ولها العديد من الأبحاث المنشورة فى مجال التطبيقات النووية السلمية والفيزياء النظرية، أيضا شاركت فى ترجمة الموسوعة المرموقة »جامعة كل المعارف« لوزارة الثقافة المصرية بالتعاون مع المركز الثقافى الفرنسي. وشاركت أيضا فى تأسيس بنك المعرفة المصرى ومجلة للعلم كما قامت بتأسيس أول شبكة للتطبيقات النووية السلمية بجامعة القاهرة.
تتمتع الدكتورة هدى بحس فنى عال وروح معطاءة مرحة، وترجع جذورها إلى أسرة شديدة الثقافة وأب ملهم وزوج أكاديمى داعم، تشاركا معا طريق الكفاح والحلم وساند كل منهما الآخر، عن تعلقها بمجال الفيزياء النووية تروى : »وأنا طفلة فى الصف الخامس أخذنى والدى معه إلى نقابة المهن العلمية، وشاهدنا فيلما عن بناء السد العالى وبعد الفيلم ناقشنا مع أبى مدى انبهارى بالسد العالى فقالى لى والدى للأسف لن يكفينا لزمن طويل لقد بنى وعددنا 20 مليون نسمة وأعدادنا تزداد ولن يكفى احتياجات مصر فى المستقبل وسنكون فى حاجة إلى بدائل أخري. وعندما سألت عن هذه البدائل قال لى المفاعل النووى والعالم كله الآن يبنى المفاعلات النووية. فقلت له وانا طفلة اذا أنا أيضا سأبنى مفاعلا نوويا. وبالفعل فقد دخلت كلية العلوم لأدرس فيزياء نووية«.
تخصصت فى «علوم رياضية»، كنت استمتع جدا بالمحاضرات وأعدو إلى منزلى أتخيل حل المعادلات استمتعت جدا بسنوات الدراسة الجامعية، وكنت الأولى على دفعتى وأخذت جوائز التفوق على الدفعة وعلى الكلية واعلى الدرجات فى الفيزياء. بعدها عينت معيدة بالكلية وحضرت بعدها الماجستير وحصلت على الدكتوراه وانا فى السابعة والعشرين العمر. ولم تعد الأمور وردية، وكان زوجى أيضا وهو زميل لى فى الكلية يحضر للدكتوراه فى النانو تكنولوجى ومعنا طفل صغير. أذكر أننى عندما كنت حاملا جلست على فراشى وقد أصبت بتسمم حمل أثناء تحضيرى رسالة الدكتوراه وأصررت على استكمال معادلاتي، لم يقف المرض أو الغربة عائقا أمام استكمال طموحى»
ممثلة مصر فى «سيرن»
وأخيرا من الجيل الجديد تأتى الدكتورة المتميزة شيماء أبو زيد، أول دكتورة مصرية فى مجال فيزياء الجسيمات الأولية التجريبية أوما يطلق عليه أيضا فيزياء الطاقات العالية وهو تخصص غير موجود بالجامعات المصرية حتى الآن، وقد حصلت على الدكتوراه المزدوجة، درجة الدكتوراه فى الفلسفة فى العلوم من الجامعة الحرة ببروكسل بيلجيكا، وأيضا درجة الدكتوراة فى الفيزياء النووية. وتعمل حاليا كباحث فيزيائى ضمن آلاف العلماء من جميع أنحاء العالم وتمثل الفريق المصرى المشارك فى إحدى الدراسات الدولية فى المركز الأوروبى لأبحاث العلوم النووية ـ بسيرن بمدينة جنيف وهو أكبر تعاون دولى يجمع باحثين من اكثر من 140 دولة، ويوجد به أكبر عدد من الأجهزة العملاقة لدراسة ومحاكاة بعض المراحل الأولية لنشأة الكون.
وتنتمى شيماء لأسرة من محافظة قنا. ومنذ طفولتها انصب اهتمامها على القراءة والدراسة ودخلت كلية العلوم لأن بها معامل فيزياء نووية متطورة . بعد دخول الحياة العملية، لم تكن الحياة سهلة كما تصورتها، وقد صدمت بأنى لا استطيع أن اعمل فى الفيزياء النووية التطبيقية، ومع هذا أصررت على أن اذهب وأسجل لدرجة الماجستير وكان الجزء العملى فى هيئة الطاقة الذرية ثم توالت الفرص والمهام حتى وصلت لمهامى البحثية الحالية فى معهد سيرن وأفخر بأن أمثل بلدى فى هذا المعهد الدولى وأن أشارك فى تلك الأبحاث التى تسهم فى خدمة البشرية».
رابط دائم: