كثر الحديث عن أزمة البحث العلمى فى الجامعات وشارك العديد من الأساتذة والعلماء فى تشخيص مظاهر وأسباب هذه الأزمة، وطرحوا البدائل والحلول، كما طرح البعض تساؤلاتهم وإسهاماتهم فى وسائل الإعلام، ولكن القواعد والنظم مازالت كما هى.. ومن الملاحظ تراجع المستوى العلمى لدى العديد من الأجيال الجديدة من الكوادر الجامعية فى مختلف التخصصات الاجتماعية والإنسانية الذين يحصلون على الترقية العلمية، وبحكم تجربتى الطويلة فى التعامل مع لجان الترقيات فى الجامعات المصرية والعربية والإفريقية ومنظمة اليونسكو أرى أن هذا التراجع يُعزى إلى الأسباب التالية:
أولا: عدم السعى بجدية والتزام إلى تعديل الأسس والمعايير العلمية فى تشكيل اللجان العلمية والترقيات ولجان التحكيم العلمى بمختلف التخصصات فى العلوم الاجتماعية والإنسانية، وذلك حرصا على مستوى الكفاءة والجدارة العلمية والنزاهة الأخلاقية للأساتذة الحاصلين على الترقية لأنهم بحكم المهنة والرسالة الجامعية مسئولون عن التأهيل والتربية العلمية للأجيال الجديدة من الكوادر العلمية، كما لا يمكن إعفاؤهم من المسئولية عن تردى البحث العلمى، أو صعوده فى العلوم الاجتماعية.
ثانيا: لا يمكن النهوض بالبحث العلمى فى العلوم الاجتماعية والإنسانية بدون كوادر علمية نالت التأهيل والتدريب العلمى الذى يجعلها قادرة على استيعاب التراث العلمى ومتابعة الآفاق المستقبلية معرفيا ونظريا للتخصصات المختلفة، وتقديم إضافة علمية بارزة فى التخصص الدقيق.
ويقودنا ذلك إلى ضرورة إعادة النظر بمنظور نقدى فى اللوائح والمقررات التعليمية فى المرحلة الجامعية الأولى والدراسات العليا حيث كشفت التجربة التعليمية الطويلة عن عدم الاهتمام الذى يصل إلى حد إغفال تدريس مواد مناهج البحث وفلسفة العلوم والمستقبليات فى معظم أقسام الإعلام بالجامعات المصرية مما أسفر عن ظهور أجيال وكوادر علمية (خصوصا المعيدين) الذين يعانون الضعف العلمى والفكرى، ويتعجلون الحصول على الماجستير ثم الدكتوراه بمساعدة بعض الأساتذة الذين لا يملكون الوقت ولا الجهد لتطوير خلفياتهم العلمية، لأنهم يلهثون خلف رفع مستواهم المعيشى، ناهيك عن تطوير طلابهم أو التدقيق فى مستوى الرسائل العلمية، والأغرب من ذلك شيوع منح تقدير الامتياز لرسائل الماجستير والتوصية بالطبع والتبادل لرسائل الدكتوراه مخالفة للوائح الجامعية، ومجاملة لأهالى الباحثين أو لأسباب أخرى.
وحرصا على ارتقاء البحث العلمى والنهوض به فعلا لا قولا، وضمانا للارتقاء بجودة البحوث العلمية وإعداد كوادر علمية قادرة على المنافسة فى المجال الدولى فإننى أدعو المجلس الأعلى للجامعات إلى السعى للقضاء على الخلل الراهن بتحديث المعايير العلمية والتدقيق فى اختيار أعضاء اللجان وقوائم التحكيم العلمى مع مراعاة عدم تجاهل خبرات وكفاءة كبار الأساتذة وتكليف الكليات بمهمة تسجيل أسماء كبار الأساتذة وإسهاماتهم العلمية وموافاة المجلس الأعلى للجامعات بها بصفة منتظمة وملزمة، وهذه هى نقطة البداية نحو التطوير المنشود.
د. عواطف عبدالرحمن
رابط دائم: